خفض الفائدة البنكية في تونس إجراء أحادي لا يشجع على الاستثمار

قلل خبراء اقتصاد من فرص تحفيز قرار البنك المركزي التونسي بخفض قيمة الفائدة حيث اعتبروا ذلك إجراء أحاديا فاقدا للمقومات الأخرى الضرورية لتحفيز الاستثمار خصوصا الإصلاح الجبائي والإعفاءات الضريبية.
تونس- اعتبر اقتصاديون أنه لا دلالات إيجابية لخفض قيمة الفائدة حيث أنها تظل مرتفعة على اعتبار النسبة الحقيقية التي ستوظفها البنوك لاحقا على القروض، مما يجعل كلفة الدين ترتفع ما يخنق المستثمرين ويمثل عبئا على ميزانية الأسر والشركات.
وكان البنك المركزي التونسي قد أعلن خفض نسبة الفائدة الرئيسية من 6.75 في المئة إلى 6.25 في المئة، وذلك بهدف تشجيع الاستثمار ودعم النشاط الاقتصادي.
واتخذ البنك قراره خلال اجتماع دوري عقب اجتماع تناول آخر التطورات على الصعيد الاقتصادي والنقدي والمالي، لاسيما آخر البيانات المتعلقة بالنمو الاقتصادي، الذي تأثر بشدة بسبب فايروس كورونا الجديد والتدابير المطبقة لاحتوائه.
وقال البنك، إنه “إثر المداولة والنقاش، وبهدف المساهمة في توفير الظروف الملائمة لدفع الاستثمار واستعادة نسق النشاط الاقتصادي مع المحافظة على الاستقرار المالي، قرر المجلس تخفيض نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي بـ50 نقطة أساسية لتصبح في مستوى 6.25 في المئة”.
وأشار إلى أن النمو الاقتصادي في البلاد “شهد تراجعا حادا بنسبة 21.6 في المئة خلال الثلاثي الثاني من العام الجاري، مقابل ارتفاع بنسبة 2.1 في المئة” خلال نفس الفترة من العام الماضي. وعزا هذا الانكماش الذي وصفه بـ”غير المسبوق”، إلى “تقهقر الإنتاج في كل القطاعات ماعدا القطاع الزراعي”.
ومن المفترض أن يكون لتخفيض نسبة الفائدة تأثير إيجابي في الاستهلاك من خلال تسهيل حصول الأفراد على قروض استهلاكية وكذلك الاستثمار بتحسين كلفة القروض للمؤسسات الاقتصادية.
غير أن خبراء سرعان ما قللوا من فرص ذلك وقال الخبير الاقتصادي فهد تريمش في تصريح خاص لـ”العرب” إن”نسبة الفائدة بعد التخفيض تظل في حد ذاتها مرتفعة جدا وذلك دون اعتبار نسبة الفائدة الحقيقية التي ستوظفها البنوك لاحقا على القروض”.
وأوضح أن “ذلك يجعل كلفة الدين مرتفعة جدا بنسبة لا تقل في معظم الأحيان عن 10 في المئة، وهو ما يكبل المستهلكين والمستثمرين عبر إضافة عبء ثقيل على ميزانية الأسر والمؤسسات الاقتصادية”.
وأضاف الخبير “هذا التخفيض إذا بقي يتيما ولم ترافقه إجراءات في العمق تشجع المؤسسات على الاستثمار، وفي مقدمتها تخفيف العبء الجبائي الخانق، ودعم الأسر التي تضررت مقدرتها الشرائية جراء التضخم المرتفع طيلة سنوات، فلن يحقق النتائج المرجوة منه”.
وحسب البيانات فقد تراجعت نسبة التضخم حيث بلغت نحو 5.4 في المئة مقارنة بحوالي 6.7 العام الماضي. وقوّض رفع نسبة الفائدة خلال السنوات الأخيرة شهية الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار نتيجة ارتفاع تكلفة الدين ما جعل أصحاب رؤوس الأموال يفضلون عدم خوض المخاطرة تخوفا من فشل المشاريع ما يضرب قدرتهم على سداد القروض.
وواصل البنك المركزي التونسي طيلة السنوات الأخيرة في الترفيع في نسبة الفائدة أو المحافظة عليها في مستويات مرتفعة لاسيما خلال سنوات 2017 و2018 و2019.
وقرّر المركزي في فبراير 2019 رفع سعر الفائدة الرئيسية بمقدار واحد في المئة ليصل إلى 7.75 في المئة، وهي أعلى نسبة تم إقرارها منذ عام 1990. وقام المركزي بالتخفيض في قيمة الفائدة مرتين منذ بداية أزمة جائحة كورونا.
وتشهد تونس تراجعا حادا في نسبة النمو بسبب تراجع الحركة التجارية مع شريكها الأبرز الاتحاد الأوروبي الذي يشكل لوحده نحو 80 في المئة من قيمة المبادلات التجارية. ويكافح الاقتصاد التونسي هشاشة مقوماته، ما جعل فاتورة الوباء باهظة.
وفي هذا السياق دعا فهد تريمش إلى “إصلاح أسس الاقتصاد من خلال إجراءات جذرية لتشجيع المؤسسات على الاستثمار والإنتاج بأقل كلفة عبر تقليص الضغط الجبائي وكلفة اقتراض لضمان المنافسة في الأسواق التقليدية ودخول أسواق جديدة على أسس مالية صلبة”.
من المفترض أن يكون لتخفيض نسبة الفائدة تأثير إيجابي في الاستهلاك من خلال تسهيل حصول الأفراد على قروض استهلاكية
وكان صندوق النقد قد طالب تونس في أكتوبر 2018 بتشديد القيود النقدية من أجل معالجة مستويات التضخم القياسية. ولدى الخبراء قناعة بأن قرار المركزي قد يكبح شهية المستثمرين وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاقتراض بنسبة الفائدة الحالية المرتفعة وخصوصا في ظل الوضع الراهن وتبعات كورونا.
وسبق وأثر رفع الفائدة العام الماضي على حجم السيولة المتداولة بين البنوك حيث يعاني القطاع المصرفي من غياب الحوكمة، ما أدى إلى ضعف كفاءة البنوك وحوّلها إلى عائق بدل تحريك النشاط الاقتصادي.
ويرى خبراء أن الشركات التونسية لا يمكن أن تغامر بالدخول في سوق استثمارية كما هو عليه الحال في تونس، حيث سيتم سحق نشاطهم سريعا تحت أعباء الديون بفعل أسعار الفائدة المرتفعة وقد يتعثرون في سدادها للمصارف مستقبلا. وهذا بالفعل ما تشير إليه البيانات الرسمية وحتى خلال معاينة نشاط الشركات عن قرب.
وحتى اليوم، لا تستهدف السياسة النقدية لتونس تخفيضا واضحا في قيمة الدينار، كما أن الحكومة نفت مرارا نيتها تحرير أسعار الصرف رغم أن هذه القضية لا تزال تثير جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية.