خالد العناني مسؤول مصري لا يخشى لعنة الفراعنة

مفتون بالحضارات قيل له بأنه سيصبح وزيرا قبل 18 عاما.
الثلاثاء 2021/06/01
حريص على وضع كل ما هو فرعوني في مكانة لائقة

أظهرت واقعة استقبال خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري للسيدة الأميركية المصابة بالسرطان غلوريا أولكر، والتي كانت محل اهتمام وسائل إعلام عالمية قبل أيام، أنه من المسؤولين القلائل الذين يهتمون بالتفاصيل الدقيقة لاستثمارها في تحقيق الهدف الذي يعمل من أجله.

وقد غرّد ابن السيدة أولكر على حسابه الرسمي بموقعة تويتر، قائلا إن حلم حياة أمه كان زيارة الأهرامات المصرية لكنها لا تمتلك التكلفة المادية لذلك، فما كان من العناني إلا إرسال دعوة رسمية لها للقيام بالزيارة وتفقّد المعالم السياحية مجانا.

تبدو القصة بسيطة وعادية، لكنها تحمل الكثير من المعاني والرسائل، فالرجل رغم انشغاله بملفات كثيرة لإنقاذ السياحة من عثراتها واستعادة مكانة بلاده على الخارطة العالمية تعامل مع الطلب بطريقة تعكس إدراكه بأن المواقف البسيطة كفيلة بتحقيق نجاحات كبيرة، وكلما تعامل المسؤول مع مثل هذه النوعية من القضايا بحكمة وعقلانية ودهاء سياسي سوف يخرج مستفيدا. غير أنه تعامل مع الأمر بمنطق آخر، حيث استقبل أولكر في مكتبه وأصرّ على اصطحابها في جولة منفردة بمنطقة أهرامات الجيزة الشهيرة برفقة عائلتها، وقرر فتح ساحة أبوالهول بشكل استثنائي لها، وسمح لها بتمديد فترة إقامتها في مصر على نفقة وزارة السياحة لتجوب مناطق أثرية في محافظات مصرية مختلفة.

الوزير الفاشل

العناني يُحسب له أنه الوزير الذي أعاد ملف العائلة المقدسة بعد تهميشه، ليستقطب الملايين من المسيحيين ( في الصورة ميلانيا ترامب برفقة العناني في زيارة للآثار المصرية)
العناني يُحسب له أنه الوزير الذي أعاد ملف العائلة المقدسة بعد تهميشه، ليستقطب الملايين من المسيحيين ( في الصورة ميلانيا ترامب برفقة العناني في زيارة للآثار المصرية)

عندما ألغى العناني إقامة الاحتفالات في الفنادق والمنشآت السياحية لظروف جائحة كورونا، تعرض لانتقادات وصلت حد التجريح، ووصف بـ”الوزير الفاشل”، فدافع عن موقفه قائلا “إنه لا بد من تحسّس خطواتنا، لأن صورة واحدة يمكن التقاطها لتجمع في مكان سياحي وأثري مغلق سوف تعود بنا إلى مربع الصفر، وحينها يدرك السائح أن مصر بلد فوضوي لا يعنيه صحة الناس”.

يصنف العناني بأنه من الوزراء النادرين في مصر الذين تربطهم مع الجمهور علاقة قوية، لأنه واقعي في حديثه ومخضرم في التواصل بأكثر من لغة، ويقدم نفسه للشارع على أنه حارس الحضارة المصرية القديمة، وعلى فترات متقاربة يبهر الرأي العام باكتشافات أثرية جديدة، ويتعامل مع تاريخ الفراعنة بطريقة توحي بأنهم من عائلته، حيث يتمسك بإظهارهم للناس بصورة مشرفة تحفظ لكل قطعة أثرية مكانتها.

أعاد تقديم نفسه للرأي العام أثناء نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة إلى متحف الحضارة قبل أسابيع قليلة. فعندما كان يشرح للرئيس عبدالفتاح السيسي، وأودري أزولاي مديرة منظمة اليونسكو، تاريخ كل مومياء وملك وتفاصيل البيئة التي عاشت فيها بدا كأنه عاش معها واقترب منها.

يُدرك أن المسؤولية الواقعة عليه مضاعفة، فهو الذي جمع بين حقيبتي الآثار والسياحة منذ فترة طويلة، مع أن هذه كانت مجازفة حكومية تعرض على إثرها إلى انتقادات كثيرة من خبراء ومتخصصين في الملفين، لكن دوائر صناعة القرار السياسي بدت واثقة في قدرات وإمكانيات الرجل.

مشروع قلب العاصمة الذي يشرف عليه العناني يقوم على مسارين، الأول يستهدف المحافظة على الآثار للأجيال القادمة بمحو مصادر التلوث البصري، والثاني يتمثل في متعة التنزه بأمان وهدوء وراحة نفسية وسط معالم القاهرة التاريخية

يمتلك العناني سجلا طويلا من الخبرات، وكان مشرفا على مشروع المتحف القومي للحضارة المصرية إلى جانب عمله كمدير للمتحف المصري بالتحرير، وسبق له العمل كمرشد سياحي، وعمل أستاذا في علم المصريات بقسم الإرشاد السياحي في كلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، جنوب القاهرة، وقام بتدريس حضارة وآثار ولغة مصر القديمة في العديد من الجامعات الحكومية والخاصة.

وفي ظل شغفه بالاطلاع على كل ما يرتبط بالحضارة الفرعونية أبلغه أحد أساتذة الآثار في فرنسا، بأنه سيكون وزيرا للآثار المصرية مستقبلا، وكان ذلك عام 2003. وانعكست هذه النبوءة على شخصية العناني بشكل إيجابي، وقرر الاجتهاد في العمل، والاطلاع على كل ما يرتبط بالحضارة المصرية القديمة، وعمل كمحاضر وأستاذ زائر في علم المصريات بجامعات فرنسية وألمانية وأميركية وسويسرية.

استثمر تواصله المباشر مع دوائر صناعة القرار عن السياحة في الغرب، لمعالجة القصور الذي يواجه الملف وتسبب على مدار سنوات في تراجع العوائد الاقتصادية لمصر، فبدأ يعمل ويشارك في ترتيب كل تفصيلة مرتبطة بالسائح، ويفتح ملفات الأماكن الأثرية في البلاد، ويشكل لجانا من خبراء لمساعدته في المهمة. فالعناني ليس من هواة العمل المكتبي. يرتدي ملابس شبابية عادية، ويتجول بين الأماكن الأثرية بنفسه، ويحتك بالعاملين ويسألهم عن أوجه القصور لإدراكه أنه من الطبيعي أن تكون كل الأمور على ما يرام، لكن السلبية هي التي لا يجب استمرارها مهما كانت صغيرة أم كبيرة، وهو ما يفسر اهتمام الرجل بالتفاصيل البسيطة.

العيش بين الحضارات

Thumbnail

يشارك بنفسه في الاكتشافات الأثرية ولا يجد حرجا في النزول إلى قاع الغرف المظلمة تحت الأرض ليرصد مراحل التنقيب واستخراج ميراث الفراعنة، وعندما يتحدث إلى الرأي العام عن أي اكتشاف يتحدث عن محتوياته بفخر وخلال ساعات يُبلغ الرأي العام بتاريخ وصفات وأهمية كل أثر تم استخراجه من منطلق حق الناس في المعرفة.

بلغ تقديسه لكل ما هو أثري لأنه لا يؤمن مطلقا بفكرة لعنة الفراعنة ولا يطيق سماع هذا الوصف، حيث يتكلم عنهم بطريقة دفاعية واضحة، كأنه الناطق باسمهم، والأمين على ميراثهم وسيرتهم وحضارتهم، ودائما ما يسعى لأن يضع كل ما هو فرعوني في مكانة لائقة، حتى لو كان تمثالا لعامل في أحد العصور المصرية القديمة.

قبل شهور، كانت هناك سلسلة من الحرائق وانهيار في بعض العقارات تزامنت مع الإعلان عن قرب نقل المومياوات الملكية وانتشرت تفسيرات كثيرة حول أن سبب هذه الحوادث، لعنة الفراعنة، فما كان من العناني إلا الظهور على وسائل الإعلام، والتأكيد أن الفراعنة “بركة”

وليسوا لعنة، لأنهم تركوا لمصر والعالم خيرا كثيرا على مدار السنين، وسيأتي أضعاف هذا الخير مستقبلا.

وقتها تحدث عن الفراعنة بأنه عمل طوال مسيرته المهنية في مجال الآثار، وسط المقابر والتوابيت، ولم يجد من الأجداد القدماء أذى، بالعكس، هم من جعلوه يرفع رأسه وسط بلاد العالم ليتحدث عن الحضارة الفرعونية، والأجداد وحدهم من استمروا في مساعدة مصر إلى اليوم، بالبركة لا اللعنات.

يتعامل مع كل إنجاز يقوم به في ملف الآثار باعتباره يؤسس لحضارة الغد، فهو أكثر إيمانا بأن الاكتفاء بما خرج من باطن الأرض وعدم البحث بكل جهد وتعب عن باقي الميراث الحضاري الذي تركه الفراعنة سوف يترتب عليه غضب الأجداد على الأجيال الحاضرة والمستقبلية بدعوى أنهم قبل الآلاف من السنين تحملوا الصعاب لأجل أن يسعد الأبناء والأحفاد.

ما يميّزه عن الكثير ممن سبقوه في الملف أنه لم يركز على ملفات بعينها مرتبطة بالقطاع الأثري، واشتبك مع القصور الذي يضرب كل ما يرتبط بالحضارة، سواء أكانت فرعونية أو إسلامية أو قبطية أو غيرها، فهو لا يرغب في أن يستهدف شريحة بعينها من السياح بقدر ما يبحث عن مخاطبة كل الفئات بمختلف انتماءاتها وثقافاتها.

المتشدّدون فكريا ينتقدون العناني ويتهمونه بأنه مسؤول عن الترويج للعلمانية لمجرد أنه يهتم بالآثار اليهودية والمسيحية

أظهرت التغيرات التي طرأت على القاهرة التاريخية والخديوية بمنطقة وسط البلد، أن العناني يرغب في تقديم صورة مغايرة عن مصر، مفادها أن هذا البلد الإسلامي له خلفيات كثيرة تعكس حضارته العظيمة، ويعمل الرجل على مشروع ضخم يُظهر دُرّة التاريخ الإسلامي للدولة، وما يترتب على ذلك من عودة إحياء رونق العاصمة الذي يفتقده المصري والزائر.

يقوم مشروع قلب العاصمة على مسارين، الأول يستهدف المحافظة على الآثار من خلال محو التلوث البصري، والثاني سياحي ويتمثل في إتاحة متعة التنزه بأمان وسط معالم القاهرة التاريخية وتحويلها إلى منطقة جذب سياحي.

يريد العناني من وراء التوسع في الاشتباك مع كل الحضارات القديمة استقطاب السياح بشتى السُبل، وبدا ذلك واضحا من وضعه خطة متشعبة لاستعادة السياحة الدينية مكانتها بغض النظر عن هوية العقيدة، لدرجة أنه قرر إطلاق مشروع ضخم لتحويل سيناء إلى مزارٍ سياحي لأصحاب الديانتين اليهودية والمسيحية كتأكيد على قيم التسامح والسلام والمحبة.

يرى أن مصر يجب أن تكون لديها نوعيات عديدة من السياحة، وألا يتم تصدير صورة مصغرة عنها بأنها مجرد بلد الفراعنة، يريد تصحيح مثل هذه المفاهيم كي تظهر أن لديها السياحة الفرعونية واليونانية والإسلامية والقبطية وغيرها، كمدخل لتواجدها على الخارطة العالمية بعد سنوات من تراجع مكانتها إثر تقلبات سياسية عديدة.

يُحسب له أنه الوزير الذي أعاد ملف العائلة المقدسة بعد سنوات طويلة من تهميشه، لحاجته إلى إمكانيات مادية ضخمة، لكنه أقنع الحكومة بتخصيص الأموال اللازمة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة بعدما وضع خطة ليكون مسار العائلة عبارة عن ممر سياحي متكامل يستقطب الملايين من أتباع السيد المسيح حول العالم وزيارة الأماكن المقدسة التي سارت فيها السيدة مريم وولدها عيسى عليهما السلام.

رغم تعرضه لانتقادات واتهامات من جانب متشددين فكريا بلغت حد اعتباره مسؤولا عن الترويج للعلمانية لمجرد أنه يهتم بالآثار اليهودية والمسيحية، لكنه لم يهتم أو يرد على هؤلاء، وسار في طريقة غير مكترث بمحاولات إفشاله بذرائع دينية واهية، فهو شخص متسامح ويستثمر الترويج للآثار الدينية بمختلف عقائدها لتكريس التعايش والمحبة والسلام في بلاده.

عندما خرجت إحدى السيدات اليهوديات في مصر لمناشدة الحكومة الاهتمام بالتراث اليهودي، بادر العناني إلى تشكيل لجنة موسعة لحصر كل ما يرتبط بالمعابد اليهودية، واحتياجاتها المادية للترميم والإصلاح لعودتها إلى رونقها وقيمتها التاريخية، في تصرف ينمّ عن شجاعة، لأن نظرة العرب لليهود ليست إيجابية تماما.

نزيف تهريب الآثار

احتفالية نقل المومياوات الملكية إلى متحف الحضارة مؤخرا، أعادت تقديم العناني من جديد، وعندما كان يشرح للرئيس السيسي وأودري أزولاي مديرة اليونسكو، تاريخ كل مومياء بدا وكأنه عاش معها واقترب منها (الصور من السوشيال ميديا)
احتفالية نقل المومياوات الملكية إلى متحف الحضارة مؤخرا، أعادت تقديم العناني من جديد، وعندما كان يشرح للرئيس السيسي وأودري أزولاي مديرة اليونسكو، تاريخ كل مومياء بدا وكأنه عاش معها واقترب منها (الصور من السوشيال ميديا)

ميزة العناني عند الرئيس السيسي أنه من الوزراء الذين يجيدون التخطيط والتحدث بلغة الأرقام، فإذا عرض مشروعا سياحيا أو أثريا يتكلم عن العوائد بطريقة حسابية مرتبة من دون العودة إلى الأوراق، وهي الطريقة المفضلة للسيسي في تعامله مع أي مسؤول حكومي، غير أن العناني، وبعيدا عن خبراته وتفكيره خارج الصندوق، لم ينجح بعد في وضع حلول جذرية لبعض المشكلات التي تهدد الجهود المبذولة، فالمشروعات السياحية والأثرية الطموحة التي تفتح لها الحكومة خزائنها وتوفر لها متطلبات مادية سخية تواجه أزمة نقص في الوعي الأثري العام لدى شريحة كبيرة من المصريين.

تتجلى هذه المشكلة في التعامل مع السياح بطريقة تثير سخطهم داخل المواقع الأثرية أو في محيطها، ومحاولة البعض استنزاف الزائر الأجنبي ماديا بشتى السبل. ومع أن هؤلاء قلة، لكن وزارة السياحة لم تضع حلولا وتشريعات صارمة توفر الحماية الكاملة للسائح في التحرك دون مضايقات بما يشوه صورة ما تحقق من إنجازات.

المعضلة الأخرى مرتبطة باستمرار تهريب الآثار والتنقيب غير المشروع عنها، وشعور البعض بأن كل أثر يتم العثور عليه صار ملكية خاصة، يمكن بيعه وجني مكاسب مالية طائلة، وهي إشكالية

تطرّق إليها العناني كثيرا ولم يتم التوصل إلى معالجة جذرية لها، في ظل عدم الإدراك بأن العقوبات القانونية وحدها لن توفر الحماية الكاملة للميراث الفرعوني الذي لم يُكتشف بعد.

13