حنان القعود: المجتمع السعودي لم يعد خاضعا للتصنيف الذكوري والأنثوي

تشعرك الكاتبة السعودية حنان القعود بأن زمن المجتمع الذكوري، وسدنة الماضي، وحرّاس الفضائل، قد انتهى، وبأن المتابع للمشهد السعودي أمام واقع جديد تعيش فيه المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل دون أي فروقات جندرية قد تفرضها الأنساق الثقافية والجغرافيا وتراكمات الماضي القريب والبعيد. في هذا الحوار تتوقف “العرب” معها حول بعض القضايا الثقافية والفكرية في زمن التحوّلات السعودية الكبيرة.
نالت رواية “الصابئة” الصادرة سنة 2018 لحنان القعود جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية (فئة الرواية) عام 2019.
وتتمحور رواية الصابئة -التي صدرت عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع، وتدور أحداثها بين الرياض وبوسطن- حول محاولات فتاة استرجاع ذاكرتها وماضيها المفقود في المجتمع السعودي ذي الخصوصية الحادة حيال مجموعة من التابوهات المتشكّلة ضمن الأنساق الثقافية المختلفة، حيث تقيم شخوصها في قالب اجتماعي درامي. وتعكف القعود حاليا على رواية جديدة.
تشغل القعود الحياة بظاهرها وباطنها، تشغلها اليوميات بتفاصيلها، ويشغلها البشر، ويثريها البحث عن إنسانيتهم، تقول “في ما يخص عوالمي التي تدفعني للكتابة، يشغلني الحُب وما يقودنا له ويبعدنا عنه، تشغلني فلسفة أرواحنا وفكرنا والبحث عمّا يختبئ في أنفسنا ونخشى البوح به”.
يلاحظ القارئ للقعود بأن مشروعها الروائي مشغول بواقع المرأة السعودي المعاصر، لكنه انشغال جزئي متضمن لانشغال كوني أكبر، وأكثر اتساعا وأهمية، تقول “في الحياة بشكل عام، كل حراك فردي أم اجتماعي هو عامل تأثير سواء أكان تأثيرا على المدى القريب أم البعيد. تجاربنا كبشر والتقلبّات الاجتماعية هي محل جدل وتأثير أيضا. بلا شك كوني امرأة سعودية فسأكون معنية بكل ما يدور عنها وحولها، لكن واقعنا كبشر يشغلني بالدور الأول بعيدا عن الجندرية”.
وفي سؤال عن الفعل الثقافي بشكل عام، والروائي بشكل خاص، إذا ما كان جزءا مؤثرا في التغيير السياسي والاجتماعي في المملكة. تجيب “للثقافة دور فعال وثابت على مرّ التاريخ، والروايات على وجه الخصوص نقلت لنا ثقافات أمم وعرّفتنا عليها ولولاها لاندثرت حضارتها وما علمنا عنها شيئا، لذا فدورها كبير حتى وإن احتاج لدور حياة كاملة حتى يتبلور ويتضح.
وعن قراءتها للواقع السردي السعودي المعاصر، تقول “الأدب العربي الناتج عن السعودية في وقتنا الحالي أثبت دورا كبيرا لا يغطيه غربال. الأدباء السعوديون استطاعوا حفر أسمائهم في تاريخ الأدب وأعمالهم انتشرت عبر الترجمات على مستوى العالم، أي أنهم حاضرون في المشهد الثقافي العالمي بعد أن تصدروا المشهد العربي عبر منصات عدة”.
الروايات على وجه الخصوص نقلت لنا ثقافات أمم وعرّفتنا عليهم ولولاها لاندثرت حضارات وما علمنا عنها شيئا
تعيش القعود حالة تفاؤل عالية حيال المستقبل وحيال الواقع القائم بكل ما يحدث فيه من تغيّرات على مستوى المرأة، حيث لم تقتصر التحولات الوطنية -ضمن رؤية 2030- على الجانب الاقتصادي والسياسي والتنموي فحسب، بل لامست النسيج الثقافي والاجتماعي والفكري، إذ شكّلت مناخات جديدة للأفكار والتصورات لمستقبل التعليم والثقافة بمعناها العام، المرتبطة بالآثار والترفيه والمسرح والفنون والموسيقى، لاسيما ما يخص تعقيدات ارتباطها السابق بالموقف الديني المتشدد حيال الحداثة والتجديد.
وتقول “متفاءلة جدا بالقادم وسعيدة بما يحدث الآن، نملك مناخا صالحا للكتابة، ملهم لاستنطاق الحرف، يحتاج منا بذل الجهود والطاقة بسخاء”.
تؤكد القعود على أن المجتمع السعودي لم يعد خاضعا للتصنيف الذكوري والأنثوي، وتعلق على سؤال “العرب” حول التحولات الوطنية في السعودية التي لامست المرأة وحياتها على مستوى تغيير الأنظمة، وإن كانت التحولات الأخيرة قادرة -بشكل ثوري- على كسر الحالة النفسية حيال المرأة في مجتمع ذكوري مثل السعودية “أين المجتمع الذكوري؟ لم يعد لدينا هذا التصنيف.
النساء الآن شريكات حقيقيات فاعلات في المجتمع، وأي امرأة مؤمنة بقدراتها وحقوقها وواجباتها، وتملك الهمّة لتكوين ذاتها وترك بصمة في هذا العالم تستطيع وبكل يسر الانطلاق. المجالات متاحة للجميع (على حد سواء). الانتظار لا يعطيك سوى المزيد من هدر الوقت، الفُرص تُقتنص ولا تُنتَظر”.
وترى القعود أنها بسبب كونها كاتبة في المجال الثقافي لم تضطر يوما لدخول أي صدام عبر مقال، ولم تكتب مقالا واحدا واجه المنع حتى الآن، وتؤكد على أنها تملك حريتها الكاملة في ما يخص حرية التعبير في سقوف الصحافة السعودية في ظل التحولات الوطنية الأخيرة.
توضح القعود أن الصحوة هي مدّ فكري مرّ كما مر غيره من التيارات، عاش مرحلته وانتهى. لا تجد جدوى -برأيها الشخصي- من النقاش حوله. وتحترم شجاعة كل من قال رأيه حياله حين كان مهيمنا ويملك سطوته. أما الحديث عن الصحوة الآن فلا تحبذه.
ونذكر أن حنان القعود تعمل على مشروعها الروائي بجانب عملها الصحافي ككاتبة لمقال أسبوعي في صحيفة الجزيرة السعودية تتناول من خلاله المشهد الثقافي وتعلّق على بعض قضاياه وتضيء مساحاته المعتمة بفضاءات من الكشف والتحليل. صدر لها “صَهْ مع خالص عتبي” 2015، و”رَشْق” إصدار مشترك عام 2016، ورواية “الصابئة”.