جيل الألفية لا يعير اهتماما للروابط الأسرية

تختلف طبيعة تفاعل جيل الألفية مع الآخرين وكذلك رؤيتهم للحياة عن الأجيال التي سبقتهم، فإحساسهم بأنهم مركز الكون ولد لديهم نوعا من الأنانية جعلتهم لا يعيرون اهتماما للروابط الأسرية الضيقة وحتى الموسعة التي تشمل العائلات الكبيرة أو المتصاهرة. ويرجع الباحثون ذلك إلى ارتباطهم الوثيق بوسائل التكنولوجيا العصرية.
يؤكد خبراء علم الاجتماع أن جيل الألفية يعتبر الأكثر تنوعا مقارنة بالأجيال السابقة، حيث أثرت التطوّرات العلمية والتكنولوجية الهائلة على توجهاته وآرائه وأولوياته في الحياة، لتشكل جيلا يبحث عن التغيير ولا يحب القيود، كما أن ارتباطه بإرثه الثقافي والفكري الكلاسيكي يبدو محدودا.
ويشير الخبراء إلى أن إحدى المشكلات التي تواجه جيل الألفية هو أنه أصبح أكثر التفافا حول ذاته، وأكثر رغبة في لفت انتباه الآخرين، وأكثر اقتناعا بأنه مركز الكون كله، ما يعني أن الروابط الأسرية ورابط الدم يأتيان في مرتبة متأخرة من اهتماماته.
ويربط باحثون بين طريقة الشباب في العيش حاليا وآرائهم وخياراتهم وبين ازدهار الإنترنت والشبكات الاجتماعية، ويعتبرون أن هذه المواقع تلعب دورا رئيسيا في كيفية تفاعل أبناء هذا الجيل مع الآخرين وتشكيل وجهات نظرهم ورؤيتهم للحياة.
وقالت زكية الشيحي وهي أم لثلاثة أبناء، إن أولادها لا يعيرون اهتماما كبيرا للروابط الأسرية التي تجمعهم بعائلتهم الموسعة، مشيرة إلى أنهم لا يزورون أقاربها ولا أقارب والدهم، وأنهم لا يجيدون الملاطفات، ويقضون أغلب وقتهم أمام شاشات هواتفهم.
وأضافت لـ”العرب” أنها تشعر بالخجل إذا بادر إخوتها بالزيارة وسألوها عن أسباب تقصير أبنائها في ذلك، حتى أنها في غالب الأحيان لا تجد أعذارا مناسبة.
وترى الشيحي أن أولادها انعكاس لجيل الألفية، الجيل البارد العواطف حسب تعبيرها والمنكفئ على نفسه، وهي لا تستثني أولاد إخوتها الذكور والإناث المقصرين بالسؤال عنها أيضا والذين لا يمتون بصلة لجيلهم السابق.
ولفت الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة إلى أن ما يعيشه الإنسان في هذه الفترة المتقدمة من التطور التكنولوجي جعله إنسانا متحولا، بمعنى أنه إنسان ذو بعد واحد هو الإنسان الافتراضي الذي صار صورة وكائنا تواصليا مع جماعة من الغرباء في مجتمعات سيبرنية.
الاندماج في دنيا التكنولوجيا ولد أجيالا باردة العواطف العائلية، فكت الهواتف الذكية الارتباط بينها وبين أسرها
وأضاف لـ”العرب”، “هذا الاندماج في دنيا التكنولوجيا جعل أجيال الألفية الثانية باردة العاطفة العائلية، فهي أجيال ولدت في أسر محافظة لكن فكت الهواتف الذكية والحواسيب والفضائيات الارتباط الأخلاقي بينها وبين أسرها”.
وتابع “هذا الوضع الخطير سيؤدي إلى ظهور أجيال جديدة بلا مرجعية تربوية وبلا قيم محافظة، هي أجيال نمطية ومتمردة على سلطة الأبوين وعلى احترام الأكبر سنا والأوسع تجربة وأرباب العمل… إنها أجيال عصر الاستنساخ وزمن الروبوتيزم والمادية المفرطة والعولمة الشرسة لذلك فعناصرها أصبحوا أبناء شهواتهم وصنائع ثقافة الاستهلاك ونتيجة حضارة إيروس”.
وأشار إلى أن الحالة الراهنة لجيل هذه الألفية التي كنا نعتقد أنها صانعة المستقبل الأفضل للبشرية، غدت محل مخاوف كبيرة بسبب حيادها رغما عن الأسرة والدولة والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية الرسمية.
وأشار بن منصور إلى أنها حادت عن سبيل الحدّ الأدنى من المثالية على صعيد الأسرة المتماسكة وعلى مستوى المجتمع الذي يبسط سلطته على أفراده عن طريق توريث القيم الإيجابية والاحترام بين السلف والخلف من خلال التنشئة الاجتماعية، مؤكدا أن هنالك جهودا عربية ودولية مبذولة من أجل حماية الأسرة ودعم تماسك أفرادها عن طريق رسم مشترك لاستراتيجيات تحفظ الأسرة وتصون نظامها بما يعزز تأثيرها الإيجابي في صنع أجيال هي ماسكة لزمام التطور وليست أبرز ضحاياه.
وتؤكد الدراسات أن غالبية شباب اليوم مرتبطون بمؤثّري مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أصدقائهم، ويعتقدون أن مؤثّرهم المفضل قد يفهمهم أفضل من المقربين لهم.
وأشارت دراسة حديثة إلى أن 90 في المئة من جيل الألفية، ما بين 18 – 29 سنة، موجودون على مواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دورا رئيسا في كيفية تفاعل 90 في المئة من هذا الجيل مع الآخرين، بالإضافة إلى أن 40 في المئة منهم مرتبطون بـالمؤثّرين “المشهورين” أكثر من أصدقائهم، وهذا الجيل هو الذي يبحث عن التغيير، جيل لا يحب القيود، وارتباطه بإرثه الثقافي والفكري الكلاسيكي.

وأكد خبراء علم النفس أن تراجع ارتباط الأبناء بالأسرة الموسعة ظاهرة طبيعية، واحتياج بشري لا غنى عنه حيث إن رغبة الأبناء في السَّعي إلى المزيد من الحرية أمر طبيعي، لكنه يتعارض مع غرائز الآباء لحماية أطفالهم من الضَّرر مما يسبب خللا في وقوع تفكك وخلافات أسرية بين الابن وأسرته، والسبب هو الجهل بخصائص مرحلة المراهقة وكيفية التعامل وتحقيق الاستقلال الذاتي للمراهق.
واقترح علماء النفس الحوار مع الأبناء والاستماع لهم ومشاركتهم هواياتهم واحترام رغبتهم في الاستقلال دون إهمالهم وتوجيههم ومتابعتهم خلال هذه المرحلة كحلول لمواجهة تفكك الروابط الأسرية.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن استقرار المجتمع مرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار الأسرة، وزيادة ترابط أفرادها، فكلما زادت الروابط الأسرية قوة كلما قلت المشكلات الناجمة عن التفكك الأسري. ويؤكد علماء النفس أن الأسر التي يحوطها العنف الاجتماعي والتوتر يميل أفرادها للعنف المجتمعي؛ لأن العنف لا يولد إلا عنفا، والأسر التي تتعايش في جو من السكينة والهدوء يقدم أبناؤها نموذجا للتميز والبذل والتقدم. كما تزيد الأسر الناجحة من القوة القادرة على الإنتاج والعطاء في المجتمع، ويصبح أفرادها لبنات في طريق تحقيق التنمية المستدامة، ويؤكد علماء الاجتماع أن الأسر التي تتعايش في جو من تقديم الحقوق الكريمة في أوقاتها المناسبة كاللعب للأطفال، والتعليم للنشء، تقدم نموذجا للمصلحين الذين يبحثون بشكل جاد عن الحق والعدل وإقرار السلام المجتمعي.
كما تقدم الأسرة التي تغرس الفضائل في أبنائها وتحارب الرذائل في نفوسهم خدمة للمجتمع بمنع انتشار الفواحش فيه، وتؤسس لمجتمع متكافل ومتضامن يسوده الود وتكون فيه الروابط الأسرية متينة.
وتعد الأسرة اللبنة الأساسية في المجتمع، وهي أهم علاقاته الاجتماعية، وتتكون من مجموعة من الأفراد، يشكل كل فرد فيها مجموعة من الأفكار والقيم الروحية والعقلية والاقتصادية والعقائدية، تربط بين أفرادها صلة القرابة والدم، أو صلة النسب والمصاهرة، وتقوم على الحب وتحمل المسؤولية وتربية الأولاد بطريقة سليمة؛ بهدف التأثير في المجتمع إيجابيا.