جولة مصرية ثانية لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية

تستعد مصر لتطبيق مرحلة ثانية من الإصلاح الاقتصادي في يوليو المقبل، تستهدف معالجة الخلل الهيكلي في الأنشطة والتركيز على الجوانب الإنتاجية، بعد تطبيق المرحلة الأولى التي تركزت على إصلاح الجوانب النقدية وسعر صرف العملة المصرية، وحققت نجاحا لافتا، وتجاوزت الكثير من المعوقات الاجتماعية.
القاهرة - أعلن رئيس الوزراء المصري عن إطلاق المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ابتداء من يوليو المقبل، وتركز على الاقتصاد الحقيقي عبر زيادة مساهمة قطاعات الصناعة والزراعية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي.
وتستهدف الخطة الجديدة زيادة مساهمة القطاعات الرئيسية من 26 في المئة إلى نحو 35 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة أي مع حلول العام المالي 2023/2024.
وتعد المرحلة الثانية من الإصلاح طوق النجاة الحقيقي للاقتصاد، خاصة وأن المرحلة الأولى التي طبقت نهاية 2016، وتجرع خلالها المصريون الدواء المر نجحت في ضبط السياسة المالية، لكنها لم تفلح في جذب معدلات استثمار تتناسب مع جرأة الإصلاحات التي تجنبت حكومات سابقة على مدى 40 عاما الاقتراب منها.
وترتب على القرارات السابقة تخفيض الجنيه بأكثر من مئة في المئة، وتضخمت أسعار الكثير من السلع والخدمات بمعدلات وصلت إلى نحو 32.4 في المئة، فضلا عن تحرير أسعار المحروقات.
ورغم نجاح البرنامج في ضبط المنظومة النقدية وإصلاح تشوهات تسعير المنتجات والقضاء على سعر الصرف الموازي للجنيه أمام سلة العملات الأجنبية، إلا أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية تراجعت قبل تداعيات وباء كوفيد – 19، وتفاقمت الأمور مع تباطؤ حركة الاستثمارات العالمية خلال الجائحة.
وكشف التداعيات ميزان المدفوعات الذي رصد تراجع حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بنسبة 32.3 في المئة.
وتراجعت الاستثمارات من مستويات 4.9 مليار دولار إلى 3.3 مليار دولار، رغم الإشادات التي تلقاها الاقتصاد من مؤسسات مالية عالمية، وفرص قدرته على مواصلة النمو.

بسنت فهمي: الصناعة والزراعة والاتصالات محاور رئيسية في الخطة
وأمعن ميزان المدفوعات في كشف حركة تباطؤ التدفق الاستثماري، بعد أن رصد مؤشرات انخفاض بنسبة 9.5 في المئة خلال العام المالي 2019/2020 وتراجعا في حركة الاستثمارات بلغ 7.5 مليار دولار مقارنة بنحو 8.2 مليار دولار قبل عام.
وتتواكب خطط بدء تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح مع الموازنة الجديدة التي يتم العمل بها بدءا من يوليو المقبل، والتي ترصد حزما من الاستثمارات الحكومية بنحو 22.9 مليار دولار، بزيادة 27.6 في المئة وصفها وزير المالية محمد معيط بأنها معدلات غير مسبوقة.
وتستهدف الاستثمارات تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتعظيم الإنفاق على المشروعات التنموية، على النحو الذي يساعد في الإسراع بتنفيذ مستهدفات رؤية خطة مصر 2030 لإرساء دعائم التنمية الشاملة والمستدامة.
وعبر حزم الإنفاق الاستثماري الحكومي، يتلقى القطاع الخاص جرعة شجاعة تدفعه إلى توسيع نطاق أعماله، ففي أوقات الأزمات تقود الحكومات دفة الاستثمارات لطمأنة القطاع الخاص.
ولفت مستثمرون لـ”العرب” إلى أن نجاح المرحلة الثانية من الإصلاح مرهون بمدى قدرة الحكومة على مواجهة البيروقراطية العميقة التي لا تزال قائمة، رغم خطط التحول الرقمي الهادفة إلى تيسير وسرعة التعاملات مع الجهات الحكومية.
وأكدوا أن الحكومة أعلنت عن انطلاق المرحلة الثانية من البرنامج، لكنها لم تكشف عن ملامحه والحوافز التي تقدمها للقطاع الخاص.
وبالنظر إلى القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي أكدت عليها الحكومة في برنامجها، تتوافق مع عدد من المشروعات القومية التي أعلنت عنها مؤخرا، فقطاع الصناعات التحويلية يتوافق مع خطط فتح الصحراء أمام المستثمرين الأجانب لاكتشاف ثروات التعدين، وإحياء عدد من الصناعات التحويلية التي تزيد القيمة المضافة على هذه الثروات.
أما قطاع الزراعة، فيتوافق مع تدشين دلتا زراعية جديدة في الصحراء الغربية تتسم بالحداثة والتطور في منظومة الزراعية، سواء في طرق الري المتقدمة التي ترشد استهلاك المياه، أو طرق الزراعة نفسها، خلافا لعشوائية الزراعية في الدلتا القديمة.
ويتسق التطوير في محور الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع الفورة التي تواكب الانتقال للعاصمة الإدارية وافتتاح أكبر مشروع للتوثيق الإلكتروني بها ويعد الأكبر في الشرق الأوسط.
لكن كان من الأفضل أن تعلن الحكومة عن ملامح وخطط البرنامج وفق جداول زمنية محددة، لأن المرحلة الثانية من البرنامج تركز على قطاعات بعينها، بخلاف المرحلة الأولى التي كانت تستهدف إصلاحا عاما.
وقالت الخبيرة الاقتصادية بسنت فهمي لـ”العرب”، إن “برنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، يستهدف تطوير أداء الوزارات والمحافظات والبلديات من الآن وحتى 2030، وهي مرحلة شديدة الصعوبة، فمظلتها تشمل تطوير جميع الأجهزة التنفيذية بالدولة”.
وأوضحت أن المحاور الأساسية لبرنامج الإصلاح الهيكلي والممثلة في الاهتمام بالزراعة والأمن الغذائي والصناعة والتدريب والتكنولوجيا، من العناصر المهمة، لكن بيروقراطية الجهاز التنفيذي تعرقل التطبيق.
ويمكن إحراز تقدم ملموس في تطوير أداء الوزارات تزامنا مع عمليات الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة نهاية 2021، لكن ستظل كارثة المحليات قائمة رغم جهود التحول الرقمي، فالموارد البشرية غير مؤهلة، وتحتاج إلى المزيد من التدريب.

هشام كمال: ثمة عراقيل تحدّ من طموحات أصحاب المشاريع الصغيرة
ويصعب الحكم على نجاح مراحل الإصلاح الاقتصادي دون الحصول على مردود اجتماعي يشهد على كفاءة المنظومة، الأمر الذي يجعل توفير فرص عمل للشباب مؤشرا مهما في عملية الإصلاح.
كما يصعب أيضا أن تحقق الحكومة مستهدفها بخفض معدلات البطالة إلى 7.5 في المئة العام الحالي والوصول به إلى 7.3 في المئة العام القادم من دون ربط برامج الإصلاح بتوفير فرص للشباب، ما يمنح قطاع الصناعة وزنا في عملية الإصلاح.
وأكد هشام كمال رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع بالقاهرة الجديدة، أن الحديث عن تنمية قطاع الصناعة لا يزال مبهما، فالمعوقات لا تزال تواجه صغار المنتجين وأصحاب المشروعات الصغيرة.
وذكر لـ”العرب” أن هيئة التنمية الصناعية وهي الذراع الرئيسية لوزارة الصناعة، لا تمتلك رؤية لتطوير المنظومة الصناعية، بالتالي فالإصلاح الحقيقي لا بد أن يبدأ من هذه النقطة أولا.
ورغم ما تنطوي عليه التصريحات الحكومية من تطمينات للمواطنين حول عدم تكبدهم أعباء نتيجة المرحلة الثانية من الإصلاح الهيكلي، لكن لا يمكن أن تضمن ذلك بسبب اعتماد قطاعاتها الاقتصادية الرئيسة على استيراد الخامات من الأسواق الخارجية، ما يجعلها غير قادرة على ضبط منظومة التسعير بما يتلاءم مع المداخيل الحقيقية للمواطنين.
وتظهر ملامح تلك الإشكالية في حزم الدعم التي تطرحها الموازنة العامة، والتي رصدت في الموازنة المقبلة 20 مليار دولار لدعم برامج دعم الخبز والسلع التموينية والإسكان الاجتماعي والمعاشات، فضلا عن برنامج تكافل وكرامة للأسر الأكثر احتياجا.