جدل في تونس حول خضوع الهيئات الدستورية لقرارات السلطة التنفيذية

لا يزال قرار إعفاء شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يثير الكثير من الجدل في تونس لاسيما في ظل تمسكه بمواصلة مهامه على رأس الهيئة مقابل تصعيد رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ، ما جعل النقاش العام يتمحور حول سيطرة السلطة التنفيذية على الهيئات الدستورية ومآلات هذه السيطرة.
تونس- أثارت عملية إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد في تونس شوقي الطبيب، جدلا واسعا لم يهدأ، خاصة وأن المعني بالأمر رفض ذلك معتبرا أنه ليس من حق رئيس حكومة تصريف الأعمال القيام بذلك، ما فتح نقاشا عاما حول صلاحيات الهيئات الدستورية والتسميات والإعفاءات صلبها.
ورفضت النيابة العمومية طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ الإذن منها لاستعمال القوة العامة لتطبيق قرار تعيين القاضي عماد بوخريص رئيسا جديدا للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خلفا للعميد شوقي الطبيب المقال.
ودعت الخميس رئاسة حكومة تصريف الأعمال في بلاغ لها إلى تسريع انتخاب الهيئة الدستوريّة المعنيّة بمكافحة الفساد لسدّ جميع منافذ التأويلات ولمزيد تعزيز استقلاليتها، مطالبة جميع الأطراف بالالتزام بعلويّة القانون وتطبيق أمر التسمية فور صدوره.
وفي المقابل أعلن الطبيب الخميس رفضه لقرار الإقالة وتقدُّمه بالطعن فيه لدى المحكمة الإدارية. وذكرت مصادر مطلعة أن مكتب الضبط الخاص بالنيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس لم يسجل بتاريخ الخميس ورود أي طلب كتابي رسميا من رئاسة الحكومة للإسعاف باستعمال القوة العامة لإخراج رئيس هيئة مكافحة الفساد المقال شوقي الطبيب من مقر الهيئة وتنصيب رئيسها الجديد القاضي عماد بوخريص مكانه.
ويطرح تمسك الطبيب بمنصبه قانونية قرار الإقالة من عدمها، ومدى مخالفته للدستور والقانون ولمبدأ تفريق السلط والتوازن في ما بينها، فيما اعتبره مجلس الهيئة اعتداء صارخا على سلطة الهيئات المستقلة واغتصابا لصلاحيات الهيئات القضائية ممثّلة في محكمة المحاسبات.
واعتبر المجلس أن القرار المذكور فيه تعدّ على القانون وانتهاك صارخ لجهة قطعه مدّة نيابية لرئيس الهيئة مقررة بست سنوات، وهي نيابة غير قابلة للقطع ولا للتجديد، وبالتالي محصّنة من كل تدخل صادر عن السلطة التنفيذية ضمانا لمبدأ استقلالية الهيئات المستقلة.
ويرى مراقبون أن القرار اتخذ لتحقيق غايات سياسية تصل إلى تصفية الحسابات والتشفي والتنكيل برئيس الهيئة تبعا لتعهده بملف تضارب المصالح وشبهات فساد مالي وإداري متعلق بالفخفاخ.
وأفاد المحلل السياسي خليل الرقيق، أنه يجب التفريق بين الجانب القانوني والأخلاقي الذي رافق قرار الإقالة، باعتبار أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يحق له التعيين كما يحق له العزل والإقالة. وأضاف الرقيق في تصريح لـ”العرب”، أن “الفخفاخ تصرف بمزاجية شديدة وانفعال كبير كرد فعل سياسي ضد شوقي الطبيب الذي أثار مؤخرا شبهة تضارب المصالح ضد الفخفاخ، وكان عليه أن يترفّع على مثل هذه الممارسات”.
وتساءل المحلل السياسي عن دلالات توقيت الإقالة، قائلا “لماذا تمت إقالة شوقي طبيب الآن”، لافتا إلى أن “تأخير إنجاز الهيئات السياسية في تونس هو عمل مقصّر من الأحزاب والحكومات المتعاقبة خصوصا، فضلا عن كون الهيئات هي نوع من السلطة الموازية التي تمارسها الأحزاب”.
ولم يثر القرار جدلا سياسيا فقط بخصوص توقيت هذه الإقالة، (قبيل مغادرة الحكومة الحالية)، وشبهات تصفية الحسابات باعتبار تعهد الهيئة بملف تضارب المصالح للفخفاخ، بل أثار أيضا نقاشا قانونيا بين المختصين حول قانونيته في ظل اختلاف وجهات النظر.
واعتبر القاضي الإداري السابق أحمد صواب “أن قرار الإقالة مخالف للقانون ويتسم بعدة خروقات”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك اعتداء صارخ على نص الدستور وروحه”.
وفي الاتجاه ذاته ذهب أستاذ القانون الدستوري الصادق بالعيد واعتبر في تصريح إعلامي، أن قرار إقالة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب غير دستوري. كما أوضح أن رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ تجاوز صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.
مراقبون يورن أن القرار اتخذ لتحقيق غايات سياسية تصل إلى تصفية الحسابات والتشفي والتنكيل برئيس الهيئة تبعا لتعهده بملف تضارب المصالح وشبهات فساد مالي وإداري متعلق بالفخفاخ
وفتحت هذه الإقالة نقاشا كبيرا حول “سطوة” السلطة التنفيذية (الرئيس ورئيس الحكومة) في تونس على هذه الهيئات الدستورية خاصة أن هناك من بينها هيئات وقتية. واعتبر خليل الرقيق أن الهيئات “مؤسسات لإحداث توازنات سياسية، ولكن سيطرت عليها الطبقة السياسية”.
وأضاف “لا بد من استقلالية هذه الهيئات تماما وتخليصها من سيطرة الكتل البرلمانية حتى لا تخضع لإملاءات لوبي سياسي معين. عليها أن تحوي كفاءات وشخصيات منتخبة”. وأوضح صواب أن السلطة التنفيذية ليس من دورها تنصيب أسماء وإعفاء أخرى في هذه الهيئات.
وقال “قرار إقالة شوقي الطبيب تضمن العديد من الخروقات أهمها أنه لم يحترم المرسوم 120 لسنة 2011، وخالف روح القانون بخصوص الهيئات الدستورية المستقلة عن السلطة التنفيذية”.
وينص الفصل 125 من الدستور التونسي الذي تم إقراره في 2014 على أن الهيئات الدستورية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية و”تُنتخب من قبل مجلس نواب الشعب بغالبية معززة”.
وفي معرض حديثه عن سيطرة السلطة التنفيذية على الهيئات الدستورية اعتبر صواب أن “الدستور التونسي تقدمي جدا لكنه مُني بطبقة سياسية ضعيفة”. وقال “الطبقة السياسية والبرلمان في الدرك الأسفل من ثقة التونسيين”، وذلك في إشارة إلى عدم تمكن هؤلاء من البت في مصير هذه الهيئات التي ولدت من رحم الانتقال الديمقراطي الذي تمر به تونس.