جدل أسري بعد اقتراح البرلمان المصري تقاسم الحق في الطلاق

مطالبات نسوية باستبدال قانون الخلع بمنح المرأة حق تطليق الزوج.
الثلاثاء 2024/05/21
قبول الرجل بتقاسم العصمة مع المرأة ليس سهلا

في حين طعن عدد من الفقهاء التابعين لمؤسسة الأزهر في مقترح البرلمان المصري تقاسم الحق في الطلاق، بحجة أنه لا يجوز أن تكون العصمة في يد المرأة ما لم يتنازل عنها الرجل قبيل بدء العلاقة رسميا، أيدت منظمات حقوقية معنية بشؤون المرأة المقترح، لامسة فيه تمهيدا للمساواة بينهما في الكثير من الحقوق التي مازال الرجل يحتكرها لنفسه.

القاهرة - أحدث مشروع قانون تقاسم الحق في الطلاق بين الزوجين في مصر جدلا واسعا، لأنه لا يتناسب مع التقاليد المجتمعية، فالطلاق حق للرجل فقط ما لم يتنازل طواعية لزوجته ويمنحها هذا الحق (العصمة)، وهناك قانون للخلع يتيح للزوجة إنهاء العلاقة متى أرادت، فلا توجد مبررات تُلزم الرجل بتقاسم الحق في إنهاء العلاقة.

ويستهدف مشروع القانون الذي تناقشه لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب، والمعروف بـ”تقاسم ‏العصمة” بين الزوجين، التبسيط؛ فقانون ‏الخلع يتيح للمرأة أن تطلق نفسها بمجرد إبراء الزوج من مستحقاتها، وبعد إجراءات قانونية معقدة.

وقال البرلماني إيهاب رمزي عضو اللجنة التشريعية في تصريحات إعلامية إن المقترح ‏”محاولة لتبسيط إجراءات الخلع”، لوجود مشكلة حقيقية يجب معالجتها، تتمثل في تعقيدات الخلع، ودور البرلمان التسهيل، بما يُمكّن الزوجة من ‏إنهاء العلاقة، خاصة أن الكثير من الزوجات لا يملكن القدرة المالية على توكيل ‏محامين.

ويُعطي قانون الخلع في مصر للزوجة الحق في أن تطلق نفسها أو يحكم قاضي محكمة الأسرة بتطليقها متى أرادت، طالما أنها أفصحت عن استحالة العشرة مع زوجها، ومقابل ذلك تقر بتنازلها عن كامل حقوقها المادية، ولا تحصل على نفقة ومؤخر صداق ولا يحق لها الحصول على مزايا مثل المرأة التي يتم تطليقها بشكل تقليدي.

ووفقا للمقترح القانوني، فإن دور القاضي في قضايا الخلع محصور في الاستجابة لطلب الزوجة ولا يملك رفض ‏طلبها أو مناقشة أسبابه، لأن مبدأ حق المرأة في الطلاق موجود، فمن حقها أن تطلق زوجها في أي وقت وبإرادتها مثل حق الرجل، دون الحاجة إلى ‏دعوى قضائية وكلفة مالية.

المقترح محاولة لتبسيط إجراءات الخلع، لوجود مشكلة حقيقية يجب معالجتها تتمثل في تعقيدات الخلع ومشاكله

ولم تُعلّق المؤسسة الدينية في مصر على مشروع القانون، بالسلب أو الإيجاب، لكن بعض الدعاة والفقهاء التابعين لمؤسسة الأزهر تبرعوا بالطعن في المقترح، بحجة أنه لا يجوز أن تكون العصمة في يد المرأة كحق أصيل للرجل ما لم يتنازل عنها قبيل بدء العلاقة رسميا، ولا يجوز أن يقوم الطلاق بالقسمة بين الطرفين، لأنه ضد الشريعة.

ودافع صاحب المقترح القانوني (المحامي والبرلماني إيهاب رمزي) بأن التشريع المطروح أمام البرلمان ليس مخالفا للشريعة الإسلامية، فالطلاق حق للرجل كما هو حق للمرأة من خلال الخلع، فلماذا لا تتم المساواة، معقبا “لا يجوز أن يُمنح الرجل حق الطلاق دون تعقيدات، وإذا أرادت الزوجة فعل ذلك تواجه صعوبات قضائية”.

وقوبل المقترح بتأييد واسع من منظمات حقوقية معنية بشؤون المرأة، لأن تقاسم العصمة يمهد للمساواة بينهما في الكثير من الحقوق التي مازال الرجل يحتكرها لنفسه، كما أن الطرفين إذا اتفقا على تقاسم العصمة، فلماذا تكون هناك اعتراضات دينية من أي نوع، فالعلاقة مبنية على اتفاق مسبق.

وأعلنت نقابة المأذونين الشرعيين في مصر سابقا أن أكثر شرط يُكتب في الشروط الخاصة بعقود الزواج هو وجود العصمة في يد الزوجة (أي تطليق نفسها)، وأن 95 في المئة من النساء اللاتي يتمسكن بتسجيل هذا الشرط لديهن تجارب زوجية فاشلة، ما يعني أن مشروع القانون انعكاس لواقع حقيقي مازال غائبا عن المجتمع.

ويعتقد معارضون لمشروع القانون أن تقاسم حق الطلاق بين الشريكين إجراء دخيل على الأسرة وقد يتسبب في انهيار العلاقة لأسباب واهية، كما هو الحال بالنسبة إلى قانون الخلع الذي تلجأ فيه المرأة إلى الطلاق لمبررات ضعيفة أحيانا، ولا يجوز تقديم مقترحات جديدة تسهم في احتداد أزمة الطلاق في مصر، بدلا من البحث عن حلول جذرية للمشكلة.

وتتعامل نقابة المأذونين مع كل إجراء يُوسع صلاحيات الزوجة في الطلاق بتحفظ بذريعة أن هناك شريحة من النساء تتعامل مع الزواج برفاهية، والكثير من الفتيات المتزوجات حديثا لا يعين جيدا قدسية العلاقة، وهذه مسؤولية تتشارك فيها الأسرة، لأنها لا تقوم بتثقيف بناتها بصورة كافية وتعريفهن بسبل حل الخلافات الزوجية وديّا.

معارضون لمشروع القانون يعتقدون أن تقاسم حق الطلاق بين الشريكين إجراء دخيل على الأسرة وقد يتسبب في انهيار العلاقة لأسباب واهية

وصلت معدلات الطلاق في مصر إلى مستويات قياسية، وثمة وقائع يتم تصديرها إلى الرأي العام مثيرة للإحباط والرهبة والخوف من غياب الأمان داخل الأسرة، وباتت الكثير من الفتيات ينظرن إلى حق العصمة، أو على الأقل تقاسمها مع الرجل وفق مشروع القانون المطروح، على أنه طلب منطقي لتجنب ورطة الشريك الخطأ.

وترتبط مخاوف البعض بأن تقاسم حق الطلاق بين الرجل والمرأة قد يتسبب في انتشار الطلاق بشكل أوسع، فالعاطفة جزء من التركيبة النسائية، وحال نشوب خلافات تلجأ المرأة إلى الخيار السهل بتطليق زوجها، عكس الرجل الذي يتعامل بطريقة غير انفعالية، وهو ما تؤكده إحصائيات نقابة المأذونين بأن الخلع مسؤول عن 88 في المئة من نسب الطلاق في مصر.

وتحفظت عبير سليمان، الباحثة في قضايا الأسرة وشؤون المرأة بالقاهرة، على أن يكون تقاسم العصمة الزوجية سببا رئيسيا للطلاق، لكن المعضلة في الفهم الخاطئ للرجال لمسألة العصمة والاعتقاد بأن دخول المرأة شريكة في هذا الحق يحمل انتقاصا من قيمتهم، لذلك يصعب إقناعهم بحق المرأة في اقتسام العصمة طالما يتم ربطها بالرجولة.

ويتعامل كثيرون في مصر مع العصمة بعنصرية وتذمر شديدين، على اعتبار أن الرجل يراها قضية مقدّسة وحقله فقط، لا يجوز المساس به، بل إن هناك من يراها علامة من علامات الفحولة، وإذا تخلّى عنها الرجل سيكون ذلك انتقاصا من رجولته في محيط المنطقة والعائلة والأصدقاء، وهو أكبر تحدٍ أمام تمرير مشروع القانون.

وقالت عبير سليمان لـ “العرب” إن “شراكة الزوجة في العصمة ليست تشكيكا في الرجل، بقدر ما يحمل الأمر مساواة بين الجنسين، ومخاوف جمة من تبعات الأزمات الأسرية التي تجعل الزوجة أسيرة لسجن أبدي، ولا يجب التعامل مع المرأة طوال الوقت على أنها تحتاج إلى وصاية في مسألة الطلاق، فهناك نساء يتعرضن للقهر في سبيل تطليقهن”.

ويؤكد داعمون لتقاسم العصمة أن شعور المرأة بأنها لا تقل عن الرجل في حق تطليق الشريك، يعزز المساواة داخل الأسرة، ما ينعكس على الأبناء، حيث يشبون وسط أجواء عائلية مستقرة، ويعايشون تعامل الأبوين معا باحترام متبادل وشراكة لا حدود لها، بدلا من هيمنة الرجل على كل القرارات، وفي مقدمتها تقرير مصير الأسرة.

وبقطع النظر عن إمكانية تمرير مشروع القانون من عدمه في البرلمان المصري سوف يظل قبول الرجل بتسليم العصمة للزوجة أو تقاسمها معها مرتبطا بطريقة التنشئة ومنسوب الوعي، وتعامله مع المرأة بطريقة إيجابية قائمة على التشارك والمودة والاحترام، لكن المهم أن يبتعد أرباب الأسر عن التدخل في عملية رسم العلاقة بين الزوجين، لأنهم يرفضون أي علاقة للمرأة بشؤون العصمة.

15