جائحة كورونا تعمق الفجوة في الرواتب بين الجنسين

الكثير من الرجال لا يصدقون أن رواتبهم أعلى من النساء.
الخميس 2021/03/11
رواتب النساء أقل بنسبة 16 في المئة من رواتب الرجال

عطّلت جائحة كورونا الجهود الرامية لسد الفجوة في الرواتب بين الجنسين وزادت في تعميق الأزمة التي تعاني منها النساء خصوصا في القطاعات الهشة. ورغم أن الإحصاءات الرسمية كشفت أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها النساء اللاتي لم يصبن بالوباء أكبر مقارنة مع خسائر الرجال، إلا أن ربع الرجال لا يصدقون أن رواتبهم أعلى من رواتب النساء. ودعا خبراء الاقتصاد إلى سن قوانين فعالة تضمن المساواة في الرواتب بين الجنسين.

تونس - عمّقت جائحة كورونا الفجوة في الرواتب بين الجنسين، وكشفت الإحصاءات الرسمية أن الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها النساء اللاتي لم يصبن بالوباء أكبر مقارنة مع خسائر الرجال. وتشكل النساء نسبة أكبر من قوة العمل في الصناعات التي توقفت، وعادة ما يتحملن المزيد من أعباء العمل دون مقابل في المنزل. كما أنهن يواجهن تحديات أكبر للحفاظ على وظائفهن ومواصلة العمل.

رواتب متدنية

معز الجودي: مسألة المساواة في الرواتب يجب ضبطها بقانون خاص

وفي تونس تشكّل النساء النسبة الأكبر من العاملين في قطاع الزراعة والتجارة وعادة ما يتلقّين رواتب متدنّية للغاية، ويقمن بأعمال شاقّة بدنيّاً مع افتقارهنّ للحماية الاجتماعيّة وضعف إمكانيّة وصولهنّ إلى المؤسسات الصحيّة الجيّدة. وفي ظلّ التفاوتات الجنسانيّة الصارخة تعاني النساء الريفيّات من عدم مساواة في الدخل والفرص الاقتصاديّة، وأدّى تفشّي وباء كورونا إلى زيادة هذه التفاوتات ممّا يجعل المُزارِعات بوجه خاصّ ضمن الفئة الأشدّ تأثّراً بهذا الوباء.

وتقل رواتب النساء اللاتي يشكلن 70 في المئة من القوى العاملة في قطاع الزراعة بحوالي 50 في المئة عن نظرائهن الرجال، ويتمتع عدد قليل للغاية منهنّ بالحماية الاجتماعية، إذ أنّ 33 في المئة فقط من النساء العاملات في المجال الزراعيّ لديهنّ ضمان اجتماعيّ، وهو عدد أقلّ أيضاً بكثير من مثيله لدى العاملين الرجال.

وفي العام 2017 أطلق المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بادرة هي الأولى من نوعها في تونس والعالم العربي وهي يوم المساواة في الرواتب بين الجنسين. وقال المستشار التنفيذي لرؤساء المؤسسات مجدي حسن إن “هذه المبادرة تهدف إلى إبراز التفاوت في الرواتب وذلك من خلال ضبط نظام أيام العمل الإضافية التي تطالب بها المرأة لتحصل على نفس الراتب الذي يتقاضاه الرجل”.

وأشار إلى أن الدراسة التي قام بها المعهد أظهرت أن المرأة التونسية تتقاضى راتبا يقل عن راتب الرجل بمعدل 14.6 في المئة ما يعني أنها مطالبة بالعمل 37 يوما إضافيا في العام لتحصل على مستوى راتب الرجل.

وتعد العاملات في القطاع الزراعيّ أكثر عُرضةً من الرجال لتردّي ظروف العمل خلال أزمة كورونا وذلك نظراً لاعتمادهنّ على أمان وظيفيّ أقلّ ممّا يحظى به الرجال، ونظراً لحرمانهنّ من أبسط متطلّبات الحماية الاجتماعيّة أو القانونيّة، ولوقوعهنّ ضحايا مخاطر الاستغلال، ولكفاحهنّ أيضاً ضدّ القيود المجتمعيّة والدينيّة والثقافيّة.

العاملات في القطاع الزراعيّ تعد أكثر عُرضةً من الرجال لتردّي ظروف العمل خلال أزمة كورونا وذلك نظراً لاعتمادهنّ على أمان وظيفيّ أقلّ ممّا يحظى به الرجال

وخلال الإغلاق الناجم عن فايروس كورونا بين شهرَي مارس وأبريل من العام الماضي، تأثّرت كثيراتٌ منهنّ بتدهور الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ في المناطق الريفيّة. ومع أنّ العمل في المَزارِع لم يتوقّف، فإنّ العاملات اللواتي اعتمدن على وسائل النقل للوصول إلى المَزارِع قد اقتصر عملهنّ على المواقع التي استطعن الوصول إليها بسبب قيود الحركة، ممّا يعني عملاً أقلّ وبالتالي دخلاً أقلّ. وكنّ أيضاً يعرّضن أنفسهنّ لخطر العدوى بفايروس كورونا أثناء التنقّل في وسائل النقل المزدحمة.

وفي الجزائر لم تعان المرأة العاملة في القطاعات الحكومية من مشكلة التفاوت في الرواتب مع الرجل، وكانت معاناتهما من تداعيات الجائحة الصحية العالمية متساوية، لكن الأمر يختلف تماما لدى القطاع الخاص، لاسيما الخدمات حيث تسجل حالات من الاستغلال والتفاوت اللافت في الراتب مقارنة مع الرجل.

وتقول خديجة حمداوي المتخرجة حديثا من الجامعة، إنها رضيت بالراتب الزهيد الذي تتلقاه من طرف مستخدمها في مجال المبيعات المكتبية والمدرسية، وبررت ذلك بحاجتها لذلك المدخول من أجل إعانة أسرتها وتلبية بعض حاجياتها الشخصية.

وذكرت في تصريح لـ”العرب” أنها “تخرجت منذ ثلاث سنوات من الجامعة، ولم تعثر على عمل يتوافق مع دراستها وتخصصها، ولما باءت جميع المحاولات والوساطات بالفشل، استسلمت للأمر الواقع واستلمت شغلا لدى أحد الخواص في مجال بيع الأدوات والتجهيزات المكتبية والمدرسية مقابل راتب زهيد جدا”.

ولا تبدي أكبر النقابات العمالية في الجزائر أي انزعاج من الفوارق في الرواتب المسجلة بين المرأة والرجل بالبلاد حتى في الحالات العادية، ويتركز اهتمامها في الغالب على الانشغالات والاهتمامات الشاملة للطبقة العاملة دون التركيز على باقي التفاصيل.

وظلت عاملات النظافة على سبيل المثال تعانين من الاستغلال والتهميش في المنظومة القانونية المسيرة لقطاع الشغل، ولم يتم الالتفات إلى المسألة إلا خلال السنوات الأخيرة فقط لما أدرجت الحكومة عاملات النظافة في إطار العمل الجزئي الخاضع للتصريح لدى مصالح الضمان الاجتماعي.

وحسب الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين حميد لعباطشة فإن “تأثير الجائحة الصحية كان شاملا على الاقتصاد الوطني وعلى مناصب الشغل، وأن تضرر القطاعات كان متفاوتا”، لكنه لم يشر إلى إمكانية التفاوت على أساس جنسي، كما لم يثر مسألة تأنيث قطاع الخدمات في القطاع الخاص، ليس لغرض نوعي أو اهتمام بالمرأة، وإنما لأسباب استغلالية للمرأة التي تفتقد لحماية مهنية واجتماعية.

استغلال وتهميش

أمل في مساولت إقتصادية
أمل المساواة في الرواتب دون استغلال

وحسب خديجة حمداوي فإن “استسلام المرأة للعروض الشحيحة في الرواتب ناجم عن غياب حماية مهنية أو منظومة رقابية تحفظ لها حقوقها، وأن القطاع الخاص توجه إلى هذا النمط من التشغيل ليس لتأثره بالجائحة أو بأي ظروف أخرى، وإنما لأن الشباب لا يرضون بتلك العروض ويفضلون البطالة على تلك المناصب”.

وأضافت “جائحة كورونا أثرت كثيرا على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، لكن أثرها كان عادلا بين الجنسين، فمثلا المرأة العاملة في القطاعات الحكومية تستفيد إلى حد الآن من رواتبها كما يستفيد منها الرجل، بينما العكس تماما في القطاع الخاص”.

ولفتت إلى أن مسألة الرواتب لا تعرف تمييزا بين الجنسين في الشركات والقطاعات الحكومية، وإنما تسجل الظاهرة بشكل واضح في القطاع الخاص وفي المهن النسوية الهشة لأسباب استغلالية تتصل بالخصوصية الاجتماعية والنفسية للمرأة ولا تمت بصلة إلى الجائحة.

وفي مصر تم إطلاق “محفز سد الفجوة بين الجنسين”  ويركز المحفز على المستوى المحلي على 4 أهداف رئيسية في مقدمتها إعداد النساء لعالم العمل ما بعد جائحة كوفيد – 19، وتقليص الفجوات بين الجنسين في الرواتب بين القطاعات وداخلها، وتمكين المرأة من المشاركة في القوى العاملة، وزيادة مشاركتها في الإدارة والقيادة.

ولا يختلف حال المرأة المصرية كثيرا في تلك الجائحة خاصة مع تقديرات الحكومة بأن النساء يُعِلْن نحو 30 في المئة من الأسر المصرية.

ويصبح الحمل أثقل اليوم مع توقع المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن يحدث تفاقم رهيب للبطالة وأن تصل معدلاتها إلى 20 في المئة نتيجة الأزمة، وتكون النساء من أبرز الفئات المتضررة لتمثيلهن المرتفع في قطاعات الخدمات وأنشطة القطاع غير الرسمي، إضافة إلى التأثير السلبي عليهن نتيجة الإجراءات الاحترازية.

وكانت “الإسكوا” توقعت في وقت سابق أن تخسر المنطقة العربية 1.7 مليون وظيفة على الأقل في عام 2020 نتيجة جائحة كورونا. ولكون مشاركة النساء في القوى العاملة بالمنطقة العربية تبلغ ما يقارب 20 في المئة، فإن نسبة خسائرهن للوظائف ستتعدى ضعف نسبة خسائر الرجال.

وقال باحثون إن الجهود المبذولة لسد الفجوة في الرواتب بين الجنسين قد تتعثر مع تعافي البلدان من الجائحة، حيث أظهر استطلاع عالمي أن ربع الرجال لا يصدقون أن رواتبهم أعلى من النساء.

وكشفت الدراسة الاستقصائية التي شملت 28 دولة أن ما يقرب من ثمانية من كل 10 أشخاص اعتبروا أنه من المهم معالجة الفروق في الرواتب بين الرجال والنساء، إلا أن نصفهم تقريبا لا يعتقدون أن هذا يجب أن يكون أولوية قصوى خلال الأزمة الصحية.

بدوره دعا معز الجودي الخبير الاقتصادي التونسي ورئيس الجمعية التونسية للحوكمة إلى ضرورة سن قوانين تحمي المرأة وتفرض المساواة في الرواتب بين الجنسين.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الحملات التحسيسية غير كافية، لذلك من الضروري سن قوانين تلزم المساواة في الرواتب بين المرأة والرجل”، مؤكدا على ضرورة أن تكون القوانين نابعة من واقع المرأة وألا تكون مسقطة.

21