تونس تنقل أعباء الميزانية إلى جيوب المواطنين

اللجوء إلى الحلول الترقيعية عبر زيادة الأسعار لسدّ العجز الضخم.
الثلاثاء 2020/12/15
الخبز هو المعركة التي لا يهابها التونسيون

عمق قانون الموازنة التونسية خيبات آمال التونسيين، نظرا لعدم حمله لأي مؤشرات اجتماعية ونقله لأعباء ارتفاع النفقات إلى كاهل المواطنين، حيث من المحتمل زيادة أسعار المواد الأساسية لسد عجز قياسي في الموازنة في ظل انهيار التصنيف الائتماني وصعوبة الخروج للسوق المالية العالمية.

تونس – يجمع خبراء اقتصاد على أن قانون الموازنة للعام 2021 واصل في سياسة الترقيع، حيث لم يتضمّن تحفيزا على الاستثمار، وغرق في سياسة الاستهلاك والإنفاق، ما يهدّد برفع أسعار المواد الأساسية وتأجيج الاحتقان الشعبي، فضلا عن تعسير مهمة الحصول على تمويل في أعقاب فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة الاقتصاد.

صادق البرلمان التونسي على ميزانية للعام 2021 وحجمها 52.6 مليار دينار (حوالي 19.4 مليار دولار)، بارتفاع بنحو 1.8 في المئة عن موازنة 2020 وعجز بنحو 8 مليارات دينار (6.3 مليار دولار) أي أكثر من 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

محسن حسن: المطلوب هو إيجاد برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي
محسن حسن: المطلوب هو إيجاد برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي

ويطرح العجز القياسي تساؤلات عن هوامش تحرك الحكومة لردم الفجوة المالية في ظل حالة الركود الاقتصادي المتفاقم في أعقاب مكافحة كورونا، وزيادة النفقات الحكومية رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي.

ويقول الخبراء، إن قانون الموازنة الجديد يقدم امتيازات ضريبية للشركات الكبيرة وذات الربحية العالية، مقابل إسقاط فصول اجتماعية تدعم الطبقات الهشة بعد جمع الموارد لذلك من ضرائب على حصص شركات كبيرة.

وقال محمد عمار رئيس الكتلة الديمقراطية وعضو لجنة المالية في البرلمان إن “قانون الموازنة كارثي ودون روح أو رؤية اقتصادية”.

وتابع عمار في تصريح لـ”العرب”، “هو قانون للترضيات.. حيث قدم امتيازات جبائية جديدة لبارونات المال والأعمال على حساب الفقراء”. وندد عمار بالقانون الذي يدعمه التحالف الحكومي لإقصائه الفصول الاجتماعية.

وتوقع أن “يحمل تأثيرات سلبية، وستضطر الحكومة في مواجهة قانون مفلس إلى زيادة في المواد الأساسية والمحروقات”. وبين أن الزيادة حاليا تشمل مادة السكر، متوقعا زيادة في أسعار مواد أخرى.

وفي هذا السياق وقع إسقاط مقترح خصم فوائد رقاع الخزينة على البنوك والمؤسسات المالية من المورد بنسبة 35 في المئة، ومعلوم الإجازة على مستغلي المقاهي والحانات وكل المحلات التي تبيع مشروبات تستهلك على عين المكان، وأيضا معلوم لفائدة ميزانية الدولة من البنوك والمؤسسات المالية وشركات التـأمين وإعادة التأمين.

وكان البرلمان قد أسقط أيضا مقترحات لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات، المتعلقة أساسا بتعزيز دور الدولة في النهوض بالقطاع الزراعي وتطويره وتخصيص البنك الوطني الفلاحي نسبة لا تقل عن 20 في المئة من حجم تمويلاته الاستثمارية.

وشملت المقترحات المرفوضة منح امتياز جبائي يتعلق باقتناء السيارة الأولى، وحماية منظومات الإنتاج الزراعي، وإحداث صندوق للإصلاح التربوي، والتشجيع على التشغيل.

وأثار إسقاط هذه القوانين جدلا واسعا داخل الأوساط الشعبية والاقتصادية، التي اعتبرت قانون الموازنة على مقياس رجال الأعمال، ويعمق تهميش الطبقات محدودة الدخل. 

ويشير الخبير الاقتصادي محسن حسن لـ”العرب” إلى أن “القانون جاء بهدف أحادي وهو التحكم قدر الإمكان في التوازنات المالية وإيقاف نزيف المالية العمومية ولم يحتو على أي بعد تنموي واستثماري واضح”.

ويتساءل حسن كيف بوسع الحكومة معالجة الدين العمومي، الذي يقدر في حدود 18.7 مليار دينار، وبالنسبة للحكومة يشكل التداين الخارجي مأزقا حقيقيا حيث يقدر بـ13 مليار دينار (4.79 مليار دولار).

أوضاع معيشية صعبة
أوضاع معيشية صعبة

ويقول حسن “ما يثير القلق هو أن علاقتنا بصندوق النقد الدولي لم تعد كالسابق، وتونس ستجد صعوبة كبيرة في الخروج للأسواق العالمية في ظل الأوضاع الداخلية المتردية”.

 وشدد الخبير على أن “المطلوب هو الانطلاق وبسرعة في العمل على إيجاد برنامج تمويل مع صندوق النقد، ومن شأن ذلك أن يفتح باب التعاون مع بقية المؤسسات العالمية”.

وانتهى برنامج التمويل التابع لصندوق النقد الدولي الممتد لأربعة أعوام في الربيع الماضي، ولا يوجد برنامج آخر في الأفق لتمويل موازنة تونس، التي اعتمدت بشكل كبير على المقرضين الدوليين في الأعوام الأخيرة.

ويشير الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي لـ”العرب” إلى أن “القانون الجديد غير اجتماعي، كما لا تحمل فصوله تحفيزا على الاستثمار”.

وفي ظل توجه الحكومة لتقليص الدعم، يتوقع الشكندالي زيادة مرتقبة في أسعار بعض المواد الأساسية والمحروقات، فيما استبعد أن تنجح الشراكة بين القطاع الخاص والعام، الذي يرتكز عليها قانون الموازنة أيضا، في ظل المناخ السياسي والاجتماعي المتوتر.

ويشكل بند الدعم مجال صراع بين الحكومات والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية عمالية في البلد، حيث ترفض المنظمة رفع الدعم وزيادة الأسعار، الأمر الذي من شأنه أن يؤجج الطبقات الشعبية.

وبرأي الشكندالي فإن “مناخ الأعمال غير مهيأ، حيث لا توجد ثقة بين رجال الأعمال والحكومة غير المستقرة ودون برامج إصلاح واضحة”.

محمد عمار: الموازنة قدمت امتيازات لرجال الأعمال على حساب الفقراء
محمد عمار: الموازنة قدمت امتيازات لرجال الأعمال على حساب الفقراء

وتساءل الخبير الاقتصادي عزالدين السعيداني في حديثه لـ”العرب”، “كيف بالإمكان تمويل عجز الموازنة في ظل صعوبة الاقتراض من الخارج، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتصنيف السلبي لدى وكالة موديز”.

وأكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني مؤخرا، تصنيف تونس عند مستوى “بي2” مع نظرة مستقبلية سلبية، في وقت تشهد فيه البلاد ضعفا اقتصاديا، هيكليا عززته التبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا.

ويعني تصنيف “بي2″، وجود مخاطر ائتمانية، لكنها تسبق المرحلة الأكثر خطورة في التصنيفات، وهي “سي.أي.أي”، الحاملة لمخاطر ائتمانية عالية، وتعاني من وضعية ضعيفة.

وفي وقت سابق رفض البنك المركزي الاستجابة لطلب الحكومة بتمويل عجز الموازنة عبر طبع الأوراق المالية، منتقدا العجز الكبير في 2020 (14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي) واللجوء المبالغ فيه إلى التمويل الخارجي في قانون الموازنة التكميلي.

ويستنتج الخبراء أن قانون الموازنة لا يحمل إجراءات اجتماعية من شأنها أن تخفف من وطأة الاحتجاجات المنددة بتردي الأوضاع المعيشية في ظل ارتفاع مؤشر الفقر والبطالة والتوزيع غير العادل للتنمية، ما يبقي الأزمة الاقتصادية على حالها.

وخصصت الموازنة 7.1 مليار دينار (2.6 مليار دولار) أي ما يقارب 5.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي نفقات رأسمالية في مشاريع تنموية، و15.7 مليار دينار (5.8 مليار دولار) لخدمة الدين العمومي. وهي برأي الخبراء نفقات غير كافية لسد العجز وتحفيز الاقتصاد المتعثّر.

وحسب بيانات رسمية، سيبلغ إنفاق الدولة 41 مليار دينار (15.2 مليار دولار)، فيما يُتوقّع أن تصل الإيرادات إلى نحو 33 مليار دينار (12.7 مليار دولار). ولا تشتمل موازنة 2021 على تعيينات في الخدمة العامة إلا في قطاعي الأمن والصحة.

وهذه الميزانية المبنية على أساس سعر النفط عند 45 دولارا للبرميل، حدّدت هدف نمو بنسبة 4 في المئة لعام 2021، لكن خبراء اقتصاد يستبعدون قدرة الحكومة على تحسين مؤشر النمو بسبب نقاط ضعف كثيرة في القانون، الذي تغاضى عن الإجراءات الاجتماعية، كما لم يقدم رؤية واضحة لمعالجة الديون الخارجية المتفاقمة.

11