تونس تغرق في أزمة نفايات قد تؤدي إلى حل المجالس البلدية

تحركات قضائية واحتجاجية في صفاقس لإرغام البلديات على إيجاد حل للأزمة.
الاثنين 2021/11/08
رائحة النفايات تخنق التونسيين

تونس - تصاعد الجدل في تونس بشأن أزمة نفايات اجتاحت العديد من المدن على غرار صفاقس التي تُعد قلب البلاد الصناعي، ما قد يُفضي إلى حل المجالس البلدية التي يحملها كثيرون مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تدهور.

وتم الأحد الإعلان عن رفع ثلاث قضايا مستعجلة ضد ثلاث بلديات في محافظة صفاقس الواقعة في وسط شرق تونس بسبب الأضرار البيئية الناجمة عن تراكم الفضلات المنزلية والمشابهة بشوارع تلك البلديات.

وبالتوازي، نظم العشرات وقفة احتجاجية للمطالبة بقرارات تتفادى من خلالها المحافظة كارثة بيئية باتت تلوح في الأفق رغم مرور أكثر من شهر على تفجر أزمة النفايات التي سبق وأن ندد بها الرئيس قيس سعيد معتبرا أنها جريمة في حق الشعب.

وأزمة النفايات في صفاقس التي ليست المحافظة الوحيدة التي يرزح سكانها تحت وطأة هذه المشكلة، تعود إلى غلق مطمر النفايات بمدينة عقارب بعد احتجاجات على إلقاء نفايات كيميائية في الموقع المخصص للنفايات المنزلية.

وترى أوساط سياسية في تونس أن تجربة اللامركزية التي كانت تستهدف وقف هيمنة السلطة المركزية على الصلاحيات بما يُمكن المجالس البلدية المنتخبة من وضع برامج تنموية وغيرها من الاختصاصات باءت بالفشل وأن أزمة النفايات قد تشكل بمثابة رصاصة الرحمة لتلك التجربة.

سامي بن سلامة: يجب وضع حد لتجربة اللامركزية بحل المجالس البلدية
سامي بن سلامة: يجب وضع حد لتجربة اللامركزية بحل المجالس البلدية

وقال سامي بن سلامة المنسق العام لمنظمة “23 – 10 لدعم مسار الانتقال الديمقراطي” إن “تجربة اللامركزية فشلت ويجب وضع حد لها بحل المجالس البلدية، منذ سنوات ونحن ننبه من مخاطر هذه التجربة بحسب النموذج الذي أرادت فرضه حركة النهضة بدعم من قوى أجنبية”.

وأردف بن سلامة في تصريح لـ”العرب” أن “أزمة النفايات تعد إحدى تجليات إخفاق المجالس البلدية لأن كافة أنحاء البلاد تغرق في أزمة نفايات وليس صفاقس فقط، تونس تحولت إلى بلد وسخ بسبب هذه البلديات، نقترح تقوية السلطة المركزية التي تمثل الدولة الوطنية ثم التفكير في تركيز تجربة اللامركزية، فكرة تعميم البلديات غبية من الأساس وتم صرف أموال طائلة لتنفيذها ما أدى في المقابل إلى تدهور الخدمات”.

ودعا بن سلامة، وهو عضو سابق في هيئة الانتخابات، الرئيس سعيد إلى حل المجالس البلدية مشيرا إلى أن قرار إلحاق مصالح الشؤون المحلية بوزارة الداخلية يوضح توجهه، مشددا على أن “سعيد اليوم عليه إصلاح القمة أولا أي السلطة المركزية دون أن يبحث عن استغلال ذلك لصالحه سياسيا لأنه يتمتع أصلا بشعبية واسعة ثم التحول لإصلاح اللامركزية”.

واعتبر النائب البرلماني السابق والناشط السياسي منجي الحرباوي أن تجربة الحكم المحلي فشلت بعد أن أفرزت نتائج لم تكن في المستوى المأمول لدى التونسيين في أكثر من مجال.

وأضاف الحرباوي في تصريح لـ”العرب” أن “التجربة رغم ضروريتها تتطلب العديد من الإمكانيات الاقتصادية والمالية لذلك بانت اليوم سيئاتها لذا نرى استقالات من العديد من المجالس البلدية سواء قبل الخامس والعشرين من يوليو أو بعده ولذلك نرى أزمة النفايات، وهي أزمات تُهدد تجربة اللامركزية”.

وتُرجع أوساط سياسية أخرى فشل البلديات في الاضطلاع بدورها بشكل ناجع إلى التشريعات التي كبلت المجالس المنتخبة، إضافة إلى ضعف الميزانيات المرصودة للتجربة المذكورة.

ونظمت تونس أول انتخابات بلدية بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011 التي أطاحت الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في العام 2018 وهو استحقاق نجحت خلاله حركة النهضة الإسلامية في اكتساحه بعد أن حلت في المرتبة الأولى بـ28.68 في المئة، فيما حل حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي نداء تونس ثانيا بـ20.85 في المئة والتيار الديمقراطي ثالثا بـ4.19 في المئة.

حسام الحامي: أزمة النفايات تتعدى البلديات، بإمكان تجربة اللامركزية التدارك
حسام الحامي: أزمة النفايات تتعدى البلديات، بإمكان تجربة اللامركزية التدارك

وقال منسق ائتلاف صمود حسام الحامي إن “أزمة النفايات تتعدى البلديات بشكل كبير في الواقع، هذه المسألة تُحل على المستوى الوطني وأعتقد أن الوقت مازال لكي تتدارك تجربة اللامركزية”.

وتابع الحامي لـ”العرب” أنه “بالنسبة إلى تونس أو محافظة صفاقس فإن هناك مصبات للنفايات تم إغلاقها وبالتالي ليست البلديات من تتحمل المسؤولية، وفي الواقع هناك هنات كبيرة تتعلق بالنصوص المنظمة للعمل البلدي سواء في الدستور أو حتى مجلة الجماعات المحلية”، مضيفا أن “هذه النصوص ومعها القانون الانتخابي جعلا من المجالس البلدية مفككة وغير قادرة على القيام بحوكمة فعالة”.

ويشدد على أن “البلديات تعاني من نقص مالي فادح وأيضا القوانين التي تمكنها من استقلالية مالية وإدارية غير مفعلة ما يجعلها غير قادرة على تنفيذ بعض القرارات”.

ويُساير الحرباوي الحامي في رأيه حيث يُشير إلى “غياب الموارد القادرة على إنجاح المشاريع التي تطلقها البلديات، علاوة على الفساد الذي استشرى في وزارة البيئة التي باتت تمثل صندوقا أسود سواء قبل الثورة أو بعدها”.

والجدل حول البلديات تصاعد أساسا إثر تطرق الرئيس سعيد في وقت سابق إليها عندما وجه إلى هذه المجالس تحذيرات وحتى اتهامات بـ”التنكيل” بالشعب التونسي وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول فرضية مضيه قدما نحو حلها.

وقال سعيد في وقت سابق إن “الشعب ائتمنهم رغم أن القانون الذي وضع على المقاس لا يمكّن من محاسبتهم، ولكن لا مجال للجماعات المحلية أن تنشئ دولا داخل الدولة”.

وأكد أن “ما يحصل في بعض المدن من عدم رفع الفضلات المنزلية مقصود به التنكيل بالشعب وهو أمر معروف ومألوف”، متوجها بالقول لوزير الداخلية “لديكم ما يكفي من النصوص والقوانين لوضع حد لهذا الوضع الذي يعيشه أغلب التونسيين”.

4