تونس تشرع في تنفيذ إصلاحات اقتصادية موجعة

اتفاق حكومي مع اتحاد الشغل لإصلاح الشركات العامة المتعثرة وترشيد الدعم.
السبت 2021/04/03
على رأس مطالب الإصلاح

شرعت الحكومة التونسية بالتنسيق مع الاتحاد العام التونسي للشغل في تطبيق برنامج إصلاحات من صندوق النقد الدولي حيث يشمل إصلاح الشركات العامة المتعثرة، وبند الدعم والتحكم في فاتورة الأجور، ما يسلط الضوء على واقعية تطبيق هذه الخطط دون المساس بالاستقرار الاجتماعي، خصوصا مع رفض المنظمة العمالية لإصلاح فاتورة الأجور وغيرها من الإصلاحات ذات التكلفة الاجتماعية الباهظة.

تونس - أثار الاتفاق المبرم بين الحكومة واتحاد الشغل بشأن الشروع في إصلاح الشركات العامة ومراجعة منظومة الدعم، جدلا لدى الخبراء حول كيفية الملائمة بين الإصلاحات الضرورية والاستقرار الاجتماعي، في وقت تشهد فيه الساحة التونسية  احتقانا شعبيا متواصلا ومزاجا رافضا لأي خطة إصلاحات قد يدفع المواطن تكلفتها.

وأعلن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي عن التوصل لاتفاق وصفه بـ”التاريخي” مع اتحاد الشغل حول إصلاح 7 من كبرى الشركات والمنشآت العامة، وإصلاح منظومة الدعم.

 ووقعت الحكومة والاتحاد الأربعاء، بيانا مشتركا، اتفقا فيه على الشروع في إصلاح سبع شركات عامة ومنظومة الدعم فضلا عن ترسيخ مقومات العدالة الجبائية.

وتشمل عملية الإصلاح، شركة الخطوط التونسية وشركة الفولاذ والشركة التونسية للشحن والترصيف وديوان الأراضي الدولية والصيدلية المركزية والشركة التونسية للصناعات الصيدلية (سيفاط) والشركة التونسية للكهرباء والغاز (الستاغ)، والشركة التونسية للصناعات الصيدلية.

وأفاد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أن “هناك إشكالا على مستوى تنفيذ الإصلاحات التي انطلقت فيها الحكومة، وآخر على مستوى مسار الحوار الوطني لأن هناك مساران، مسار يقوده الرئيس قيس سعيد مع مبادرة الوزير السابق نزار يعيش ومسار تقوده الحكومة مع المنظمات الوطنية، ومسار المشيشي يمكن أن يقتنع به صندوق النقد الدولي”.

سامي الطاهري: سنصلح الشركات المتعثرة مع الحفاظ على طابعها العام
سامي الطاهري: سنصلح الشركات المتعثرة مع الحفاظ على طابعها العام

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الإصلاحات ستبدأ بأربع مؤسسات عمومية من سبع (الشركة التونسية للخطوط الجوية والشركة التونسية لصناعة الفولاذ والشركة التونسية للشحن والترصيف وديوان الأراضي الدولية)”.

وتابع “سيقع إعادة هيكلة الشركات العامة وتطبيق تسيير الإدارة الخاصة لتحسين الحوكمة والمردودية، فضلا عن تخفيض عدد العمال الذي يضمن للشركة العمومية ديمومتها”.

وأردف “بالنسبة إلى إصلاح منظومة الدعم سيكون استهدافا للعائلات الفقيرة، وسيتم رفعه تدريجيا، أي أن الفارق في الأسعار سترصده الدولة للفئات الفقيرة، ويجب أن يرتفع المبلغ المرصود برفع الدعم”.

وبرأي الشكندالي، فإن “صندوق النقد يريد أن يخفض من الأجور في الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة النمو من 2011 ضعيفة وتجعل من الأجور ضعيفة، والمشكلة الأصلية تكمن في الأجور ولا بد من سياسات جديدة تدفع الاقتصاد بالاستهلاك، والسياسة النقدية الحذرة أدت إلى ارتفاع نسبة الفائدة التي تمثل كلفة إضافية للمستثمر وبالتالي أصبح الاستثمار غير مجد فتراجع”.

وأشار إلى أن “الحكومة لم تعرف كيفية إنعاش الاقتصاد ولم تعرف كيف تجعل الأجور تشجع على الاستهلاك. والتخفيض في الأجور كما ذهب إليه البعض عقيم”.

كما اتفق الطرفان على إصلاح منظومة الدعم المباشر وغير المباشر والتحكم في الأسعار وإعادة هيكلة مسالك التوزيع، بالإضافة إلى إصلاح المنظومة الجبائية وإرساء العدالة الجبائية.

وسيتم في هذا الإطار إحداث خمس لجان تفكير تعمل على صياغة إطار عملي للإصلاحات المستوجبة يرفع لاحقا للحكومة والمركزية النقابية.

ويندرج هذا البيان في إطار تفعيل اتفاق 22 أكتوبر 2018 الممضى بين اتحاد الشغل والحكومة ضمن المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام بعنوان سنوات 2017 و2018 و2019.

Thumbnail

وأفاد الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي أن الاتفاق الممضى يعد انطلاقة حقيقية نحو الإصلاحات الكبرى في أمهات القضايا الوطنية وفي مقدمتها إصلاح الشركات العامة.

وأضاف أن المنظمة منفتحة على إصلاح الشركات العامة وأن موقفها ليس جامدا، مذكّرا بأن الاتحاد كان ينادي لسنوات بالانطلاق الحقيقي في إصلاح المنظومة الجبائية التي يراها مدخلا للعدالة الاجتماعية. كما طالب بإصلاح منظومة الدعم لافتا إلى الاختلال الحاصل فيها لاسيما الاضطرابات على مستوى الزيت المدعم والسكر.

وأفاد الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري في تصريح لـ”العرب”، “أنه سيتم إصلاح هذه الشركات مع الحفاظ على طابعها العام”.

وأضاف الطاهري “سنراجع المنظومة الجبائية حتى تكون عادلة ومنصفة عبر تشكيل لجان تشتغل على المسألة نظرا لوجود خلل في الجباية التي تقدم امتيازات لأصحاب الثروات”.

وشدد رئيس الحكومة هشام المشيشي على أهمية البعد التشاركي في مسار الإصلاح الضروري لبناء مناخ من الثقة وطرح أبرز الملفات الحارقة على طاولة التفاوض، لافتا إلى أن المقاربة التشاركية لإصلاح المؤسسات العمومية خطوة في اتجاه الحفاظ عليها، مقرا بوجود مؤسسات تشكو العديد من الصعوبات.

شيراز الشابي: خصخصة الشركات بعد إصلاحها سيحافظ على الوظائف
شيراز الشابي: خصخصة الشركات بعد إصلاحها سيحافظ على الوظائف

 وجدّد المشيشي التزامه بعدم التفويت في المؤسسات العمومية التي اعتبرها أحد كنوز الدولة التي وجب الحفاظ عليها.

 وقال إن “الملامح الأولى للإصلاح ستنطلق في يوليو المقبل”، موضحا أن عملية الإصلاح يجب أن تنبني على مبدأ توجيه الدعم نحو مستحقيه.

ومن جهتها أفادت شيراز الشابي النائب عن كتلة قلب تونس بالبرلمان (طرف في الحزام السياسي للحكومة) في تصريح لـ”العرب”، أن “التمشي في الإصلاحات يتطلب بالضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي والاستقرار، وهناك حظوظ كبيرة لنجاح العملية عبر إعادة الهيكلة وفرض مكانها في السوق”.

وأضافت “حتى وإن تم خصخصة بعض الشركات فسيكون ذلك بعد إصلاحها وهو ما سيمكن من الحفاظ على فرص العمل أو التسريح بمقابل”، مشيرة إلى أن “إصلاح شركة الخطوط التونسية سيمكن الدولة من 40 في المئة كعائدات للسياحة”.

وتابعت “يجب أن لا نضيع موعد ما بعد جائحة كورونا لأن الحركية الاقتصادية ستعود وعلينا المحافظة على النسيج الإقتصادي المحلي”.

وكانت تونس قد حصلت على قرض مالي بقيمة 2.9 مليار دولار من صندوق النقد امتد من 2016 إلى 2020.

 وواجهت الحكومة انتقادات لاذعة صادرة عن بعثات الصندوق نتيجة عدم التزام الطرف الحكومي بكثير من التوصيات التي من بينها معالجة ارتفاع فاتورة الأجور في القطاع العام، وانحراف منظومة الدعم.

وطالبت تلك البعثات بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، وأجلت في مناسبات عديدة عمليات الحصول على أقساط من القرض المذكور.

وكان البرلمان التونسي قد صادق على ميزانية السنة الحالية، مؤكداً على وجود ثغرة مالية لا تقل عن 8 مليارات دينار تونسي (نحو 2.86 مليار دولار)، ويمثل هذا العجز نحو 7 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.

 وعبرت وزارة المالية التونسية عن وجود صعوبات كبرى في الخروج إلى السوق المالية للحصول على قروض لتمويل ميزانية الدولة، وتعول على دعم صندوق النقد لتشجيع بقية هياكل التمويل على الاستثمار في تونس وتوفير الموارد المالية الضرورية للتنمية والتشغيل.

11