تكثيف الضغوط على السلطة التنفيذية في تونس لإصلاح القضاء

القضاء في تونس لا يزال يعاني من نقائص كبيرة ويحتاج إلى مراجعات عدة لتطويره وتحسين مستوى خدماته كمنظومة فاعلة وأساسية في المشهد عموما.
الثلاثاء 2020/11/17
فصل جديد من فصول المواجهة

تونس- دشّن القضاة التونسيون الثلاثاء فصلا جديدا من فصول مواجهتهم مع السلطات وذلك من خلال الدخول في إضراب عام بخمسة أيام للمطالبة بالاستجابة إلى جملة من مطالبهم على غرار الكرامة وحماية مرفق العدالة من الانهيار، ما يفتح الباب أمام دعوات لإصلاح المنظومة كلها وإرساء قضاء مستقل ونزيه.

وأعلن القضاة التونسيون، انطلاقا من الاثنين، الدخول في إضراب عام بـ5 أيام “من أجل حياة القاضي وكرامته وحماية مرفق العدالة من الانهيار” إلى جانب مطالبتهم السلطة التنفيذية بالاستجابة إلى جملة من مطالبهم المشروعة.

واتهمت نائبة رئيس جمعية القضاة عائشة بن بلحسن الدولة والحكومة بـ”اللامبالاة والصمت وعدم التجاوب مع مطالب السلك القضائي حتى المتعلّقة منها بالإجراءات الوقائية من تفشي فايروس كورونا المستجد داخل المحاكم”.

عائشة بن بلحسن تتهم الدولة والحكومة بـ"اللامبالاة"
عائشة بن بلحسن تتهم الدولة والحكومة بـ"اللامبالاة"

وقالت بن بلحسن في تصريح لإذاعة محلية “نعيش اليوم أزمة وطنية تتعلق بالملف القضائي لأنّه لا وجود لأيّ تجاوب من قبل السلطة التنفيذية حول وضعية تهديدات قصوى يعيشها القضاة في علاقة بصحّتهم وحياتهم وبوضعهم المادي والاجتماعي”.

وأشارت إلى أنّ الحكومة لم تلتق أيّ طرف تمثيلي للقضاة منذ توليها السلطة قائلة “طالبنا بذلك في العديد من المناسبات وأرسلنا طلبات متكررة واتصلنا بشكل متواصل برئيس الحكومة ولم نتلق أيّ تجاوب والملف القضائي هو ملف منسي وموضوع على الرف وليس من أولويات الحكومات”.

ويأتي هذا التحرك في ظل موجة من الغضب إثر وفاة قاضية متأثرة بإصابتها بكوفيد – 19 من دون أن تتوفر لها فرصة العلاج بسبب الغلاء الشديد للخدمات الصحية في المصحات الخاصة، ما أثار استنكارا واسعا للحادثة.

وتكثفت مؤخرا الدعوات المطالبة بإصلاح المنظومة وتأسيس قضاء مستقل ونزيه قادر على تحقيق التوازن بين السلطات بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيّقة، لكن هذه المحاولات ظلت مجرد شعارات يرددها الكثير منذ أكثر من 10 سنوات.

وأفاد توفيق بودربالة رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أن “مشكلة القضاء التونسي ليست وليد  اللحظة، بل هناك دعوات إلى إصلاحه منذ 2011 عندما كنت في لجنة تقصي الحقائق وطالبنا بتحسين وإصلاح المنظومة والمرافق العمومية لكننا الآن تأخرنا”.

وأضاف بودربالة في تصريح لـ”العرب”، “للأسف لم يقع الاعتناء بالمنظومة وانشغلنا بإرساء دستور في ظل نقص الإمكانيات، وإذا أضرب القضاة اليوم  فهذا يعني أنهم وصلوا إلى وضعية صعبة”.

واقترح بودربالة “تنظيم حوار وطني يجمع القضاة والمحامين والسلطتين التنفيذية والتشريعية وبعث لجنة خاصة تهتم بالإصلاح، وليس بالأمر الهيّن أن يتم الانتقال من منظومة 30 سنة ظلم وهذا يتطلب تغييرا في الأفكار”، مشيرا إلى أنه “أعتقد أن التفكير غائب ومن يتقلد السلطة ينسى ما قاله من وعود  وانتظارات، لكن الآن حان الوقت للإصلاح”.

ولم تقتصر مطالب إصلاح المنظومة القضائية الحيوية في تونس على أطراف بعينها، بل شملت أيضا رجال ونساء المحاكم (القضاة) الرافضين للواقع القضائي الحالي الذي أصبح عرضة للتجاذبات والمناكفات.

وطالبت رجاء الجزيري عضو المكتب التنفيذي والكاتب العام  المساعد لجمعية القضاة التونسيين بضرورة إصلاح القضاء قائلة “لا توجد رغبة حقيقية للإصلاح ووفاة زميلتنا كانت هي الشرارة للاحتجاج”.

وأضافت “هناك قضاة يعانون من المرض وغير قادرين على العلاج بمبالغ خيالية، ومن المخجل أن يطالب القاضي في تونس بأبسط الحقوق”. وتابعت “دائما ما يقحم القاضي في المشهد السياسي ومن مصلحة السياسيين أن  يبقى القضاء  مرتهنا ولا يريدون قضاء محايدا ونزيها.. هناك محاولات  ونوايا للسيطرة على  القضاء من أطراف عديدة”.

توفيق بودربالة: لم يقع الاعتناء بالمنظومة وانشغلنا بإرساء دستور في ظل نقص الإمكانيات
توفيق بودربالة: لم يقع الاعتناء بالمنظومة وانشغلنا بإرساء دستور في ظل نقص الإمكانيات

وأكدت الجزيري على حرص القضاة لتطبيق القانون والمحاسبة، مشددة على أنه “لا رجوع إلى الوراء وماضون في تحقيق الأهداف والمطالب”.

وترى العديد من الأوساط أن القضاء لا يزال يعاني من نقائص كبيرة ويحتاج إلى مراجعات عدة لتطويره وتحسين مستوى خدماته كمنظومة فاعلة وأساسية في المشهد عموما.

ودعا برلمانيون تونسيون إلى محاسبة القضاة الفاسدين وإصلاح المنظومة القضائية، بعدما كشفوا عن تلقي عدد من القضاة رشاوى من رجال أعمال فاسدين، في وقت رفض فيه المجلس الأعلى للقضاء الحديث عن وجود “قضاء أسود” في تونس، لكنه أقر بوجود قضاة فاسدين.

واعتبرت نائب رئيس البرلمان سميرة الشواشي في افتتاح جلسة الحوار مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الخميس، أنه رغم كل القرارات إلا أن المنظومة القضائية ما زالت تعاني من عدة هنات وتحتاج إلى دعم تطويرها والارتقاء بأدائها.

وانتقد النائب حاتم القروي عن الكتلة الديمقراطية البطء في إصدار الحركة القضائية منذ إرساء المجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى البطء في البت في الاعتراضات، مشيرا إلى أن ذلك “أثر سلبا على مصداقية المجلس، الذي لم يقدم مبادرات لإصلاح مرفق القضاء”.

كما انتقد عدد من النواب “تأخر البت في قضايا الفساد السياسي والمالي، بالإضافة إلى البطء في البت في القضايا الإرهاب وقضايا الأمن القومي، على غرار العملية الإرهابية التي طالت الأمن الرئاسي، وملفي شكري بلعيد ومحمد البراهمي”.

ودعا رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، البرلمانيين إلى الاطلاع على الكم الهائل من التعقيدات الواردة في تقارير المحامين التونسيين المكلفين باسترجاع الأموال المنهوبة، مضيفا أن من بين هذه التعقيدات عدم ترويج بطاقات الجلب بطلب من الدولة التونسية.

وأقر بالبطء في التقاضي بالنسبة إلى ملفات الفساد، وذلك لأسباب موضوعية من بينها طول مدة الأبحاث التي تقوم بها لجنة التحاليل المالية، داعيا إلى التأكد من مدى قانونية عضوية هذه اللجنة.

4