تقنين الإعلام الرقمي يمهد لإغلاق عشرات المواقع الإخبارية في مصر

بدأ العد التنازلي لتصفية المواقع الإلكترونية في مصر بموجب قانون الصحافة والإعلام، في خطوة متعددة الأهداف منها ما هو متعلق بتشديد الرقابة على المحتوى، ومنها ما يصب في مصلحة الصحافيين الذين لا يتم الاعتراف بعملهم في المواقع الإلكترونية.
الثلاثاء 2018/10/23
بطاقة ينتظرها صحافيو المواقع الإخبارية

القاهرة - بدأ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر تلقي طلبات ترخيص المواقع الإلكترونية، تنفيذا لقانون الصحافة والإعلام الصادر مؤخرا، والذي فرض عقوبات صارمة على المخالفين، في سابقة أولى من نوعها من المرجح أن تتسبب في إغلاق العشرات من المواقع الإلكترونية.

ويقول المجلس إن القرار يأتي في إطار ضبط المشهد الإعلامي، لكن منتقدين له يؤكدون أنه محاولة من الحكومة للسيطرة الكاملة على الإعلام، المقروء أو المسموع أو المرئي، بعدما أحكمت قبضتها على الفضائيات والصحف وإقصاء الأصوات المعارضة، وتعيين شخصيات موالية في مجالس إدارتها، وكررت ذلك في الإذاعات، حتى انتقلت أخيرا للإعلام الرقمي بتقنين وضعيته بشكل يخدم أغراضها.

وتظل الإشكالية في ترخيص الصحف الإلكترونية، لأن القانون يشترط أن يكون 70 بالمئة من هيكلها التحريري، أعضاء في نقابة الصحافيين، في حين أن النقابة لا تمنح عضويتها للمحررين الإلكترونيين.

ويرى صحافيون أن التمسك بهذا الشرط، يعني اقتصار الترخيص على المواقع الإلكترونية المملوكة للصحف فقط، ما ينذر بغلق ما تبقى منها، في ظل وجود العشرات من المواقع المهمة التي أحدثت إضافة نوعية ومهنية في المشهد الإعلامي المصري.

ويقول هؤلاء إن ربط عضوية الصحافيين في النقابة بمنح الترخيص للصحف الإلكترونية مقدمة لإقصاء بعض المواقع التي دأبت على التغريد خارج السرب والخروج عن طوع الحكومة، بنقد الأوضاع والتركيز على قضايا وموضوعات شائكة، أكثرها محظور تناوله في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة. لكن يحيى قلاش نقيب الصحافيين السابق، استبعد تفعيل ذلك الشرط، وقال في تصريح لـ”العرب”، “إن الدولة تستهدف مواقع إخبارية بعينها، ليس لها مواصفات ولا تعمل بشكل احترافي وتربح من الابتزاز، وبالتالي سوف يتم التشدد معها بشرط عضوية صحافييها بالنقابة”.

ويشير داعمون لخطوة التقنين، وبينهم صحافيون وكتاب، إلى أن ما يجري يمثل مدخلا لتصفية المواقع الإلكترونية التي تدار بطريقة غير مهنية، ويديرها مجموعة من الهواة، تسببوا بمرور الوقت في تشويه صورة المهنة، بالعمل دون ضوابط أو التزام بالمعايير.

وأكد صحافيون في مواقع إلكترونية أن الترخيص للمواقع الصحافية ينهي معاناة استمرت لسنوات، تمثلت في عدم الاعتراف الضمني بهم، سواء داخل نقابة الصحافيين أو العديد من مؤسسات الدولة، لا سيما وأن تقنين أوضاعهم مقدمة لمنحهم عضوية النقابة رسميا.

يحيى قلاش: الدولة تستهدف مواقع إخبارية بعينها لا تعمل بشكل احترافي
يحيى قلاش: الدولة تستهدف مواقع إخبارية بعينها لا تعمل بشكل احترافي

وأفاد قلاش، أن تقنين أوضاع الصحافة الإلكترونية يمهد لتغيير قانون النقابة بشكل يلحق الصحافيين الإلكترونيين ضمن عضويتها، ويكون لهم ظهير نقابي يتبنى حقوقهم ومطالبهم ويقصي الدخلاء على المهنة.

وأضاف أن هناك العشرات من المواقع الإخبارية التي تعتمد على الأخبار والمعلومات المزيفة لتحقيق انتشار جماهيري بشكل سريع، وهؤلاء أساؤوا للصحافيين المحترفين، كما أنهم يعتمدون في جني الأموال على ابتزاز مسؤولين حكوميين ارتكبوا مخالفات ووقائع فساد، ولم يعد هناك بديل عن تقنين المهنة بمعايير وضوابط صارمة.

وتعهد مجلس نقابة الصحافيين، في وقت سابق، أن يكون فتح الباب أمام دخول العاملين بالمواقع مشروطًا بمعايير وأسس وقواعد مشددة حتى لا تنهار النقابة، ولن يأخذ الفرصة إلا من يستحق أن يكون عضوا فيها.

ويشترط الترخيص للصحف الإلكترونية، أن تكون تابعة لمؤسسة ولديها هيكل مالي وإداري وتحريري وسياسة منضبطة وتطبق المعايير المهنية وأنشئت قبل خمس سنوات، حتى لا يتم مساواة المواقع الكبرى بالتي يطلقها أشخاص عاديون لمجرد امتلاك موقع إخباري.

وأوضح جمال عبدالرحيم، عضو مجلس نقابة الصحافيين لـ“العرب”، أن بعض المواقع الإخبارية تسببت في تشويه صورة المهنة، وأدخلت العاملين بها في معارك مع الحكومة، لأن الكثير منها يستقي معلوماته من صفحات التواصل الاجتماعي، دون مسؤولية، حتى أصبحت منبرا للشائعات.

وتعيش مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 حالة من النمو السريع للصحف الإلكترونية مقابل انكماش الجرائد الورقية لكثرة الخسائر التي تتعرض لها جراء تراجع نسب التوزيع وندرة الإعلانات وارتفاع تكلفة الطباعة.

وأشار أحد أعضاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لـ”العرب”، إلى أن فتح باب الترخيص للمواقع الإلكترونية خطوة أولى نحو غلق كل المواقع العشوائية والمشبوهة التي تتلقى تمويلا أجنبيا، وتتعمد إثارة الأزمات ويعمل فيها صحافيون غير نقابيين.

وتابع “هناك صحف إلكترونية ممولة من جهات غير مصرية، ولا نعرف مصادرها، غير أن تفعيل القانون يضمن رقابة مصادر التمويل لكل وسائل الإعلام لقطع الإمدادات الخارجية المشبوهة لأنها ستكون مصرية دون شراكة أجنبية”.

لكن تفعيل القانون، وتقنين وضع المواقع الإخبارية، لن ينهيا كل مشكلات الصحافيين الإلكترونين، خاصة تلك التي ترتبط بعدم اعتراف أكثر المؤسسات الحكومية بهم، حيث لا تفرق بين مواقع التواصل الاجتماعي، وصحافة الإنترنت، فضلا عن أن بعض المسؤولين ينظرون إلى الصحافي الإلكتروني على أنه “محرر درجة ثانية”، وليس له حق دخول الجهات الرسمية.

وتلجأ الكثير من المواقع لتغطية الأخبار والموضوعات المتعلقة بالجهات المهمة، مثل الجيش والشرطة ومؤسسة
الرئاسة ومجلس الوزراء، إلى الاستعانة بصحافيين يعملون في مطبوعات ورقية، بمقابل مادي، بعد أن عجزت أمام تعنت هذه الجهات على تكليف أحد صحافييها بالتغطية، لأنه إلكتروني.

وقال جمال عبدالرحيم، “هذا واقع موجود، وميراث قديم، لكن تقنين المواقع وترخيصها بداية للحل ووقف للتعامل بعنصرية مع المهنيين من الصحافيين الإلكترونيين، كما أن هناك بعدا ثقافيا عند بعض المسؤولين يمثل عقبة أكبر، لأنهم لا يتصفحون سوى المطبوعات الورقية، وما زالوا ينظرون لكل ما يتعلق بالإنترنت على أنه منبر للشائعات، وتغيير هذه الثقافة ترخيص من نوع آخر للصحافة الإلكترونية”.

18