تقطيع وترييش مبهج

“التقطيع والترييش” ثقافة تونسية خالصة لا توفر أحدا كبيرا كان أو صغيرا غنيا أو فقيرا نساء أو رجالا.. لا تصدقوا أن الرجال لا يقطعون ويريشون.
لا معادل للتقطيع والترييش باللغة العربية، هي ليست نميمة وإن اقتربت منها كثيرا وليست “قيلا وقالا” وإن احتوت شيئا منه. هو فن تونسي أصيل متفرد، يشبه “طرح” التقطيع والترييش “طرح” لعب ورق في مقهى شعبي تخرج بعد وقد تخلصت من كل طاقاتك السلبية.. ضحكت كثيرا لتفاهة وغباء بعضهم وتألمت أكثر لآلام آخرين.
طرح “التقطيع والترييش” مزيج من الأخبار الموثوقة الأكيدة وبعض التكهنات وأطنان من الكلام البذيء يستهدف المسيئين ومثلها أدعية وابتهالات لرفع البلاء عن المساكين المظلومين.
ولا يأتي التقطيع والترييش من فراغ عادة، هو صناعة تعتمد بصفة حصرية على المواد الأوّلية المحلّية.
يقال إن التقطيع والترييش اكتسب اسمه من حلقات العجائز قديما اللاتي يجتمعن كل ليلة لتحضير النواصر والحلالم “المقطّعة” و”المريشة” من الفارينة المادّة الموفّرة خصيصا لتغذية أبناء الأحياء الشعبيّة و”الزواولة” البؤساء. وفي قعدتهن يستحضرن كل من يمر بخاطرهن للحديث عن فضائله أو مساوئه.
بعضنا لا نجد في أوقات كثيرة من نقطّعه ونريشه، خاصة بعد أن تفسد المواد المحلية الأولية أو تفقد بريقها فنقطع ونريش أنفسنا، لباسنا، قناعاتنا، أكلنا، عملنا حتى تقطيعنا وترييشنا.
يا لهذا المستوى المريش أصلا! كيف قطعنا أنفسنا لهذا الحد.
في دراسة “غريبة” قد تكون نتائجها سارة بالنسبة لبعض الناس، تبين أن “التقطيع والترييش” مفيد للدماغ ومفرح!
وفي التفاصيل، قدمت مجموعة من علماء النفس دراسة جديدة تقول إن “النميمة” مع الأصدقاء مفيدة وجيدة بالنسبة للأشخاص.
فقد توصل الباحثون إلى أن تبادل أخبار الآخرين يرفع من مستويات هرمون الإكسيتوسين ويسمى “هرمون الحب”، وذلك بالمقارنة مع مستوياته في ظل المحادثة العادية.
ودرس علماء نفس من بافيا في إيطاليا آثار “التقطيع والترييش” على مجموعة من النساء، حيث أشارت مؤلفة الدراسة وهي دكتورة تدعى ناتاسكيا بروندينو، إلى أنها ترغب في دراسة تأثير النميمة على الدماغ، وذلك بعد ملاحظتها أنها شعرت بالراحة والتقرب من زميلاتها بعد الثرثرة.
ووجد الباحثون أن دماغ المرأة يفرز كميات أكبر من هرمون الإكسيتوسين بعد “التقطيع والترييش”، وهو الهرمون الذي يسمى هرمون الحب، حيث يساعد على توثيق الصلة مع الأشخاص المقربين.
قد تكون هذه الدراسة مسكنا لضمائرنا التي تقف أحيانا ضد “التقطيع والترييش”.
قطعوا وريشوا إذن ولا تحزنوا.. إنه مفيد للصحة.