تقارب الأعمار بين الآباء والأبناء هل يقلص الفجوة الفكرية والعاطفية

يظل السؤال حول فارق العمر المناسب بين الأبوين والطفل سؤالا محيرا لأنه يختلف من تجربة إلى أخرى، فبينما يرى البعض أن وجود فارق عمري يتجاوز الثلاثين عاما أفضل نظرا إلى حاجة الأهل إلى المزيد من التجربة والخبرة لضمان تربية سليمة وصحيحة للأبناء، يرى البعض الآخر أن التقارب في العمر بين الآباء والأبناء يقلص الفجوة الفكرية والعاطفية بينهم.
القاهرة- ترى رباب الجندي، طالبة بكلية التربية، أنه كلما اقترب عمر الآباء من أبنائهم كان التواصل أفضل وأسرع بينهم، بالإضافة إلى سهولة التفاهم والتعرّف عن قرب على احتياجات الأبناء النفسية والعاطفية، بينما توضح أن الأب كلما تقدّم في العمر كانت هناك فجوة واضحة في التعامل مع أبنائه.
وتتحدث بسمة أحمد عن تجربتها قائلة “تزوجت وأنجبت طفلتين وأنا في سن صغيرة، وقد حدثت الكثير من المواقف المحرجة مع طفلتيّ، ولم أستطع التعامل معهما، نظرا إلى قلة خبرتي الاجتماعية، وعدم قُدرتي على التواصُل معهما بشكل جيد، بالإضافة إلى أن والدهما كان دائم السفر لظروف عمله، وترى أن كبر سن الوالدين يمثّل أهمية في تنشئة الطفل لوجود خبرة وثقافة واسعتبن في كيفية التعامُل مع نفسية الطفل”.
ومن جانبها، تقول ريم حسني، طالبة بكلية الآداب قسم رياض الأطفال إنها تؤيّد الزواج المبكر للشباب حتى تكون هناك فرصة جيدة في تربية الأطفال والتواصُل معهم بشكل سريع، إلا أن الطفل يحتاج إلى اهتمام ورعاية لغرس السلوك القيّم بداخله، وتدريبه جيدا على احترام وقبول الآخر، وهو ما قد يفتقده بعض الآباء الصغار، نظرا إلى أن الجدية في التعامُل تكون مفقودة لديهم.
ومن جانبه، أوضح الدكتور شريف المعلاوي، خبير تقويم السلوك، أن تنشئة الطفل بصورة سليمة تتطلب توافر أسس وأساليب تربوية يجب أن يتبعها الوالدان، وتابع “الأصل في التربية هو الفهم الجيد لتنوع المراحل التي يمر بها الطفل في حياته، وبصفة عامة يمر الطفل بثلاث مراحل: الأولى من سن عام إلى ست سنوات، والثانية من سبعة إلى اثني عشر عاما، والثالثة من ثلاثة عشر إلى ثمانية عشر عاما، وكل مرحلة لها ما يُناسبها من خبرات تُساهم في تنمية الطفل، وبالتالي على الوالدين إما سؤال من هم أكثر منهما خبرة، وإما الاعتماد على أطباء وخبراء في مجال تقويم السلوك ورعاية الأطفال”. وفي نفس السياق، يقول صبحي عبدالنعيم، أخصائي اجتماعي إن الإنجاب المبكر ينعش غريزة الأمومة والأبوة، ويجعل الوالدين يمنحان كل طاقتهما في سبيل تربية أبنائهما، مقارنة بتأخر الزواج أو كبر سن الوالدين، مما يجعلهما غير قادرين على التعامل بروح الدعابة أو الفكاهة مع مُتطلبات ورغبات الطفل.
وأوضح أن صغر سن الوالدين يمنح الأطفال شعورا بالمعايشة مع الأسرة، فضلا عن قُدرتهما الجسدية على متابعة نشاط الطفل في الصغر، مرورا بمرحلة الكبر التي تخلق شعورا بالتقارب العمري، ما يمنح لغة تفاهم بين الأسرة.
وفي المقابل، ترى الدكتورة منى الخميسي، أستاذة بكلية رياض الأطفال، أن الإنجاب في سن صغيرة له إيجابيات وسلبيات، ومن الإيجابيات أن يكون هناك تقارب في الفكر والسلوك بين الوالدين والطفل، في حين نجد أن نقص الخبرة وعدم تحلي الوالدين بأسلوب في التربية الصحيحة قد يؤديان إلى مشاكل في تربية الطفل.
وتضيف أن تأخر الإنجاب أو مصطلح الآباء الكبار أفضل في حياة الطفل، لأن الوالدين تكون عندهما خبرات اجتماعية مُتراكمة لتربية الطفل؛ مما يمنح المجتمع إنسانا سويا قادرا على تحمّل الحياة. ومن جانبه، يوضح الدكتور جمال إمام، خبير الصحة النفسية، أن المجتمعات العربية تضع تقاليد وأعرافا في الزواج، أهمها أن يكون الرجل أكبر من المرأة، وقد يتجاوزالفارق في السن في بعض الأحيان عشر سنوات بينهما، وهو ما قد يخلق تباعدا في الفكر بين الزوج وزوجته، فما بالك بالمستوى الفكري بينهما وبين أطفالهما.
وتابع “لا شك أن الأمر لا يصب في صالح الأبناء، وقد يخلق إنسانا متضاربا في الفكر وفي التصرفات، فالطفل يكون حائرا بين رصانة تصرّفات والده ونقص خبرة والدته في التعامُل مع تصرفاته”، ويُشدّد على أهمية أن يكون التقارُب العمري بين الزوجين مقبولا حتى تتوحد المفاهيم والمعطيات نحو نشأة أطفالهما.
وأكد خبراء العلاقات الأسرية أنه من مميزات التقارب في العمر بين الآباء والأبناء أن الوالدين الشابين يكونان أكثر قدرة على السيطرة على الأبناء والقيام بمسؤولية تربيتهم، التي ربما تصعب عليهما في حال كانا كبيرين في السن، فضلا عن العلاقة التي تربط الأهل بالأبناء قد تكون كعلاقة الأصدقاء استنادا إلى تقارب السن بينهم والذي يسمح أيضا بتقارب فكري.
كما أن تقلص الفجوة في العمر تمكن الأبناء من اكتساب وتعلم مختلف الخبرات والتجارب التي تحدث في المنزل، فيتعايشون معها ويفهمونها ويستفيدون منها في المستقبل.
وأشاروا إلى أن تقارب السن بين الآباء والأبناء يجعل التواصل والحوار بينهم أكثر سلاسة بفضل التقارب الفكري والعاطفي، كما أنه يمكن الآباء من الاستمتاع بالحياة بعد كبر الأبناء وهم في حالة جسدية وصحية جيدة.
كلما اقترب عمر الآباء من أبنائهم كان التواصل أفضل وأسرع بينهم ويسهل التفاهم والتعرّف عن قرب على احتياجاتهم
وأفاد المختصون بأن التقارب في العمر بين الآباء والأبناء يمكنهم من تكوين صداقات متينة مما يساعد الطفل على القدرة على الانفتاح على المجتمع وتكوين علاقات اجتماعية ناجحة.
كما أن متانة الصداقة بينهم تحمي صحة الطفل النفسية وتنمي ذكاءه العاطفي والاجتماعي، وتمنحه الشعور بالأمان.
وأوضحوا أن الصداقة بين الآباء والأبناء تساهم في تقليص الفجوة بينهم، مشددين على أن أفضل طرق التربية الناجحة التي يجب أن يتبعها الأهل في التعامل مع أبنائهم تكون عن طريق إنشاء صداقة قوية بينهم لخلق جوا من الثقة والألفة والتفاهم، وعند غياب الصداقة تصبح العلاقة بين الأبناء والآباء علاقة متوترة ومتأزمة لعدم وجود رابط ود أو تفاهم أو حوار.
وأكدت دراسة سابقة على أهمية الصداقة لنشأة الأطفال نشأة طبيعية، في حين يمكن أن يكون غياب الصداقة مدمرا إلى درجة خلق اضطرابات نفسية في شخصية الطفل.
وفي مقابل ذلك شددت الدراسة على ضرورة الحفاظ على خط واضح بين الصداقة والأبوة حيث يحتاج الأطفال إلى الشعور بشيء من السلطة من جانب والديهم، لتكوين فهم سليم عن دورهم في حياتهم، نظرا إلى أن الطفل يحتاج في بعض الأحيان، إلى أن يمارس الأب سلطاته الأبوية لإدارة المنزل.