هل ابن أمه زوج مرفوض

تتسم العلاقة بين أم الزوج وزوجة الابن في أغلب الأحيان وعلى مر العصور بالتأزم، وتتسبب حتى في قطع أواصر العلاقات بين العائلات كما أنها تعتبر من بين الأسباب الرئيسية في زيادة نسب الطلاق في العالم العربي، وتزداد العلاقة بين الزوجة وأم زوجها توترا إذا أفرط هذا الأخير في التعلق بأمه، وأظهر عدم قدرته على الاستقلالية بعد الزواج وتحمل مسؤولياته الأسرية دون الرجوع إلى أمه.
شخصية الشاب الذي يربط كل حياته وتفاصيلها بوجود أمه، شخصية موجودة في مجتمعاتنا العربية، هذا الشاب يستشير أمه في كل شيء ولا يقدم على تنفيذ فكرة أو تحقيق غرض في الحياة إلا إذا استعان برأي أمه. فما موقف هذا الشاب حين يتزوج؟ هل سوف تقتنع به الفتاة التي سوف يتزوجها؟
تقول سارة، خريجة جامعية ومتزوجة حديثا “تزوجت شابا، وفوجئت أنني تزوجت أمه أيضا، فهي التي تختار كل شيء لنا، ولا يستطيع زوجي أن يشتري لي شيئا إلاَّ بعد علمها واستشارتها.. وإذا جاءت لزيارتنا تدخل كل مكان في البيت لتبحث عما اشتراه ابنها لي ولأولاده فتحاسبه عليه، وتتدخل في كل شيء بيني وبين زوجي.. وحتى في تصرفاتي وعلاقاتي مع أهلي، كل هذا لا يهمني ولكن موقف زوجي كان موقفا سلبيا مطيعا لكل أوامرها.. فأحسست أنني لا أمثل شيئا بالنسبة له، فقررت أن أنفصل عنه”.
وتروي ف.ع، طبيبة تحاليل، حكايتها مع مثل هذه الشخصية الاعتمادية فتقول: كنت مخطوبة لشخص وانفصلت عنه بسبب سيطرة أمه عليه وغيرتها الشديدة مني، فهو لا يزورنا ولا يدعوني للخروج معه إلا إذا أخبر أمه بذلك، وعندما ترفض أمه شيئا ما فهو على الفور يوافق على رأيها ويساند قراراتها ولا يستطيع أن يعارضها إطلاقا.
الالتصاق الشديد بالأم في مرحلة ما بعد المراهقة يعد نوعا من عدم الفطام عن الأم، ويعتبر مرضا نفسيا ترجع جذوره إلى عمليات التنشئة الاجتماعية في مراحل العمر المبكرة
وترى نادية مندور، مهندسة مدنية أن مثل هذه الشخصية غالبا ما تكون ضعيفة ولا تستطيع أن تتخذ أي قرار فهي ضحية فعلا لتصرفات مثل هذه الأم المخطئة في طريقة تنشئتها له، وهذه الشخصية من الصعب أن يكون لها أسرة مستقلة عن تحكم الأم، ولذلك أرفض الارتباط به، لأن الأم لن تسمح بأن أحتل مكانها في قلب ابنها لذا سوف تتدخل في كل كبيرة وصغيرة وغالبا ما ينتهي مثل هذا الارتباط بالفشل.. فالحياة مع مثل هذه الشخصية ستكون مليئة بالمشاكل والنزاع المستمر.
وأكدت الدكتورة زينب شاهين أستاذة علم الاجتماع أن مثل هذه الشخصية غير سوية، لأنها تمتثل لسطوة وسيطرة شخص آخر، حتى وإن كان هذا الشخص هو الأم أو الأب، وهذه المظاهر السلوكية نعزوها بدرجة أولى لطريقة التنشئة والتربية الاجتماعية، حيث كانت الأم مسيطرة على الابن ومتخذة للقرارات نيابة عنه وتوجهه بالشكل الذي يتراءى لها دون أن تضع في اعتبارها أن هناك فرقاً بين احتياجات الابن ورغبته وميوله.. ومن ثم أصبح هذا الابن يعاني من شخصية اعتمادية لا تستطيع أن تستقل بالرأي أو تتمتع بالثقة بالنفس من حيث القدرة على المبادرة أو اتخاذ القرار.
وأضافت موضحة “هذه الشخصية لا تتخذ القرار إلا بعد الرجوع لمن يعطونه هذا القرار.. وهي شخصية مترددة لا تمتلك الثقة بالنفس.. ومن السهل قيادتها من قبل الزوجة، أي يتبع رغبات زوجته، وبالأخص في حالة عدم وجود أمه التي هي مصدر قراراته”.
وقال مختصون إن الزوج ابن أمه هو غالبا شخصية اعتمادية، تعوّد تعزيز أفعاله من أمه دائما، محذرين من الاصطدام بسلوكيات الزوج الذي تنقصه مهارات اجتماعية كثيرة، بسبب نمط تنشئة والدته الخاطئ لمكتسبات ومهارات الحياة المعقدة.
ومن جانبها قالت الدكتورة إلهام فرج أستاذة علم الاجتماع بجامعة القاهرة إن هذه الشخصية لا تكون لها سيرة غير الأم وفي كل نقاش يقول ”سأسأل ماما”.. وأيضا هي شخصية ليست لديها القدرة على المواجهة.. وهي شخصية لا تتمتع بالاستقلالية الذاتية في أفكارها أو تطلعاتها فمن الممكن أن يعتمد على شخص أو جماعة أو مجتمع كامل. وغالبا ما يكون هذا الشخص هو الأم لوجودها فترة أطول في البيت مع أبنائها، وكذلك لقدرة الأم على إعطاء الحنان والحب الزائد عن أي فرد آخر..ومن الممكن أن تجعل الأم ابنها معتمدا عليها قاصدة ذلك أو دون قصد أو نتيجة لسمات فسيولوجية وبيولوجية وسيكولوجية للابن.
ومن وجهة نظر الدكتورة نادية رضوان أستاذة علم الاجتماع بجامعة السويس فإنه لابد أن نفرق بين الوفاء للأسرة أو للأم وبين الانصياع للأم دائما.. “وأنا أرى أنه من المفترض أن يظل الابن في حضن أمه يستقي من تجاربها وخبراتها ونظرتها الواسعة للحياة حيث تكون أكثر قدرة على الأخذ بيده وتوجيهه من وجهة نظر امرأة ناضجة ذات تجارب وخبرات، وتسعى إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من مصالح هذا الابن.. وفي مرحلة ما قبل الزواج ترسم خطوط حياته لأنه من الممكن أن يكون الشاب غير قادر على إقامة علاقات مع الجنس الآخر بسبب عدم إتاحة هذه الفرصة له في مجال عمله أو احتكاكه بالعالم الخارجي.. كما تظل الأم مع ابنها في المراحل التي تلي الخطبة، فتقف بجانبه وتشاركه إعداده للزواج وتأثيث شقة الزوجية والإعداد للزفاف”.
وتتساءل رضوان لماذا نحمّل الأم كل هذا الهم في كل هذه المراحل وبعد أن يصبح الابن في بيته لا يكون للأم أي دور ونطالبها بالابتعاد؟! إنني ضد أن لا يكون الأم أي اعتبار حتى ولو دورا استشاريا أو حتى إيهامها بأن لها نفس المكانة عند الابن، ولا بد أن يظل الابن مواليا لها وإنه مازال على نفس عهدها به.
وأضافت قائلة “وإن كان عليه أن يقف عند بعض المواقف وقفة الرجل، وذلك عندما تتعلق الأمور بعلاقته الشخصية مع زوجته، لأن العلاقة الزوجية لابد وأن تبقى بعيدا عن الأقارب والأصدقاء، أعتقد أن هذا سر السعادة الزوجية.. هذا لا يعني خروج الأم من حياة الابن كلية، ولكن لابد من الاتصال والتواصل والقيام بالزيارات ومحاولة التقريب بين وجهات نظر الأم والزوجة.. فالزوج هنا يلعب دورا خطيرا في عملية المهادنة بين الأم والزوجة وليس معنى مشاركة الأم أن تسيطر على حياة ابنها وزوجته وإنما عليها النصح والإرشاد والتعبير عن الرأي فقط.
وأشارت رضوان إلى أن وجود مثل هذه الشخصية السبب فيه هو الالتصاق الشديد بالأم في مرحلة ما بعد المراهقة والذي يعد نوعا من عدم الفطام عن الأم، ويعتبر مرضا نفسيا ترجع جذوره إلى عمليات التنشئة الاجتماعية في مراحل العمر المبكرة، حيث إنه من المعتاد أن يتقلص اعتماد الطفل على أمه في مرحلة المراهقة، ويبدأ في الاستقلال بشخصيته بعيدا عن سلطة الأم، ولا تكون الأم في هذه المرحلة سوى المستشارة.. فلا يجب أن تكون الأم الشخصية المسيطرة التي تسعد بانضواء ابنها تحت جناحها، لأن هذا لا يؤدي إلى نموه اجتماعيا أو نفسيا أو شخصيا، وبالتالي ينعكس عليه في مراحل عمره المقبلة والتي لا يستطيع التخلص منها حتى بعد تكوينه لأسرته الجديدة من خلال الزواج.
وأكد مختصون في علم الاجتماع أن وصف “ابن أمه” جائر وفيه نوع من الاستفزاز، لأن ميل الرجل لأمه ورقته في التعامل معها وطاعتها كلها أمور لا تعكس ضعف شخصية وإنما نتاج التربية الحسنة، ولا تتعارض العلاقتان إلا عندما يكون هناك أم أنانية وزوجة غير متفهمة، فطبيعي أن تسعد الأم لسعادة ابنها حتى ولو كان ذلك مع امرأة أخرى وهي زوجته، كما أنه من الطبيعي أيضا أن تطمئن الزوجة عندما يكون زوجها بارا بوالدته، وما دون ذلك يعتبر حالات مرضية يتورط بها الرجل قسرا.