الفشل ليس المصير الأكيد للزيجات التقليدية

التفهم والأهداف المشتركة يذيبان الحدود النفسية بين طرفي الزواج التقليدي.
السبت 2019/12/14
البحث عن الأشياء المشتركة يعزز الروابط بين الشخصين

تنتهي بعض علاقات الحب إلى الزواج، ولكن أحيانا يكون مصيرها الفشل بعده، في المقابل هناك نوع من العلاقات الزوجية التي تنقلب فيها الآية حيث يسبق الزواج الحب، ولكنها قد تنجح وتستمر وتثمر عائلة مترابطة قائمة على انسجام تام بين الزوجين رغم أن حبهما تلى الزواج وبني على أساس العشرة وأحيانا على أساس الرغبة في الاستقرار وتكوين أسرة.

القاهرة - يربط الحب دوما بالزواج لكنه مثلما يمكن أن يسبقه يمكن أن يأتي بعده، وبالرغم من أن كثيرين يستغربون أنه إلى اليوم وفي العصر الراهن يوجد زواج بلا حب إلا أن الزواج التقليدي لا يزال شائعا في المجتمعات العربية. وما زالت بعض العائلات تختار لابنها الزوجة التي تبدو في نظر هذه العائلات مناسبة، وما زال الآباء يرفضون تزويج بناتهم على أساس الحب وحده معتبرين أن الخيار الأفضل لقبول تزويج بناتهم يمكن أن يكون من دون حب والأهم أن يكون الشريك قادرا على إسعاد ابنتهم واحترامها.

يقول استشاري العلاقات الزوجية والأسرية أحمد علام “إذا لم يسع الرجل أو المرأة للزواج عن حب، وهذه من الأمور التي لا ينصح بها على الإطلاق، فلا بد لهما أن يقوما بخطوات من شأنها مساعدتهما على تقبل الشريك والتعايش معه، والتي كثيرا ما تؤدي إلى الوقوع في الحب، تبدأ المسألة بأهمية قبول أن ثمة مشكلات ستواجههما وعليهما حلها معا”.

ولا تخلو الحياة الزوجية والأسرية من المشكلات، منها القابلة للحل ومنها التي تبدو للطرفين صعبة وتتطلّب تقاربا وتفاهما أكثر بين الزوجين، وقد يكون سبب هذه المشكلات والأزمات خلافات تعود إلى وجود صفات مختلفة ومتنافرة لدى أحد الطرفين ولكن يعجز الطرف الآخر عن قبولها، هذه الصفات التي تشكل المسافة بين الشريكين قد تتحول إلى عائق في حل مشكلاتهم المشتركة.

الكثير من علاقات الحب بدأت بصداقات وتكللت في نهاية الأمر بالزواج، لذلك لا مانع من أن يُصادق الرجل شريكته

ويرى علام أنه حينما تطرأ تلك الأزمات “يتحتم على أحد الشريكين التنازل والسعي لتقبل الآخر كما هو، ويجب ألا يمانع في تقديم تنازلات من شأنها تصحيح مسار العلاقة بينهما، كما أن محاولة خلق صداقة مع الشريك من الخطوات الهامة التي تغير مسار العلاقة إلى الأفضل، حيث أنها تكون مقدمة لإدخال المشاعر الإيجابية على العلاقة”.

ويؤكد المختص أن الكثير من علاقات الحب بدأت بصداقات، وتكللت في نهاية الأمر بالزواج، لذلك لا مانع من أن يُصادق الرجل شريكته، ويشاركها في ممارسة الهوايات على سبيل المثال أو في أعمال المنزل، خاصة أن ذلك سيجعلهما يجتمعان كثيرا، ما يدفعهما إلى تجاذب أطراف الحديث، وقد يكون من بينها التطرق إلى الأشياء التي تزعج كلا منهما، وبالتالي تكون بداية لإذابة الكثير من الاختلافات.

وفيما يتعلق بكسر الأنماط السلبية باعتبارها من الطرق التي من شأنها تحسين العلاقة بين الشريكين غير المتحابين، يشير استشاري العلاقات الزوجية إلى أن تلك الأنماط السلبية تظهر في الصراعات والخلافات التي تحدث بينهما، حيث يلجأ أحدهما إلى التنازل عن حقه في مواصلة النقاش، أو الانسحاب بهدف عدم وصول الأمر إلى الصدام المباشر مع الطرف الآخر. وفي المقابل، يلح الأخير على النزاع والجدال، ما يؤدي إلى تفاقم الصراعات والتراكمات، لذلك ينبغي كسر هذا النمط والنظر إلى المشكلة بصورة مختلفة قد تنطوي على الحل السريع.

ويلعب النظر إلى شريك الحياة باعتباره شخصا هاما يستحق التقدير والاحترام دورا هاما في التقارب بين الزوجين وبالتالي في تخطي عقبة عدم قبول الآخر ومن ثمة بداية الشعور بالحب نحوه، ويمكن ذلك من خلال توجيه الشكر على شيء ما قام به الشريك، أو تقديم هدية، لأن ذلك يؤثر كثيرا في العلاقات من هذا النوع، ويمنح كل طرف من الأطراف فرصة الإحساس بالآخر.

ويوضح علام أن خطوة البحث عن الأشياء المشتركة، سواء في الهوايات أو الطموحات الشخصية والمشتركة كتلك التي تهم البيت والأبناء ومستقبل الأسرة، من الأمور التي تعزّز الروابط بين الشريكين، وتشعر كلا منهما بأهمية الآخر، ويمكن أن تكون هذه الطموحات بأشياء بسيطة وتلبي حاجيات ومتطلبات يرغب فيها الزوجان في الحياة اليومية وتنفذ بصورة اعتيادية، ويفضل أن تكون حول الأسرة، كأن يسعيا إلى تعليم بعضهما كيفية التخطيط لرحلة، أو التفكير في تجديد المنزل أو شراء أشياء يحتاج إليها الأبناء.

فرحة العمر
فرحة العمر

من جانب آخر يساعد النظر إلى الحاضر والأمل في مستقبل أفضل والسعي لبناء أسرة متماسكة وسعيدة الزوجين على الاقتراب أكثر من بعضهما البعض، كما أن هذا الأسلوب يسهّل عليهما بناء علاقة قوية تنطلق من نفس الأهداف والطموحات المشتركة بالتفاهم على خطط معينة بشكل ودي وموحد، ويشترط في ذلك أن تكون لدى الطرفين قابلية تخطي الأوقات العصيبة معا، فإن لم يكن ذلك متاحا سيجد الطرفان أنفسهما يبتعدان تدريجيا عن بعضهما البعض، ويفقد كل منهما اهتمام الآخر، ومن ثمة تفتر العلاقة بينهما ولا يستطيعان استكمال الحياة سويا.

ويؤكد أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، محمد غانم، أن مشاركة كل شيء بين الزوجين من الأمور التي تسهم في إلغاء الحدود النفسية التي عادة ما تترسب بين طرفي العلاقات التقليدية، لذلك ينصح بأن يتشارك الزوجان في النجاحات على سبيل المثال، كأن يعتبر أحد الطرفين أن نجاح الشريك في أمر ما هو نجاح له أيضا، الأمر الذي يكون له أثره الإيجابي على العلاقة بينهما، ويجعل الطرف الناجح ينظر إلى شريكه نظرة اعتراف بالجميل وإعجاب وفرح، خاصة إذا لم يكنا معتادين على هذا.

النجاح المشترك يدخل تغييرا في نوعية العلاقة، ويدخل جانبا آخر فيه الطمأنينة والاعتراف بالجميل وعدم الخوف على النفس والأهداف الشخصية، ما من شأنه أن ينقل الزوجين إلى مرحلة أكثر تقدما في الإحساس ببعضهما البعض. وفي المقابل، لا بد من الاعتراف بفضل الشريك على شريكه، فمن شأن ذلك أن يحفظ لكل منهما شأنه ومكانته لدى الآخر. ويشير غانم إلى أن الغضب يؤثر على العلاقات الزوجية التقليدية، فعندما ينفجر أحد الطرفين غاضبا أثناء الحوار قد يؤدي ذلك إلى تعقيد العلاقة، وقد يجعل الطرف المقابل يفاجأ بملامح شريكه الغاضب وقد ينفر منه أو يختار تجنب النقاشات ويلجأ إلى العزلة.

وينصح المختص النفسي بمحاولة اكتشاف الأسباب التي أثارت غضب الآخر قبل الحكم عليه، وإذا كان الشريكان يرغبان في تحويل العلاقة من كونها تقليدية إلى علاقة قائمة على الحب، فستكون البداية من خلال تقييم المشاعر السلبية التي تتحكم في الشريك، ومعرفة الأسباب التي أثارت غضبه مثلا، ثم البحث عن حلول لتلك المشكلات للوصول بالعلاقة إلى درجة مريحة للطرفين.

21