تعيينات سياسية تهدد استقلالية الإعلام في تونس

إعلاميون تونسيون يستنكرون قرار تعيين الصحافي كمال بن يونس مديرا عاما جديدا لوكالة تونس أفريقيا للأنباء.
الأربعاء 2021/04/07
مكسب مهدد

تونس - أثار قرار تعيين الصحافي كمال بن يونس رئيسا مديرا عاما جديدا لوكالة تونس أفريقيا للأنباء خلفا للصحافية منى مطيبع رفضا واسعا من الأوساط الإعلامية والسياسية في تونس، واعتبره البعض تعيينا مسقطا خدمة للولاءات السياسية الضيقة التي تقوم بها الحكومة وحزامها السياسي في المؤسسات الإعلامية.

وانعقد بمقر وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) الثلاثاء اجتماع عام طارئ، بدعوة من فرع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة الأساسية للاتحاد العام التونسي للشغل، وأعلن العاملون في الوكالة بمختلف أسلاكهم رفضهم القاطع “التعامل مع المدعو كمال بن يونس لما في سجله الشخصي من انتهاكات لحرية الصحافة والتعبير والعمل النقابي الحرّ، وامتهان للدعاية للدكتاتورية، ومحاولات لضرب استقلالية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وخدمة أجندات سياسية مفضوحة”.

ألفة حبوبة: التعيين مفضوح والإعلام العمومي أصبح في ذيل الإصلاحات
ألفة حبوبة: التعيين مفضوح والإعلام العمومي أصبح في ذيل الإصلاحات

ودعا هؤلاء رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى التراجع الفوري عن هذا التعيين السياسي الحزبي المفضوح والخطير، والنأي بالوكالة عن كل محاولات التدجين والتوظيف السياسي وتحميله شخصيا مسؤولية تبعات هذا التعيين، فضلا عن الدخول في تحركات احتجاجية، تصاعدية ضد هذا التعيين الذي يهدد بجديّة استقلالية (وات) كمرفق إعلامي عمومي مموّل من دافعي الضرائب، ومحمول على الحياد التامّ إزاء كل الحساسيات السياسية والاجتماعية في البلاد.

ودعت النقابة في بيان لها الحكومة إلى التراجع عن هذا التعيين، مطالبة باعتماد مقاييس واضحة في التناظر تنأى بالمرفق الإعلامي العمومي عن المحاصصات الحزبية.

وذكّرت النقابة بأنّ كافّة الصحافيين بالمؤسسة وكامل طاقمها العامل من موظفين وأعوان التزموا منذ 2011 بأداء مهامهم المهنية في كنف المسؤولية والحياد من كل الأطراف السياسية والاجتماعية.

ورفضت أطراف نقابية تعيين بن يونس على رأس وكالة الأنباء، مبررة ذلك بالتعيينات المسقطة التي تستند إلى الولاءات في المقام الأول وتهدف إلى خدمة مصالح حزبية وسياسية ضيقة.

وأفادت ألفة حبوبة رئيسة فرع نقابة الصحافيين بوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن التعيين مفضوح سياسيا، وبن يونس سبق أن عرف بولائه للنظام السابق، وغيّر وجهة الولاءات الآن إلى أحزاب أخرى.

وأضافت حبوبة في تصريح لـ”العرب” “لا يوجد هيكل لتعيين المديرين العامين في مجال الصحافة المكتوبة على عكس الإعلام السمعي والبصري (هيئة الاتصال السمعي والبصري)، بل إن رئاسة الحكومة هي من تتولى التعيين”.

وتابعت “نحن كهيكل عام نسعى إلى تجنب التجاذبات السياسية وندفع نحو تعيينات نزيهة تتوفر على الكفاءة بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة، ونأمل أن تكون هناك نقاشات ومشاورات قبل إقرار التعيينات، لكن الإعلام العمومي أصبح في ذيل الإصلاحات”.

ولم تخف رئيسة فرع النقابة الصبغة السياسية للتعيين، قائلة “التعيين سياسي ومنذ 2011 تداول على المنصب 7 مديرين عامين، دون رغبة في الإصلاح ودون برامج واستراتيجيات عمل تذكر”.

وأردفت “هناك أطراف سياسية تريد أن تضع يدها على الإعلام العمومي، خصوصا وأن وكالة تونس أفريقيا للأنباء تعد أعرق مؤسسة إعلامية في تونس”.

نبيل الرابحي: تعيين كمال بن يونس القريب من النهضة للتغول على المشهد
نبيل الرابحي: تعيين كمال بن يونس القريب من النهضة للتغول على المشهد

ويرى متابعون سياسيون أن التعيين سياسي بامتياز ويراد من ورائه استدراج مختلف وسائل الإعلام للتحكم في صناعة القرار السياسي وتوجيهه حسب المصالح الحزبية.

وقال الناشط والمحلل السياسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب” “إن الصحافي بن يونس قريب من حركة النهضة وهذه تعيينات بالولاءات للتغول على المشهد”، مضيفا أن 23 شخصا ممثلا للحزب الحاكم في السلطة تداولوا على الحضور في وسائل الإعلام في يوم واحد، وهذا فيه استدراج للإعلام أصبح جليا للعيان.

وأشار إلى أن “هناك ابتزازا واضحا للمشهد، وتصعيدا لتحسين شروط التفاوض من أحزاب السلطة سواء بالتعيينات المسقطة والمشبوهة أو بالبيانات وغيرها”.

ورفض سامي الطاهري الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) التعيين، قائلا “أي شخص تم تعيينه بالإسقاط والولاء على مؤسسة إعلامية عمومية لا تقبلوه”.

ونشر نقيب الصحافيين محمد ياسين الجلاصي تدوينة على فيسبوك أشار من خلالها إلى أنّ ”الحزام السياسي للحكومة يصدر أزمته إلى مؤسسات الإعلام العمومي والمُصادر” عبر ”تعيينات سياسية قائمة على الولاء هدفها فقط السيطرة والتدجين والتركيع”.

واعتبرت المستشارة الإعلامية السابقة بقصر قرطاج رشيدة النيفر أنّ هذه الطريقة في التعيينات تُعدّ ”ضربا لاستقلالية الإعلام العمومي وعودة بقوة إلى الإعلام الحكومي حيث يتم تغيير المشرفين على وسائل الإعلام العمومية على أساس أهواء الحكام والمحاصصات الحزبية”.

وأشارت في تدوينة إلى أنّ ذلك يمثّل أيضا عودة ”إلى مربع الصفر بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي في بلادنا والديمقراطية اليوم أكثر من أي وقت مضى في خطر”، ودعت الحكومة قائلة ”ارفعوا أيديكم عن الإعلام العمومي والإعلام المصادر”.

وفضلا عن رفض التعيين الجديد، لا يزال الاحتجاج قائما على تكليف مسؤولة عن إذاعة “شمس أف.أم” من خارج أبناء المؤسسة. وبالموازاة مع ذلك، بلغ اعتصام أبناء وبنات إذاعة “شمس أف.أم” الرافض للتعيين الجديد على رأس المؤسسة يومه الـ23.

وأكدت خولة السليتي رئيسة فرع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أن الخطوات التصعيدية التي سيتم الدخول فيها، احتجاجا على تعطيل الحكومة لمسار التفويت في المؤسسة ورفضا لتعيين الصحافية حنان الفتوحي مديرة عامة، “التوجه نحو مقاضاة وزير المالية ولجنة الأملاك المصادرة والكرامة القابضة، فضلا عن تنظيم وقفة احتجاجية بساحة الحكومة في القصبة”.

وأضافت السليتي في تصريح لـ”العرب” أنه “سيتم التوجه نحو الدخول في اعتصام مفتوح بالقصبة، علاوة على دخول أبناء ‘شمس أف.أم’ ومديرين بالإذاعة في إضراب جوع حتى وإن تزامن ذلك مع شهر رمضان”.

18