تطبيق اجتماعي يغيّر مشهد الحوار في المنطقة العربية

كلوب هاوس وفر مساحة فريدة للتنفس أين استمعت الشعوب العربية إلى صوتها مجددا بعد سنين.
الاثنين 2021/04/12
حرية مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية ظاهرية

من الطبيعي جدا أن تراقب الحكومات العربية، التي تبرع عادة في إدارة الصمت الجماعي، تطبيق كلوب هاوس الذي انفجر كلاما في الفترة الماضي.

تتخذ الحكومات العربية، في مراقبة “تطبيق الكلام” الجديد وضعية الصمت.. صمت ممزوج ببعض الصبر والكثير من الحذر.

أما التحلي ببعض الصبر فهو أمل أن يكون التطبيق مجرد صيحة تستهوي الشباب “الثرثار” كغيرها من الصيحات وسرعان ما سيملون وتخفت، أما الحذر الكبير فمرده أن هذه الحكومات، المفتونة بالسيطرة على كل شاردة وواردة، خائفة من أن تتحول الثرثرة إلى نقاشات وحوارات عميقة.

لم تنس هذه الحكومات الخطيئة الكبرى لفيسبوك وتويتر قبل عقد من الزمن، تلك التي أطاحت بأنظمة وهدمت بلدانا.

إن مراقبة الحكومات لكلوب هاوس تظهر استعدادها لاستباق أي نقاشات قد تخرج عن السيطرة مستقبلا، فلا أحد من بينها يرغب في إعادة ثورات لازالت ارتداداتها حتى الآن ـ خاصة أن اعتقادا يسود بأن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا رئيسيا في اندلاعها. لقد نزلت حشود المتظاهرين بسرعة فائقة إلى الشوارع بشكل باغت الحكومات ولم يعطها الوقت لرد الفعل. استعادت الحكومات الرقابة والسيطرة وقوة الضغط من جديد وليست مستعدة للتنازل.

وفي المنطقة العربية حيث يؤدي الضغط الاجتماعي والرقابة الرسمية إلى خنق الأصوات المعارضة وإسكات الآراء غير المطابقة، وفر كلوب هاوس مساحة فريدة للتنفس أين استمعت الشعوب العربية إلى صوتها مجددا بعد سنين.

ورغم أن التطبيق فكرة ليست بالجديدة كما أنه يعمل بنظام الدعوات فقط وهو لا يتوفر إلا على نظام التشغيل “أي.أو.أس” في الوقت الحالي إذ إن استخدامه يقتصر على مالكي هواتف أيفون فقط، أي أنه موجه للفئات الميسورة نسبيًا فقد استطاع أن يجد لنفسه موطئ قدم في المنطقة العربية وسط سوق مثقل بمواقع التواصل الاجتماعي المراقبة والمليئة بالجيوش الإلكترونية.

وفيما تبدو سوق مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية مفتوحة وحرة ظاهريا، يختلف الواقع تماما إذ أن الحكومات تحكم قبضتها على هذه المنافذ. ففي السنوات القليلة الماضية تغيرت التكتيكات وانتقلت من الحجب والحظر إلى نشر الجيوش الإلكترونية لترويج سردياتها واستهداف المشككين وقادة الرأي.

تعي الأنظمة أن استمرار القمع المباشر قد يؤدي بالشباب نحو وسائل احتجاج أكثر عنفاً لينتهي كل شيء بالخروج عن السيطرة لذلك تلجأ إلى القمع المقنع لشل حركة النقاشات التي لا تصب في مصلحتها.

الحكومات لم تنس الخطيئة الكبرى لفيسبوك وتويتر قبل عقد من الزمن وتظهر استعدادها لاستباق أي نقاشات قد تخرج عن السيطرة

وفي كلوب هاوس يعيد العرب اكتشاف طعم حرية التعبير، إذ رغم كل شيء لا تزال الإنترنت بمثابة طفرة عميقة غيّرت الكثير في عقلية الجيل العربي الجديد من جهة ومن طبيعة المعلومة والإعلام العربي من جهة أخرى.

ومن حُسن حظ كلوب هاوس أنه أتى بعد نفور الناس من مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، مثل فيسبوك وتويتر، التي تعتمد سيلا من الصور والنصوص والأخبار الكاذبة تحرص الجيوش الإلكترونية على حسن توظيفها.

وما زاد الترحيب بالتطبيق في هذه الأوقات الحبس القسري الذي فرضته جائحة كورونا. إذ أتاحت الشبكة الاجتماعية حرية التعبير وفتح النقاشات في سياق القيود المفروضة على الأماكن العامة.

وعبر صالونات افتراضية مفتوحة، جرب الجميع متعة الحديث بعد الصمت واستمعوا إلى أصواتهم مجددا وبدأوا في بدء مناقشات حول مختلف المواضيع التي يختارونها.

الكثير من المستخدمين على التطبيق الصوتي يثرثرون لأجل الثرثرة. يتحدث آخرون عن علم النفس الموسيقى، السفر، الأدب، الطبخ، عن كل شيء ولا شيء.

بدت موضوعات أخرى أنها طرح جريء إذ نادرا ما يتم مناقشتها علنا، نوقشت قضايا مثل الإلحاد، وحقوق المثليين والانتهاكات التي يرتكبها حزب الله في لبنان والميليشيات الموالية لإيران في العراق وجرائم الشرف.

وبدا في الكثير من الأحيان أن هؤلاء المتناقشين نسوا أنهم يعيشون في منطقة الشرق الأوسط فتخلوا عن حذرهم وربما تغافلوا أن السياق السياسي والاجتماعي الذي يعيشون فيه لم يتغير بعد.

وعلى كلوب هاوس تلعب المواهب الصوتية الجديدة التي لعبت دور الوسيط لتنظيم الحوارات دور قائد الرأي الجديد، ولأسباب وجيهة أحيانا ومدفوعة أحيانا أخرى لا يتردد هؤلاء في مهاجمة الحكومات القائمة ومناقشة الموضوعات المحرمة في مجتمعاتهم.

قد لا يطول الأمر قبل أن تتدخل الحكومات لتقمع الأصوات الحرة، فمن غير المستبعد أن تزرع حاليا في كل غرفة مخبر. وللأسف الكثير من الدول العربية تخشى كلام الناس؛ وتعمل على سد منافذ الكلام بشكل تام.

ولا يعرف شيء عن مستقبل التطبيق عربيا خاصة بشأن المدة التي سيستغرقها قبل إغلاقه، أم أنه لن يغلق وستطور وظيفة المخبرين المتنصتين ليصبحوا “مستخدمين مارقين” يملأون التطبيق بسرديات الحكومات وبذلك يتحول كلوب هاوس إلى نسخة أخرى من فيسبوك وتويتر.. لكن نسخة صوتية هذه المرة.

12