تشظي الأحزاب الصغيرة في تونس يمنع وصولها إلى السلطة

تتسارع وتيرة الاستقالات والانشقاقات في الأحزاب السياسية التونسية، ما ينذر بحالة من التشظي الحزبي التي كثيرا ما تطفو على السطح بعد تكتلات وتوافقات تُغلّب المصالح الضيقة مقابل إهمال دورها الحقيقي المتمثل في إدارة الشأن العام والإصغاء لمطالب الشارع.
تونس - تعاني الأحزاب التونسية الصغيرة من حيث المنشأ والتأسيس والتمثيلية البرلمانية من عدم قدرتها على المحافظة على قياداتها المؤسسة والجديدة، وسرعان ما تسقط في واقع الانقسام والتفكك الذي يمهد لتراجع العمل الحزبي واندثاره من الساحة السياسية.
وتدفع الإكراهات السياسية القيادات والنواب نحو البحث عن إعادة التمركز من جديد بين المحطات الحزبية والانصهار في الكتل النيابية لتحقيق مآرب شخصية بالأساس والبروز كأحسن ما يكون في المشهد.
وأكدت مصادر إعلامية أنّ النائب عن كتلة الإصلاح الوطني نسرين العماري استقالت من حزب مشروع تونس.
وتعد العماري ثالث نائب مستقيل من الحزب بعد الأمين العام السابق حسونة الناصفي، وصهيب الوذان.
وفاز حزب مشروع تونس بأربعة مقاعد فقط في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد العام الماضي، ثم انصهر في كتلة الإصلاح الوطني التي تضم 16 نائبا.
وبلغ عدد الأحزاب السياسية في تونس 244 حزبا بحسب بيان حكومي في يونيو 2020.
وهيمن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي على السياسة قبل سقوط نظام زين العابدين بن علي في يناير 2011. ثم تحولت تونس بعدها إلى نظام متعدد الأحزاب ووقع الترخيص لعديد الأحزاب وأهمها حزب حركة النهضة الإسلامية.
ويمكن تلخيص الأحزاب التونسية في 5 عائلات فكرية وسياسية، وهي الليبرالية واليسارية والقومية العربية والإسلامية والبيئية.
وتطرح الاستقالات مشكل تفكك الأحزاب ذات التمثيلية الصغيرة في البرلمان والتي لا تزال تبحث عن هوية سياسية قادرة على بلورة أفكار الناخبين والاقتراب من تصوراتهم بغية كسب ودهم واستغلالهم كخزان انتخابي يضمن استمرار وجودها.
ويبدو أن الأحزاب الصغيرة تفتقر لآليات عمل وخطط إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف على المدى المتوسط والبعيد، فضلا عن عدم توفرها على هيكلة ثابتة ورصيد مادي مهم لمجابهة نفقاتها وأنشطتها لتبقى على قيد الحياة.
ووصف الكاتب الصحافي والمحلل السياسي زياد الهاني واقع تفكك الأحزاب بـ“الانفجار الحزبي”، قائلا “إن الوضع الحزبي طبيعي في تونس نظرا لارتفاع عدد الأحزاب بعد 2011”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “أنه مع مرور الزمن ستتم عملية غربلة وتصفية طبيعية لأن العمل الحزبي يتطلب الكثير من الإمكانات المادية والبشرية.. الأحزاب الصغيرة عندما تكونت كانت رغبة في التواجد لكنها تكتشف مع مرور الوقت أن الرغبة وحدها لا تكفي للتواجد”.
وأشار إلى “أن هذه الأحزاب في غالب الأحيان تتشكل حول أشخاص يحولونها في ما بعد إلى نوع من الملكية الخاصة والخروج عن الزعيم غير ممكن خاصة عندما لا تتوفر نتائج توافق الطموحات الكبرى التي رسمت في البداية”.
وتابع “من الضروري أن تتم مراجعة مرسوم الأحزاب عندما سيقع النظر فيه لتحويله إلى قانون للتنصيص على حل كل الأحزاب التي لا تحترم نظمها الأساسية لأن العشرات من الأحزاب التي تكونت بعد 2011 لم تحترم حتى أبسط شروط الاجتماعات الدورية وتحديد الهياكل التي يفرضها العمل السياسي، فضلا عن إقرار مسألة العتبة الانتخابية وتحصيل حد أدنى وهو ما سيدفع الحزيبات الصغرى ذات التوجهات المتقاربة للاندماج في ما بينها لتقوية حضورها وتأثيرها وإمكانية وصولها للبرلمان والمساهمة في تحديد القرار السياسي”.
ورغم إجراء عدة مناسبات انتخابية، إلا أن حالة التشرذم الحزبي لا تزال قائمة، علاوة عن فشل الطبقة السياسية في إيجاد آليات عقلانية لإدارة الخلافات بينها، والحفاظ على تماسكها، وانزلقت الأحزاب الناشئة إلى مسارات الفوضى والعبث التي أقصتها من المشهد.
وفشلت الأحزاب السياسية في بناء مؤسسات قادرة على تطوير المشهد السياسي، ودعم التحول الديمقراطي، وأصبحت حلبة للصراع، ومدخلا للانشقاقات المتتالية.
وعلى الرغم من أن بعضها يستند على إرث تاريخي، مثل الحزب الديمقراطي التقدمي، والتكتل من أجل العمل والحريات، والمؤتمر من أجل الجمهورية، إلا أن هذه الأحزاب اندثرت وفشلت في الاستمرار، وعجزت عن التحول إلى قوة فاعلة.
وبات واضحا أن أزمة الأحزاب السياسية التونسية هي عدم وصولها بعد إلى درجة النضج السياسي، وفهم معنى العمل الحزبي في بنيته العميقة، باعتباره مدرسة للتربية السياسية للمواطن، ينخرط فيها، ليتدرّب على مساهمته في الشأن العام.
وأفاد القيادي السابق بحركة نداء تونس بوجمعة الرميلي “أن المشهد السياسي في 2019 بني على فراغ ولاحظنا تجزؤا كبيرا في البرلمان وفقا للعائلات السياسية المعروفة”.
وتابع في تصريح لـ”العرب”، “أن بعض الأحزاب خلقت بمحض الصدفة والفجئية كقلب تونس الذي بنى حملته الانتخابية على محاربة الفقر أو أحزاب أخرى يمتلك أصحابها نوادي وجمعيات كرة قدم وغيرها”. وأشار إلى أن “العمل السياسي يتطلب نظرة إستراتيجية متماسكة وبرامج وتمويلا وهذا ما ينقص الأحزاب الصغيرة.. ما زلنا لا نملك أحزابا تتوفر على نظرة سياسية وأهداف وبرامج وتفتقر لكوادر ومناضلين”.
وإثر تأسيسه في 2012 ووصوله إلى السلطة، دخل حزب حركة نداء تونس في موجة خلافات وصراعات، وحتى عندما أراد قياديوه الخروج من عنق الزجاجة عبر عقد المؤتمر التأسيسي، دخل الحزب في دوامة جديدة من التجاذبات بلغت حدّ استعمال العنف في ما بين أعضائه وقيادييه، سرعان ما أعلنت عن تشظيه وخروجه المثير للجدل من المشهد السياسي.
والثلاثاء، أكد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد زياد لخضر في تصريح لإذاعة محلية أن تجربة الجبهة الشعبية كمكون سياسي “انتهت” لكنه أشار إلى أن نهاية الجبهة الشعبية “لا يعني نهاية اليسار في تونس”.