ترحيل التونسيين المتطرّفين من فرنسا يطرح مدى استعداد تونس لاستقبالهم

وزير الداخلية الفرنسي يزور تونس للتنسيق بشأن مكافحة الإرهاب، بعد الاعتداء الذي وقع الخميس في نيس بجنوب فرنسا ويشتبه بأن منفذه تونسي عمره 21 عاما.
الثلاثاء 2020/11/03
تحرك أمني قوي في فرنسا يلقي بظلاله على تونس

تونس – يؤدي وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان هذا الأسبوع زيارة لتونس من أجل بحث مكافحة الإرهاب ما يفتح باب التساؤل عن استعدادات باريس لترحيل التونسيين المتطرفين إلى بلادها، وذلك في سياق تجفيف فرنسا لمنابع التطرف غداة الهجمات التي استهدفتها مؤخرا.

وتثير مسألة ترحيل التونسيين المتطرفين من فرنسا مخاوف في تونس بشأن استعداد البلاد لاستقبال هؤلاء والإجراءات التي ستتخذها في سبيل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.

تفتح مسألة ترحيل التونسيين المتطرفين من فرنسا إلى تونس، الباب للتساؤل عن الكيفية التي سيتعامل بها القضاء التونسي معهم، ومدى خطورة هذه الخطوة على البلاد، فضلا عن درجة استعداد تونس لاستقبال متطرفين في الظرف الراهن.

وطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من وزير داخليته التوجه هذا الأسبوع إلى تونس لبحث مكافحة الإرهاب، بعد الاعتداء الذي وقع الخميس في نيس بجنوب فرنسا ويشتبه بأن منفذه تونسي عمره 21 عاما.

وأعلن القرار بعد مكالمة هاتفية جرت السبت بين ماكرون والرئيس التونسي قيس سعيّد الذي “أعرب عن تضامنه مع فرنسا بعد الأعمال الإرهابية” بحسب ما أوضحت الرئاسة الفرنسية.

خليفة بن سالم: تداعيات العودة إن تمت لن تكون بالأمر الهيّن على تونس
خليفة بن سالم: تداعيات العودة إن تمت لن تكون بالأمر الهيّن على تونس

وأوضح الإليزيه أن الرئيسين “اتفقا على تعزيز التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب” مضيفا أنهما “بحثا المسألة الحساسة المتعلقة بعودة التونسيين الملزمين بمغادرة الأراضي الفرنسية، وفي طليعتهم المدرجون على القائمة الأمنية” لأجهزة الاستخبارات.

وتحاول فرنسا قيادة حملة واسعة ضد المتطرفين وترحيل بعضهم خاصة بعد عملية نيس.

وأفاد المحلل السياسي خليفة بن سالم “لا شك أن مجريات الأحداث الأخيرة التي عاشتها فرنسا في علاقة بالعمليات الإرهابية ستلقي بظلالها أولا على طريقة تعاملها مع هذه الجماعات ومع ملف الهجرة غير النظامية، ما يطرح تحديا آخر علينا في تونس وهو مسألة عودة هؤلاء إلى بلادنا”.

وأضاف بن سالم في تصريح لـ”العرب”، “ما يجري الآن يجعلنا نؤكد مرة أخرى على وجود تحالف وتنسيق دولي لمجابهة ظاهرة الإرهاب من ناحية وظاهرة الهجرة غير النظامية من  ناحية أخرى، خصوصا وأن طريقة تعامل السلطات الأوروبية مع الظاهرة في السابق لم تكن مجدية بالمرة وكثيرا ما  تعاملت معها كما لو أنها لا تعنيها، ولكن هي ظاهرة دولية وتأثيراتها لن تقتصر على دول جنوب المتوسط”.

وتابع “لا يجب أن تتصرف أوروبا بمنطق بضاعتكم ردت إليكم، بل يجب أن تنظر إلى المسألة من جوانب أعمق، ومن كان متسببا في ترعرع الظاهرة وتنقلها والأنسجة المشكلة لها انطلاقا من الفضاءات الافتراضية وصولا إلى مناطق النزاعات في أفريقيا وشرق المتوسط، لذلك لا بد أن يكون التنسيق على مستوى عال بين تونس وفرنسا وغيرها، خصوصا وأن بلادنا تملك من الكفاءات في التعامل مع الإرهاب ما يمكنها بدورها من أن تكون مفيدة لنفسها ولأوروبا.. تداعيات العودة إن تمت لن تكون بالأمر الهيّن على تونس التي هي بصدد معالجة الظاهرة، بل سيضاف إليها مشغل جديد هي في غنى عنه، لكن على صعيد آخر يتعلق بالمعلومات سيقدره شغل السلطات الأمنية”.

ويطرح ملف ترحيل المتطرفين التونسيين من فرنسا إلى بلادهم أسئلة عدة، أهمها كيفية تعامل القضاء التونسي معهم وهل سيخضعون لكل الإجراءات ومراحل المقاضاة والتحريات بشأن ملفاتهم؟ خاصة أن هذا الملف له حساسية خاصة في تونس، وترفض العديد من الأطراف استعادة هؤلاء. 

 وأكدت القاضية ورئيسة جمعية القضاة التونسيين السابقة كلثوم كنو على “وجود اتفاقيات دولية وقوانين متبعة في ما يتعلق بترحيل أي مواطن يملك جنسية أخرى غير الجنسية التونسية أو ما يسمى بالجنسية المزدوجة، ويمكن للقضاء الفرنسي أن يتعهد بذلك إذا ثبت ما يدينهم من قريب أو من بعيد في قضايا الإرهاب”.

وأضافت كنو في تصريح لـ”العرب”، “إذا كان المرحلون تونسيين وتواجدهم في فرنسا غير شرعي فيقع ترحيلهم، وإذا أثبت القضاء أنهم ارتكبوا جرائم في فرنسا فعلى القضاء التونسي أن يتعهد بالنظر في ملفاتهم”.

وأشارت إلى “ضرورة أن تملك السلطات الفرنسية قرائن وأدلة ومعطيات كافية تقدمها لتونس ويبحث فيها القضاء التونسي لترحيل هؤلاء”.

كلثوم كنو: لا بد أن تقدم فرنسا قرائن كافية قبل ترحيل المتطرفين
كلثوم كنو: لا بد أن تقدم فرنسا قرائن كافية قبل ترحيل المتطرفين

وفي السياق ذاته قال رئيس مكتب الإعلام والاتصال ونائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس محسن الدالي الاثنين “إنّ القضاء يتعامل مع المرحّلين بالخارج حالة بحالة”.

وأوضح في تصريح لوسائل إعلام محلية أنه “باجتهاد النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، يتم التعامل مع المُرحّل وفقا لملفه القضائي، فإذا كان قد صدر بشأنه حكم بالسجن فإنه يودع لتنفيذ العقوبة، وإذا كان قد فُتح بحث ضده فإنه يتم استكمال الإجراءات، أما إذا كان لا يملك ملفا لدى الجهات القضائية المختصة فإنه يواصل حياته كبقية المواطنين”.

وبالرغم من دقة الظرف في فرنسا في علاقة بالاعتداءات الإرهابية إلا أن المخاوف تتعاظم من استغلال هذه الهجمات للنيل من الجالية المسلمة هناك.

وفي هذا الصدد، صرّح الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر بأنّ الحكومات والقوى اليمينية المتطرفة المعادية للمهاجرين أصبحت تستغل الأحداث الإجرامية والإرهابية، على غرار عملية نيس، لفرض التعامل الأمني مع المهاجرين والضغط على دول الجنوب.

وأضاف بن عمر في تصريح إعلامي أنّ “التونسيين الذين يقيمون بصفة غير نظامية في فرنسا عددهم بالآلاف”، مشيرا إلى أن السلطات الفرنسية ستسعى لترحيل أكثر ما يمكن منهم مستغلة الحدث المأساوي الذي جد قبل أيام.

وفسّر أن ’’عملية نيس الإرهابية ستكون مطيّة للحكومات الأوروبية للضغط على تونس وفرض اتفاقيات تجبرها على أن تصبح منصة إنزال واستقبال للمهاجرين”، موضحا أن “الوضع الأمني والسياسي في تونس لا يسمح بإبرام أي اتفاقيات من هذا النوع”.

وشهدت فرنسا مؤخرا سلسلة اعتداءات وذلك بعد سجالات بينها وبين تركيا من جهة، وبينها وبين بلدان عربية من جهة ثانية على خلفية الرسوم الكاريكاتورية التي رأت فيها هذه الدول إساءة للنبي محمد.

4