تراجع مستوى الخدمات في الحضانات يربك الأولياء العاملين في تونس

يؤكد المختصون في شؤون الطفولة في تونس تردي مستوى الخدمات في أغلب الحضانات، مشيرين إلى أن ذلك لم يمنع الأولياء الذين تضطرهم التزاماتهم المهنية إلى ترك أبنائهم بها. ويرون أن الآباء أصبحوا مكرهين على ذلك وليس لديهم أي حل آخر، رغم النواقص المسجّلة في تلك الفضاءات، ويوصون بضرورة انتقاء تلك الفضاءات وفقا لجودة خدماتها.
تونس - باتت حضانات الأطفال في تونس ملجأ ضروريا للآباء والأمهات للإحاطة بأبنائهم ورعايتهم في ظلّ تنامي مستوى الالتزامات المهنية والاجتماعية وضيق الوقت على حساب الأدوار الأسرية، ويرى مراقبون أن الآباء أصبحوا مكرهين على ذلك وليس لديهم أي حل آخر، رغم النواقص المسجّلة في تلك الفضاءات.
وقالت روضة المناعي (45 عاما) موظفة في القطاع الخاص وأم لبنتين إنها تضطر لترك ابنتيها في حضانة مجاورة لمنزلها بسعر مرتفع رغم أنها تعلم أن العاملين بهذه الحضانة لن يقدموا الدعم اللازم لبنتيها مثل الاهتمام بتعليمهما المبادئ الأولية للكتابة والقراءة أو الرسم أو حفظ القرآن أو الرعاية النفسية.
وأضافت أنها في المقابل تكون مطمئنة على ألا يصيب بنتيها أي مكروه فالحوادث المؤلمة التي عرفتها بعض رياض الأطفال والتي وصلت حد وفاة البعض منهم تجعلها تضحي بالجانب العلمي والمادي مقابل توفير السلامة البدنية لهما.
وأشارت إلى أن الحضانة التي تودع فيها بنتيها مؤمنة نوعا ما بحيث لا تسقطان من الدرج الذي يفصل الطابقين الموجودين بها ولا تدخلان إلى المطبخ الموجود بها ولا تخرجان للعب بفضاء الحضانة إلا بصحبة المروضة.
واقع الحضانات في تونس لا يختلف عن الواقع التنموي الاجتماعي والاقتصادي للبلاد ولا عن المؤسسات التربوية عموما
كما أشار جمال المهذبي (50 عاما) أستاذ تعليم ثانوي إلى أنه اضطر العام الماضي لإخراج ابنه من الحضانة التي سجله بها ولم يطالب باسترجاع معلوم الترسيم ومعاليم اللوازم المدرسية، وذلك لسوء الخدمات المقدمة بتلك الحضانة وأضاف أن ابنه عادة ما يشتكي من تكرر ضرب المربية له على رأسه.
وقال المهذبي “إن ابني يرتدي نظارات طبية وكل مرة يأتيني والنظارات مهشمة ما يضطرني لإعادة شراء نظارات جديدة وقد أقلقني هذا الأمر الذي أصبح مكلفا بالنسبة إلي فأخرجته من تلك الحضانة لأودعه بأخرى”.
وأشار إلى أن واقع الحضانات بتونس لا يشجع على ترك الأبناء بها لكن الأولياء مكرهين لأن لا خيار آخر لديهم.
ويرى متابعون أن الحضانات فرضت على الآباء كحلول ضرورية لتقديم الرعاية اللازمة لأبنائهم في ظلّ خروج المرأة للعمل وتعدد التزامات الأولياء المهنية خارج البيوت، وسط توصيات بضرورة انتقاء تلك الفضاءات وفقا لجودة خدماتها.
وأفادت نبيهة السعيدي رئيسة جمعية “صوت الأشبال” أن “العديد من الحضانات تنشط وفقا للتكوين الذي تحصلت عليه، وأخرى تشتغل خارج الصيغ القانونية ولا تتوفر بها مقومات العمل اللازمة، وهي موجودة وبعيدة عن المراقبة”.
وقالت في تصريح لـ”العرب”، “الحضانات فرضت على الآباء والأمهات في ظل الالتزامات المهنية والاجتماعية، وأصبحت ضرورة في واقعنا اليوم، وتفاديا للمشاكل التي يمكن أن تحدث على الأولياء أن يبحثوا عن فضاءات مناسبة وتتوفر فيها الظروف الملائمة للاطمئنان على أبنائهم”.
وانتقدت مكونات المجتمع المدني المدافعة عن تماسك الأسر ومصالحها العديد من الفضاءات التي تشتغل خارج الصيغ القانونية، فضلا عن تكرر حوادث الأطفال بتلك الفضاءات لعدم توفر ظروف الحماية اللازمة.
وأفاد عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة أن “واقع الحضانات (أو رياض الأطفال) في تونس لا يختلف عن الواقع التنموي (الاجتماعي والاقتصادي والبيئي) ولا عن المؤسسات التربوية عموما (حضانات ما بعد الولادة، رياض أطفال، مدارس، كلّيات…) وهي لا ترتقي إلى الحدّ الأدنى المطلوب من ناحية حفظ الصحّة والتأطير، بلّ أصبح مرور الطفل بحضانات الأطفال شبه شرط إعدادا للسنة التحضيرية ما قبل المدرسية”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “تبقى هذه الحضانات ملجأ لا بديل له في وقت أصبح الأبوان فيه يشتغلان خارج البيت إن لم يكن لهما والدان يتولّيان رعاية الطفل الرضيع أو في سنّ ما قبل الثالثة (ما قبل رياض الأطفال)، وأصبحا رهينة نمط عيش تقوده الحرّية والمساواة بين المرأة والرجل وحقوق الأحوال الشخصية التي حرّرت الزوجة من البيت نهارا وكان التحرّر هذا على حساب توفير الظروف المثلى لتنشئة الطفل ورعايته في كنف العطف الشامل والأمان الكامل، ولئن كانت ظروف الرعاية الصحّية والتأطير دون الأدنى المطلوب في كثير من الحضانات، فالمطلوب مراقبة صارمة من الدولة قصد التقليص من التجاوزات بهدف بلوغ شروط صحية وتعليمية معدّلة على المعايير الدولية في التربية والتعليم والتنشئة ما قبل المدرسية”.
وتابع الجريدي “دفع تكرار حوادث اختناق الرضع بالحضانات التونسية إلى تفكير بعض الأمهات في عدم ترك أبنائهن بها بعد أن تبددت ثقتهن فيها، وتشهد حضانات الأطفال من فترة إلى أخرى حادثة وفاة رضيع ما يعجل بغلقها، ويؤدي غياب الإطار المتخصص في الإسعافات الأولية وعمل حضانات الأطفال على خلاف الصيغ القانونية إلى المزيد من تعقيد الأمور بها”.
وفي العام 2017 عرض مشروع قانون على البرلمان التونسي ينظّم عمل رياض الأطفال بهدف نقاشه والمصادقة عليه، إلا أن العديد من فصوله رفضت من قبل العديد من النواب.
الحضانات فرضت على الآباء كحلول ضرورية لتقديم الرعاية اللازمة لأبنائهم في ظلّ خروج المرأة للعمل وتعدد التزامات الأولياء المهنية خارج البيوت
ولجأت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ إلى تعديل المشروع أكثر من مرّة، إلى أن انتهت عام 2018 من إعداد مشروع لدفتر شروط ينظّم رياض الأطفال، بعد التشاور مع المعنيين في شؤون الأطفال، على غرار مندوبية حماية الطفولة وبعض الجمعيات التي تعنى بالأطفال، ومراجعة الإطار القانوني المنظم لعمل رياض الأطفال، إلى جانب الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، بحسب ما أعلنت الوزارة.
وركّز دفتر الشروط على معايير الجودة في إنشاء فضاءات الأطفال، إضافة إلى ضرورة التركيز على علم النفس التربوي، وسنّ شروط جديدة تتعلّق بالإطار التربوي، منها ضرورة تكوين المربين والمربيات الذين يشرفون على رياض الأطفال في مجال الإسعافات الأولية. كما نصّ دفتر الشروط على ضرورة وضع كاميرات مراقبة في مداخل ومخارج ومحيط هذه المؤسسات.
وفي وقت سابق، شهدت روضة أطفال تقع بجهة المنزه التاسع (محافظة تونس) وفاة رضيع شرق بريقه، لسوء هضم الحليب الذي ناولته له أمه قبل إحضاره للروضة مما أدى إلى اختناقه ووفاته.
وكشف شكري معتوق المدير العام للطفولة بوزارة المرأة والأسرة وكبار السن في يونيو 2021، أن الوزارة قامت بإصدار قرار غلق للروضة، كما تم فتح تحقيقين إداري وأمني للكشف عن ملابسات القضية.
وأضاف معتوق، في تصريحات صحافية، أن النيابة العمومية أذنت للشرطة العدلية بالاحتفاظ بصاحبة الروضة وإحدى المربيات العاملة بها، بتهمة الإهمال الناجمة عنه وفاة.
والشهر الماضي أصدرت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بلاغا يتعلق بالأنشطة الاحتفالية في حضانات ورياض الأطفال الخاصة، وتأكيد وزيرة المرأة في لقائها بنبيهة كمون التليلي رئيسة الغرفة الوطنية لحضانات ورياض الأطفال على أن الوزارة ستصدر منشورا لمنع تنظيم التظاهُرات الاحتفاليّة المُكْلِفة والتي تحتوي على مظاهر العنف لاسيما احتفال “هالوين” بحضانات ورياض الأطفال.
وأوضحت آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تصريح إعلامي أن هذا القرار جاء على خلفية تنظيم احتفالات مكلفة ومرهقة للأولياء والأسر، قائلة ”لا نريد أن يبقى طفل واحد غير قادر على أن يكون مثله مثل بقية الأطفال.. هذه الفضاءات لا بد أن تنخرط في مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.. التمييز بين الأطفال اقتصاديا مرفوض”.