تدوير فيديوهات أردوغان متجاهلا ماكرون.. ما يريده الجمهور

صناعة الزعماء وتسويق صورتهم لدى الشعوب أصبحت أسلوبا متعارفا عليه يطلق على من يمارسونه اسم "صانعي النجوم" أو خبراء الصورة الذهنية.
الأربعاء 2020/12/09
تسويق سياسي لـ "الكاريزما الفطرية"

باريس - تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يدعي ناشروه أنه يصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متجاهلا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اجتماع.

ويدّعي الناشرون أن ذلك حصل بعد دفاع ماكرون عن حرية التعبير على خلفية قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، إلا أن الادعاء خطأ والفيديو ملتقط قبل أكثر من سنتين خلال قمة حول الأزمة السورية.

ويظهر في الفيديو الرئيس التركي وهو يصافح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثم يسير إلى الأمام بما يوحي أنه يتجاهل الرئيس الفرنسي.

وتظهر في الخلفية أعلام تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا بما يوحي أن القادة كانوا مجتمعين في لقاء رسمي أو قمة.

وأرفق الفيديو بتعليق جاء فيه:

Assad Alshareey

ليس نفاقا ولا تمجيدا ولا تطبيلا، لكن هذا الرجل فرض علينا احترامه بمواقفه وبعزّته وكرامته.

لاحظوا خادم الحرمين الشريفين أردوغان كيف طبق ⁧‫#مقاطعة_المنتجات_الفرنسية33⁩ بطريقته الخاصة وتجاهل الرئيس الفرنسي تماما بسبب تعدّيه على الإسلام ونبي الإسلام بينما صهاينة العرب منبطحون لماكرون تماما.

وذهب البعض إلى إطلاق صفة “خادم الحرمين الشريفين” على أردوغان.

ويرشد التفتيش عن المقطع المتداول إلى نسخة أطول مدتها ساعتان و17 دقيقة وتتضمن المشهد عينه نشرت في 27 أكتوبر 2018 على قناة وكالة “رابتلي” الروسية عبر يوتيوب.

وتبين أنه ينقل أحداث قمة عقدت في إسطنبول حول النزاع السوري ودعا القادة في نهايتها إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، وإلى حل سياسي للنزاع في سوريا.

وانتشر الفيديو في وقت تتزايد فيه حدة التراشق بين الرئيسين.

ويؤكد كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة “هاينريش بول” في تركيا، أن أردوغان يقدّم نفسه في بعض الأحيان “كمنقذ للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة”.

وبدأ أردوغان التسويق لنفسه عربيّا وإسلاميّا منذ أكثر من 10 سنوات.

ويقول مستخدمو تويتر إن “الكاريزما الفطرية” هي التي كانت تصنع الزعيم السياسي في الماضي، أما حاليا فلم تعد هناك حاجة لأن تكون هذه الكاريزما الفطرية حاضرة بشكل كبير، إذ أصبح من الممكن صناعتها عبر التسويق السياسي الذي بات يعتمد على صناعة الصورة الذهنية من خلال التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وذلك بقياس حالة الطلب عند الجمهور.

كما تدخل في صناعة هذه الصورة إدارة التقنية والأدوات المعتمدة على قواعد علمية مقتبسة من علوم أخرى؛ منها على الخصوص علوم الطب النفسي والعلوم السلوكية، وأيضاً بعض أنماط علم الاقتصاد التي لها علاقة بالحاجات والرغبات والعرض والطلب.

وأصبحت صناعة الزعماء وتسويق صورتهم لدى الشعوب أسلوبا متعارفا عليه يطلق على من يمارسونه اسم “صانعي النجوم” أو خبراء الصورة الذهنية، إذ أصبحت صناعة الرؤساء مهنة متقدمة لها أصولها وقواعدها وبرامجها ومخطّطوها ومحترفوها.

أسيل أيدينتاسباس:

وجد كل من ماكرون وأردوغان في الآخر العدو المثالي. هذا التراشق الكلامي يخدم مصالح كل من الزعيمين بشكل غريب

ودخل على الخط بقوة، خبراء وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح حضور الرئيس لأي مؤتمر عالمي سلعة كأي سلعة تنتج أو يعاد إنتاجها ويتم الترويج لها.

وتشهد العلاقات الفرنسية التركية مستويات غير مسبوقة من التوتر في خضم الحرب الكلامية بين زعيمي البلدين. إذ لم يتوقف الرئيسان عن إطلاق تصريحات نارية وجه بها كل من أردوغان وماكرون سهام انتقاداته لنظيره بطريقة تبتعد في أحيان كثيرة عن التقاليد والبروتوكولات الدبلوماسية.

واعتبر الدكتور إيان ليسر، المدير التنفيذي ونائب رئيس صندوق جيرمان مارشال، أن لجوء أردوغان إلى الانتقادات الدبلوماسية اللاذعة ليس بالأمر الجديد، إذ أن لديه نزعة “لاستخدام خطابه الشخصي كجزء من سياسته الخارجية”.

وأضاف “التوتر الفرنسي التركي ناجم جزئيا عن الشخصية.. في بعض النواحي يأخذ أردوغان هذا الخلاف بشكل شخصي، مع زيادة ضيقه بالغرب وموقع تركيا فيه، ويرى في فرنسا وقيادتها تمثيلا لكل ما يكرهه في أوروبا، حضاريا وسياسيا وجيوبوليتيكيا”.

وبرأي ليسر “هناك نزعة عالمية لدى القادة لشخصنة العلاقات، ترامب وبوتين مثال على هذا، وأردوغان مثال آخر”. وتابع “على مستوى ما الشخصية أمر مهم.. ولكن عندما تمتزج بالتشدد القومي كما يحدث في تركيا وفي أماكن أخرى (يتخذ الخطاب) شكلا أكثر حدة”.

وأجّج أردوغان، الذي نصّب نفسه متحدثا باسم العالم الإسلامي، التوتر ضد ماكرون عقب الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في أكتوبر، عندما قام إسلاموي متطرف بقطع رأس مدرس التاريخ صامويل باتي عقب عرضه رسوما كاريكاتورية تصور النبي محمد على طلابه ضمن درس عن حرية التعبير، وقيام متطرف آخر بعد أيام بالهجوم بسكين على كنيسة نوتردام بمدينة نيس جنوب البلاد خلّف ثلاثة قتلى.

وبعد هذه الاعتداءات دعا ماكرون الفرنسيين إلى الالتفاف حول قيم الجمهورية العلمانية في مواجهة اعتداءات المتطرفين. ولكن خطابه “العاطفي” تسبب ببلبلة عندما قال إن الإسلام “يعاني أزمة في كل أنحاء العالم اليوم”، خصوصا وأن هذا جاء بعد فترة قليلة من حديثه عن “النزعة الانفصالية الإسلامية” في فرنسا. وكان رد أردوغان سريعا وشخصيا، إذ قال إن ماكرون يحتاج إلى “فحص سلامته العقلية”.

وعدا عن دور الشخصية في إذكاء نار العداء بين الزعيمين العنيدين، تلعب أيضا رغبة كل منهما في زيادة شعبيته داخليا مهمة أساسية في ذلك.

كريستيان براكل:

أردوغان يقدّم نفسه في بعض الأحيان "كمنقذ للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة"

وقالت أسيل أيدينتاسباس، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست، “وجد كل من ماكرون وأردوغان في الآخر العدو المثالي. هذا التراشق الكلامي يخدم مصالح كل من الزعيمين بشكل غريب، على المستوى الداخلي وعلى مستوى التأثير الذي يسعى كل منهما لعرضه خارجيا”.

وقال ليسر إن “أردوغان سياسي بارع انتقل من مجدد ليبرالي إلى حاكم مطلق أكثر تصلبا.. هناك ثمن بخس جدا يدفعه داخل تركيا لموقفه المعلن ضد فرنسا وأوروبا. إنه مكسب إضافي لرصيد أردوغان لأن المشاعر القومية واسعة الانتشار”.

وقد يكون لدى ماكرون هو الآخر دوافع داخلية. فدفاعه الشديد عن العلمانية إثر سلسلة الاعتداءات الأخيرة ومحاولاته جعل الممارسة الدينية الإسلامية أكثر تماشيا مع الثقافة الفرنسية، قد يدعمان فرص إعادة انتخابه إذا واجه زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في العام 2022.

وأكد ليسر أنه “في ما يتعلق بعلاقة فرنسا الأوسع بالعالم الإسلامي، ستكون تركيا طرفا في معادلة السياسة الخارجية الفرنسية.. وفي نطاق مساعي الرئيس لإدارة هذه العلاقة، لا بد أن يحسب الجانب الفرنسي إلى أي مدى يريد التضييق على أنقرة”.

19