تدريس التربية الأسرية للمراهقين يؤسس لعلاقات زوجية مستقرة

يدرس البرلمان المصري مقترح استحداث مناهج تربوية لتعليم الشباب والمراهقين وتثقيفهم وتوسيع مداركهم الفكرية حول مفهوم التربية الأسرية، وذلك لبناء علاقات زوجية ناجحة. ويدعم الكثير من نواب البرلمان المصري تفعيل المقترح في ظل ارتفاع منسوب الخلافات الأسرية وزيادة معدلات الطلاق واتساع الهوة بين الأبناء والآباء.
تعاني الأجيال المعاصرة في بعض المجتمعات الشرقية من الجهل بالحد الأدنى من المعرفة بأبجديات تكوين أسرة مستقرة فكريا وثقافيا ونفسيا وعاطفيا، وهو ما يبدو واضحا في ارتفاع معدلات الطلاق والصدامات بين الأزواج لأسباب واهية، نتاج التقليد الأعمى من الأبناء لحياة الآباء وتطبيق تجاربهم والالتزام بالعرف والتقليد.
وأمام فقدان الأمل في تغيير قناعات أرباب الأسر تجاه الكثير من الملفات المرتبطة بطرق التربية المعاصرة للأبناء وتأهيلهم للحياة الزوجية بشكل علمي، بدأت بعض الأصوات تطالب بضرورة أن يكون للمؤسسات التعليمية دور محوري في القيام بهذه المهمة من خلال تعريف المراهقين والشباب بكيفية تأسيس أسرة.
ويعكف البرلمان المصري على دراسة مقترحات تقدم بها نواب لتطبيق الفكرة من خلال استحداث مناهج دراسية معاصرة لمخاطبة الشباب وتثقيفهم وتوسيع مداركهم الفكرية تجاه الأسرة بشكل عام، ليكونوا مؤهلين مبكرا بشأن المطلوب منهم مستقبلا قبل وأثناء العلاقة الزوجية لتصبح مستقرة.
ويدعم الكثير من نواب البرلمان المصري تفعيل المقترح في ظل ارتفاع منسوب الخلافات الأسرية، وزيادة معدلات الطلاق واتساع الهوة بين الأبناء وآبائهم، ورأوا أن التأسيس المبكر للأسرة في عقول الشباب يؤسس لقوام عائلي خالٍ من المنغصات، ويحصن الأجيال المقبلة من الوقوع في أزمات قد تكون عصية عن الحل.
يقوم المقترح البرلماني على أن السلامة الأسرية والنفسية صارت قضية لا غنى عنها، لتعليم الطلاب سبل مواجهة تحديات الحياة الزوجية والحفاظ على علاقات راسخة يصعب هدمها مع أول مشكلة، ولن يتحقق ذلك دون دعمهم بالمعارف والمهارات اللازمة لتكوين أسرة ناجحة بشكل معاصر.
وتتمثل معضلة الكثير من الأجيال الحالية أنهم تربوا على أفكار وثقافات الآباء والأجداد مع أن التحديات والمشكلات التي تواجه الأزواج المعاصرين تختلف إلى حد كبير عن تلك التي اصطدم بها أرباب الأسر سابقا، أيّ أنهم صاروا غير مؤهلين لحل أزماتهم لافتقادهم الحد الأدنى من الخبرات والمهارات اللازمة لعبور الصعاب.
مع أول مشكلة تواجه الشاب والفتاة، فإن حياتهما الأسرية قد تدخل في نفق مظلم ينتهي بالانفصال، ما يستدعي التأهيل الفكري والثقافي والنفسي لطرفي العلاقة ليكونا مستعدين للتعامل بحنكة وعقلانية واستنارة مع خلاف مستقبلي، والأهم أنهما سيصبحان أكثر وعيا لأسلوب التربية الحديثة مع أبنائهم بعد الإنجاب.
من شأن اهتمام المؤسسات التعليمية بتوسيع مدارك الطلاب تجاه الأساليب الصحيحة لتكوين أسرة ذات قوام راسخ، أن ذلك سيعوض إهمال الكثير من العائلات لتربية الأولاد وتقويم السلوكيات، وبدلا من اكتسابهم ثقافات هشة وأفكار منحرفة من الشارع، يتم تأهيلهم بشكل علمي تربوي يعالج الخلل.
ويرى متخصصون في الشؤون الأسرية أن التأهيل المبكر للمراهقين على مراحل تكوين الأسرة يحصنهم من الأفكار السلبية ويحررهم من أن يستمروا أسرى لعادات وتقاليد وأعراف لم يجن منها المجتمع سوى المزيد من خراب البيوت، باعتبار أن ما كان يطبق في الماضي بين الشريكين لم يعد يصلح لهذا العصر ومتطلباته.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن أغلب العائلات غير مؤهلة للتعاطي بشكل نفسي وتربوي وعقلاني مع مشكلاتها، ما ينعكس سلبا على معتقدات الأبناء تجاه العلاقة الزوجية، فقد يصابون بالإحباط وعدم الرغبة في تكوين أسرة من الأساس، وهو ما يظهر بوضوح في عزوف الكثير من الشباب عن خوض تجربة الزواج.
قالت هالة حماد وهي استشارية في العلاقات الأسرية وأنماط التربية السليمة، إن قطاعا من الشباب لديهم أفكار كثيرة مغلوطة عن مؤسسة الزواج، وبعضهم يحصل على معارفه ومعلوماته من دوائر المعارف والأصدقاء، وقد تكون تجاربهم غير سلمية ولا تربوية ولا تتسق مع متطلبات الحياة الأسرية السوية.
وأضافت لـ”العرب” أن تعريف أرباب الأسر المستقبلية بأبجديات العلاقة السعيدة، يوسع دائرة العلاقات الناجحة ويدعم المراهقين والشباب نفسيا وسلوكيا، ويمدهم بالمعارف التي يضعها متخصصون لديهم مهارة وفهم حول أساليب تأسيس قوام عائلي متماسك قائم على معرفة كل طرف في العلاقة لمهامه ومسؤولياته.
وأكدت أن وصول الشاب والفتاة لسن الزواج، وهما يجهلان كل ما يرتبط بالحياة الأسرية السليمة، قد يجعل فترة العلاقة قصيرة، ولو استمرت، قائمة على أسس هشة، مثل تربية الأبناء وعدم القدرة على تحمل تبعات الانفصال، مع أن بلوغ العلاقة القوية المتماسكة لا يحتاج سوى تأهيل ووعي وتصحيح مفاهيم.
إدراج التربية الأسرية بالمناهج خطوة لتوسيع مدارك المراهقين قبل أن يكونوا ضحايا لسلوكيات عائلية خاطئة
يذهب مؤيدون لإدراج التربية الأسرية بالمناهج الدراسية إلى أن الخطوة من شأنها توسيع مدارك المراهقين من الجنسين قبل أن يكونوا ضحايا لسلوكيات عائلية خاطئة، مثل ختان الإناث والزواج المبكر وإنجاب الأبناء دون تخطيط، واستمرار النظر للمرأة بشكل متدنٍ واختزال دورها في الجنس والإنجاب وخدمة الزوج.
إن الفتاة الصغيرة عندما يتم توعيتها وتثقيفها بمخاطر الأمومة المبكرة والختان لن تقبل الخضوع لرغبات أسرتها وستكون أكثر شجاعة على حماية نفسها من العنف الأسري، لأنه سيتم تعريفها بكيفية التصرف مع السلوكيات الخاطئة لعائلتها، ولو لجأت إلى مؤسسات معنية بحقوق الطفل والمرأة لتحصين جسدها.
والمراهق أو الشاب الذي يتم زرع نفس الأفكار في مخيلته لن يقبل الانصياع لرغبات أسرته ويتزوج مبكرا، أو ينجب أبناء وهو غير قادر على تربيتهم والإنفاق عليهم وتحمل الصعاب رغم عدم تأهيله واستعداده لتحمل مشقة المهمة، مهما تعرض من ضغوط عائلية تحت وطأة التقاليد والعادات.
من شأن تغيير قناعات الشاب والفتاة حول القوام الأسري عموما عبر المناهج الدراسية أن يتم تغيير دفة التربية من العائلة إلى المؤسسات التعليمية، أو على الأقل، تصبح المدارس بمثابة “المصحح التربوي والسلوكي” للأفكار العقيمة التي يتم تغذية عقول الصغار بها وتنشئتهم عليها لتطبيقها على أنفسهم قبل وأثناء الزواج.
من شأن المناهج المعاصرة حول العلاقة الأسرية السوية معالجة الصراع الموجود بين جيل الكبار، وهم أرباب العائلات، ومجتمع الصغار، الذين يفترض أنهم آباء وأمهات المستقبل، ما يوفر على الحكومة الوقت والجهد في تغيير قناعات أصحاب الأفكار الجاهلية، والتركيز مع مخاطبة ضحايا هذه العقول.
ومهما كانت مضامين المناهج الأسرية، فهي كفيلة بسد عجز خلفته عائلات لا تقوم بواجبها حيال أبنائها وإعدادهم نفسيا وسلوكيا لتحمل مسؤوليات الزواج، لأن مخاطر ذلك ستكون أكبر بين الآباء الذين لم يحصلوا على تعليم كافٍ لتقوم المؤسسة التعليمية بتعويض غياب الأسر الأمية.
ويظل التحدي الأبرز أمام توظيف المناهج الأسرية لتأهيل الأجيال المعاصرة لمؤسسة الزواج، انتقاء الشخصيات التي تدرس هذه المعلومات بعناية، لأن اختيار معلم لديه رؤى غير سوية عن العلاقة الزوجية سيكون عائقا أمام رسم المسار الممهد أمام الأجيال الصاعدة لإنشاء قوام عائلي متماسك وعصري.