تحريم زواج الأبناء بالإكراه يحطم سلطة الآباء لاختيار شريك الحياة

الطعن في شرعية شخص لا ترغب الفتاة في الارتباط به بداية لتغيير الوصاية الأسرية.
الثلاثاء 2021/01/12
الزواج لا يبنى على الإكراه

أصدرت دار الإفتاء المصرية لأول مرة فتوى تشكك في صحة وشرعية الزواج الذي تُجبر فيه الفتاة على شخص معين، ومنحت الأبناء الحق في رفض أي ضغوط أبوية على زواجهم من أشخاص بعينهم، وهو ما ثمنته منظمات نسوية وشخصيات حقوقية رأت أن الخطوة الأولى لإسقاط السلطة الأبوية في اختيار شركاء الحياة للأبناء تبدأ بتحريم زواج الإكراه.

القاهرة - قبل أربع سنوات، أجبرت أسرة المصرية شيماء محمد، بحي بولاق الشعبي في القاهرة، على زواجها من شاب ميسور الحال عاد للتو من إحدى دول الخليج، رغم أنها أبلغت والديها أكثر من مرة برفضها الارتباط بشخص لم تسبق لها معرفته، ويريد الزواج منها فقط لأنها جميلة وذات قوام جسدي رشيق.

ولم تفلح محاولات الفتاة في تغيير موقف الأسرة، ورضخت للضغوط وتزوجت من الشاب، وبعد أشهر قليلة قررت أن تنتقم من كل الأطراف، وتعاود علاقتها العاطفية بزميلها السابق في الجامعة، وتعاملت مع زوجها بشكل سيء كي تدفعه لتطليقها، ونجحت خطتها وانتهى زواجها بعد أقل من عام دون أن تنجب، حيث كانت تتعاطى عقاقير منع الحمل.

وقالت شيماء لـ”العرب” إن والدها المتدين كان في كل مرة يضغط عليها للزواج من الشاب باستخدام لغة الدين لترهيبها من معصيته، باعتباره الأجدر على اختيار شريك حياتها الذي يضمن لها حياة كريمة ومستوى اجتماعيا لائقا في ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة تعصف بأغلب الأسر أمام ارتفاع الغلاء وقلة الموارد.

ولا تتوقف هذه السلوكيات الأبوية على مجتمع بعينه، بل صارت ظاهرة عربية استدعت تدخل مؤسسات دينية لتحطيم سلطة الآباء في اختيار شركاء الحياة لأبنائهم، باعتبار أن الأسر تتدخل لإرغام الفتيات على الزواج من شباب بعينهم، لأسباب مادية بحتة أو لوجود قرابة بين العائلتين، بدعوى أنها الأحرص على صون وحماية الأسرة.

ويعتقد حقوقيون أن الوقوف بقوة أمام ظاهرة الإجبار على الزواج في المجتمعات العربية يتطلب رفع الحماية الدينية عن تصرفات الآباء والأمهات، بحيث يتم تحريم تصرفاتهم والطعن في عقود وشرعيات وثائق الزواج التي تبرم عن غير رضا، بحيث يتم ردع الأسر التي تنتهج هذه السلوكيات وتحميلها تبعات الإصرار على التدخل في رسم المستقبل العائلي للأبناء.

وما يبرهن على أهمية دخول المؤسسات الدينية طرفا أصيلا في معالجة الظاهرة، أن هناك دراسة أعلنها الاتحاد النسائي العربي قبل عامين رصدت التدخلات المجحفة من الآباء في إرغام الفتيات على الزواج من أشخاص بعينهم، وذهبت إلى أن 12 في المئة فقط من السيدات العربيات يخترن شركاء حياتهن دون تدخلات أسرية.

وأظهرت الدراسة التي ركزت على السودان والسعودية والبحرين والجزائر ومصر، أن 58 في المئة من الأسر تستشير الفتيات في إمكانية القبول أو الرفض، والنسبة الباقية يتم تزويجهن بضغوط، ما يعني أن الأمر تجاوز الحالات الفردية ليصبح ظاهرة تقف وراءها دوافع دينية واقتصادية واجتماعية تحتاج إلى وقفة جادة من كل الأطراف.

58 في المئة من الأسر تستشير الفتيات والنسبة الباقية يتم تزويجهن بضغوط

ولا تدرك الأسر التي تمارس الضغط على الفتاة للزواج من شخص بعينه، أنها بذلك تدفعها إلى أن تعيش حياة بائسة خالية من الاستقرار النفسي والعائلي، وتجعل علاقتها بشريك حياتها قائمة على البغض والكراهية، وفي هذه الحالة لا تبقي الزوجة على العشرة أو تحاول الحفاظ عليها، وتسعى للتحرر من السجن الأسري بأي طريقة.

وإذا كانت نسب الطلاق في المجتمعات التي تنتشر فيها ظاهرة الزواج بالإكراه غير واضحة بلغة الأرقام، فإن دراسة عن محاكم الأسرة المصرية صدرت مؤخرا تصلح لتكون مؤشرا على مخاطر تدخل الآباء في اختيار شركاء الحياة للأبناء، حيث أعلنت أن قرابة 52 في المئة من المطلقات أقدمن على الانفصال نتيجة زواجهن بالإكراه.

وقالت أسماء عبدالعظيم، الاستشارية المصرية في العلاقات الأسرية، إن أغلب حالات الزواج بالإكراه تنتشر بين الأسر البسيطة التي تعتبر التدخل في اختيار شريك الحياة واجبا دينيا، ما يعطي أهمية استثنائية لدخول المؤسسات الدينية كطرف أصيل على خط الأزمة، فالآباء يتعاملون بمنطق أنهم أوصياء وولاة أمر في رسم حياة آمنة لأولادهم.

وأضافت لـ”العرب” أنها عندما تدخلت ذات مرة لإقناع والد فتاة بعدم زواجها من شاب لا ترغبه، أجابها بأنه مكلف دينيا بأن يختار لها الأصلح، وهذا اعتقاد خاطئ عند الكثير من الأسر التي تتعامل مع الأبناء باعتبار أنهم قُصّر ولا يعرفون كيف يختارون ويخططون ويرسمون حياتهم بشكل مستقل.

وقالت عبدالعظيم إن الزواج بالإكراه دافع للخيانة، من الشاب أو الفتاة، حيث يشعر كلاهما بأنه يعيش في سجن ولا يتخيل نفسه دون علاقة عاطفية ولو خارج الإطار الرسمي للزواج، فيضطر لأن يعيش بجسده مع شخص وقلبه مع آخر، وهي الحقيقة التي تغفلها أغلب الأسر التي تصر على عدم احترام استقلالية قرار الزواج.

ويرى متخصصون أن مواجهة الزواج بالإكراه تتطلب الاعتماد على نماذج حية لشباب وفتيات فشلوا في حياتهم العائلية بسبب تدخلات الأهل في اختيار شريك الحياة، بحيث يتم ترهيب الأسر من مغبات الإصرار على هذه السلوكيات، وعدم منح الأبناء الحرية الكاملة في إبداء رأيهم بالقبول أو الرفض بعيدا عن الوصاية الأبوية.

وسبق أن دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب المؤسسات التشريعية في مختلف البلدان العربية والإسلامية إلى سن تشريعات تصون حقوق الفتيات من جبروت وتسلط الآباء عند الزواج، لأن الإجبار على الارتباط بشخص بعينه ظاهرة مسيئة للدين الذي يحتمي به البعض لتمرير تدخلاتهم، وعذاب محرم ومجرم شرعا.

ويعوّل البعض على أهمية الرأي الديني في معالجة الأزمة، لأن الظاهرة بطبيعتها تنتشر بين الأسر الأكثر التزاما بالدين، وبالتالي فالخطاب التحريمي الذي يشكك في عقد الزواج الذي تم بالإكراه قد ينقذ انهيارات أسرية مستقبلية، لكن الأمر صار بحاجة إلى شمولية في المواجهة، إذا كانت الحكومات العربية لديها رغبة في تحجيم ظاهرة الطلاق لأدنى مستوى.

وأكدت إنشاد عز، الباحثة في علم الاجتماع، أن المجتمعات العربية التي تتعامل مع الزواج بالإكراه كحق مكتسب للأسرة بحاجة إلى الطعن في معتقدات الآباء، فالحرص على اختيار شريك حياة مناسب ماديا أو من أبناء العمومة يترتب عليه خرس زوجي وطلاق صامت وعلاقات قائمة على الندية والكراهية والعنف اللفظي والجسدي.

وأوضحت أن التحريم الديني قد يحد من الظاهرة لكنه لن يحلها بشكل قطعي دون ضرب كل مبررات الزواج بالإكراه، فأغلب الفتيات يبحثن عن الارتباط المبني على التفاهم والعاطفة وليس المال كما يعتقد الآباء، ومن يزوج ابنته ليرفع عن نفسه عبء الإنفاق عليها قد يتم تطليقها وتصبح عبئا اقتصاديا ونفسيا وأسريا عليه.

21