تأهيل اختياري ثم إجباري لمحاصرة الطلاق في مصر

قررت الحكومة المصرية اللجوء إلى افتتاح مراكز تأهيل الزواج، للحد من ظاهرة الطلاق، والاستعانة بتجارب دولية في هذا الشأن، للحفاظ على تماسك الأسرة، والحيلولة دون انهيارها بانفصال الزوجين في السنوات الأولى من الزواج، وهي الظاهرة التي تنتشر في مصر على نطاق واسع.
القاهرة- قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال المؤتمر السادس للشباب، مساء الأحد، إن “هناك ظاهرة خطيرة في المجتمع، وهي أن يتزوج الشاب والفتاة بناء على معرفة وعلاقة عاطفية، وبعد أشهر قليلة يقرران الانفصال عن بعضهما البعض.. لا بد من تأهيل كل المقبلين على الزواج بشكل علمي ونفسي وثقافي وفكري”.
وتنتشر ثقافة التأهيل قبل الزواج في أكثر من مجتمع عربي، على غرار السعودية والجزائر، ويحظى الأمر بدعم حكومي واسع، لكن فكرة التجربة الأولى بدأت في ماليزيا، عندما أدركت الحكومة قبل سنوات ارتفاع نسبة الطلاق إلى 32 بالمئة، فلجأت إلى إخضاع المقبلين على الزواج لدورات تدريبية.
واشترطت الحكومة الماليزية حصول الشاب والفتاة على شهادة أو رخصة قيادة الأسرة، للإقرار بزواجهما، ما انعكس إيجابيا على تراجع معدلات الطلاق، وانخفضت النسبة خلال فترة وجيزة إلى 7 بالمئة وأصبحت ماليزيا تصنف ضمن الدول الأقل في معدلات انفصال الزوجين.
ويعتقد الرئيس عبدالفتاح السيسي ودوائر كثيرة في مصر، أن مراكز تأهيل الزواج ضرورة لمواجهة ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع، ولا يمكن استمرار هذا الواقع الخطير، الذي يتسبب في انهيار أسر وتشريد أطفال، لأن الزوجين لا يتمتعان بالخبرة الكافية في إدارة المشكلات.
ويمثل ارتفاع نسبة الطلاق في مصر هاجسا مستمرا للحكومة، بعد أن أصبحت مصر الأولى عالميا في معدلات انفصال الزوجين، وهناك 20 حالة طلاق في الساعة الواحدة، أي ما يعادل 170 ألف حالة سنويا، وفق إحصائيات الأمم المتحدة.
عدم القدرة على تحمل المسؤولية وتفشي الغلاء في المجتمع يصعبان مهمة الحكومة في مواجهة الطلاق بالتوعية والتثقيف
وتسعى الحكومة المصرية إلى التوسع في مراكز تأهيل الزواج، كبديل عن تشدد الأزهر في رفض المقترح الذي سبق أن طرحه السيسي نفسه، بألا يتم الاعتراف بالطلاق الشفوي، واستبداله بالموثق فقط، لكن هيئة كبار العلماء تصدت له، وقالت إن الأمر يخالف الشريعة، وأصرت على الاعتراف بالطلاق الشفوي.
ويعكس إصرار الحكومة على مجابهة إشكالية الطلاق بالبحث عن بدائل واقعية، أن اللجوء إلى مراكز تأهيل المقبلين على الزواج سوف يكون الخيار الوحيد في مواجهة تشدد الأزهر.
وقالت غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي في مصر، إنه يجرى إعداد برنامج استشارات أسرية وتأهيل الأزواج، وتم الاستناد إلى تجارب دولية، وتكليف مركز البحوث الاجتماعية وخبراء علم النفس بوضع خطة متكاملة لتأهيل المقبلين على الزواج.
ويجري حاليا تشكيل منهج علمي واجتماعي متكامل، سوف يبدأ تطبيقه بشكل اختياري للمقبلين على تكوين أسرة، ثم يكون إجباريًا بعد ذلك، كأحد شروط إبرام وتوثيق عقد الزواج.
وينقسم منهج الزواج في المراكز المعنية بتقديم هذه الدورات التدريبية إلى شقين، الأول يخاطب الفئات التي تعيش في المناطق الريفية والشعبية، والثاني يتعلق بسكان الحضر، لاختلاف ثقافات وعادات وتقاليد المجتمعين، وما يناسب هذا قد لا يتوافق مع ذاك.
وسبق لدار الإفتاء المصرية أن أعلنت تقديم دورات تدريبية للمقبلين على الزواج، لكنها كانت تنحصر في إطار ديني بحت، عن طريق بعض الأئمة والمفتين، للإيحاء بأنها تسعى إلى مواجهة ظاهرة الطلاق لتسجيل موقف يدعم توجهات الرئيس المصري، ولا يدعم موقف الأزهر الرافض لعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، أيّ أن الهدف كان سياسيا أكثر منه اجتماعيا.
وتوجد في مصر مراكز تدريب مماثلة لتلك التي تريد الحكومة إنشاءها، لا تحظى بانتشار واسع بين الفئات المجتمعية، لغياب ثقافة التوعية الاستباقية بفكرة الزواج وسبل نجاحه وتدريب الشاب والفتاة على كيفية معاملة كل منهما للآخر، ويرتبط الأمر أكثر بوعي الراغبين في استقرار حياتهم الأسرية.
ارتفاع نسبة الطلاق في مصر يمثل هاجسا مستمرا للحكومة، بعد أن أصبحت مصر الأولى عالميا في معدلات انفصال الزوجين، وهناك 20 حالة طلاق في الساعة الواحدة
ووفق دراسات وبحوث اجتماعية، تتضمن مسببات الطلاق غياب الخبرة الكافية وعدم التأهيل المناسب للزوجين وعدم التدريب على كيفية مواجهة المشكلات والتعامل معها بحنكة دون وصول الأمور إلى مفترق طرق.
وقالت سهير لطفي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة حلوان في جنوب القاهرة، إن الاهتمام بفكرة التأهيل قبل الزواج حائط صد منيع أمام انهيار الاستقرار الأسري، لكن المشكلة تكمن في إدراك المجتمع لأهمية هذا النوع من التوعية، وليس سهلا إقناع الأسر التي لم تتعلم وتعيش في مناطق مهمشة بضرورة أن يحصل أبناؤها على دورات تأهيل قبل الزواج.
وأضافت لـ”العرب” أن التأهيل للزواج يجب أن يتحول إلى هدف قومي، بخطة إعلامية وتثقيفية واسعة حتى يؤتي ثماره، لأنه يعمل على فهم كل طرف لطبيعة الآخر، وكسر عقدة الخلاف والاختلاف في الفكر والثقافة والهدف، فضلا عن الإلمام بالمهارات والخبرات اللازمة للحياة الزوجية السعيدة.
وأوضحت آية محمد، حاصلة على ليسانس في الحقوق والقانون، أن أزمات الأسرة المصرية لم تعد مرتبطة بغياب التوافق بين الزوجين واختلاف شخصية الشاب عن الفتاة والعكس بالعكس، بقدر ما أصبحت هناك مستجدات تفوق أيّ محاولة للتعامل مع المشكلات المسببة لفشل الزواج.
وأشارت لـ”العرب”، إلى أن مشكلة الشبان والفتيات في مصر أنهم يتعاملون مع الزواج باعتباره عادة، وليس شراكة وإنجابا ومواجهة صعوبات الحياة لاستكمال الحياة معا، وإذا غابت الرفاهية المتخيلة يتحول الزواج إلى انفصال، وما يبرهن على ذلك ارتفاع دعاوى الخلع لأسباب غير مقنعة.
ولفتت إلى أن ما يصعّب مهمة الحكومة في مواجهة الطلاق بالتوعية والتثقيف هو تحكم المزاج في حياة الجيل الجديد وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، مع تفشي الغلاء في المجتمع، مشددة على أن التأهيل ضرورة ملحة، لكنه ليس حلا سحريا لتغيير ثقافة التزاوج التي أصبحت منتشرة في المجتمع.