تأخر الحكومة في الإحاطة بالفئات الهشة يفجر غضب الجزائريين

مواطنو محافظة البليدة يشتكون قلّة التبرّعات متسائلين عن مصير القوافل التضامنية المروّج لها في الإعلام الرسمي والموالي للسلطة على أنها موجّهة لسكان المحافظة.
الأربعاء 2020/04/15
إجراءات الحجر تصطدم بتوفير الحاجيات اليومية

اعتبر مراقبون أن تصاعد غضب الفئات الهشة في الجزائر بسبب تراخي الحكومة في وضعهم على سلّم اهتماماتها ضمن مسار معركتها على جائحة فايروس كورونا يعكس مدى الارتباك في أجهزة الدولة النفطية التي تعاني من أزمات متنوعة فاقمتها الحلول السياسية البدائية.

الجزائر - كشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، على هامش الزيارة الميدانية، التي قادته لمؤسسات صحية حكومية في العاصمة، عن تخصيص أقلّ من ألف دولار ستوزّع على كل عائلة تضرّرت من تجميد النشاط التجاري بسبب كورونا.

وجاء القرار في ظل تصاعد الغضب الاجتماعي، من تغافل السلطة عن تداعيات قرار الحجر المطبّق منذ أسابيع، على الفئات الاجتماعية الهشّة، التي تعتمد في معيشتها على مدخول الشغل اليومي في الظروف العادية، فضلا عن فشل الحكومة في التكفّل الحقيقي بالحاجيات اليومية للسكان.

وكانت السلطات قد شرعت منذ منتصف مارس الماضي، في تطبيق حجر جزئي على بعض المحافظات كالعاصمة والبليدة، قبل أن يصبح القرار شاملا، وتم تقليص مجال الحركة في عدّة محافظات إلى 8 ساعات تبدأ من السابعة صباحا إلى الثالثة مساء.

ورغم التطمينات التي قدّمها تبون، للجزائريين، والقاضية بإمكانية بداية العودة إلى الحياة العادية مع نهاية الشهر الجاري، إلا أن التضرّر التدريجي للفئات الاجتماعية الهشة بصدد التفاقم، وقد يتحوّل إلى انفجار اجتماعي.

ولا زالت حملات التعبئة للمواطنين باحترام إجراءات الحجر الصحي، تصطدم بتوفير الحاجيات اليومية، في ظل استمرار ندرة الطحين والحليب وخدمات البريد، حيث يصطف العشرات في طوابير مزدحمة لا يستبعد أن تكون بؤرة للوباء، وهو ما يدحض جهود الحجر.

وتحوّلت عبارة “الإفلاس”، مرادفة لتعليق ناشطين ومدونين في الشبكات الاجتماعية للتعبير عن تدهور الأوضاع للفئات الفقيرة التي لا تملك مدخولا ثابتا من وظيفة قارة، ويعتمدون في حياتهم اليومية على مداخيل شغلهم اليومي.

ويكتنف الغموض حجم ومصير حملات التبرع والتضامن المفتوحة خاصة بعد إقرار أكبر موظفي الدولة والضباط السامين كالوزراء والنواب والمحافظين وكوادر الشركات الاقتصادية والضباط السامون في المؤسسة العسكرية، برواتبهم الشهرية التي صبت في الحسابات المفتوحة للتبرع.

شلل تام لمختلف القطاعات التجارية والخدماتية التي تستقطب أعدادا معتبرة من اليد العاملة
شلل تام لمختلف القطاعات التجارية والخدماتية التي تستقطب أعدادا معتبرة من اليد العاملة

ويتجلى ذلك في حالة الشهادات والتسجيلات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، لمواطنين خاصة في محافظة البليدة المصنّفة كبؤرة أولى للوباء في الجزائر والواقعة تحت الحجر الشامل.

واشتكى هؤلاء من قلّة وهشاشة التبرّعات التي يحصلون عليها، وتساءلوا عن مصير القوافل التضامنية المروّج لها في الإعلام الرسمي والموالي للسلطة، على أنها موجّهة لسكان البليدة.

وكان الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر النقابات العمالية في البلاد، قد دعا خلال الأيام الماضية، إلى ضرورة التفكير السريع للحكومة في مصير المؤسسات المشلولة والعمال المنتسبين إليه، إلى جانب تفاقم الفئات العاملة في المؤسسات الصغيرة والحرف اليدوية.

وفي خطوة لاستباق مخاطر الشلل الاقتصادي وتداعياته على القوى العاملة وعلى الاستقرار الاجتماعي، راسل الوزير الأول عبدالعزيز جراد، الجهات المختصة في الحكومة من أجل “فتح مشاورات في كل قطاع مع منظمات أرباب العمل ونقابات العمال التي تنشط في العالم الاقتصادي، حول إشكالية الحدّ من الآثار الناجمة عن التدابير المتخذة من قبل الدولة للوقاية من فايروس كورونا ومكافحته”.

وبغض النظر عن تداعيات الوباء على النشاط الاقتصادي المشلول أصلا، وتقلّص مداخيل الخزينة العامة جرّاء تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية خلال الأسابيع الأخيرة، فان تلويح تبون، في أحد تصريحاته بإمكانية اللجوء إلى رصيد النقد الأجنبي، يعتبر الملاذ الوحيد للسلطة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المرتبكة.

ورغم دخول الوضع الاستثنائي في البلاد شهره الثاني، إلا أن السلطة ظلت تتلكأ في إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية للتكفل بالمؤسسات المتضررة، وبالفئات المعطلة بسبب قرار الحجر الصحي، حيث يجري شل مختلف القطاعات التجارية والخدماتية التي تستقطب أعدادا معتبرة من اليد العاملة.

واعتبر متابعون للشأن الجزائري ذلك أنه “بوادر فشل رسمي في تسيير أزمة الوباء”، فعلاوة على الصعوبات التي تعتري القطاع الصحي وظهور الكثير من النقائص في الميدان.

الحكومة تبادر بفتح مشاورات مع أرباب العمل والشركاء الاجتماعيين في القطاعات المتضررة لتفادي تفاقم الأزمة

وتوفي إلى حدّ الآن تسعة أطباء، حسب تصريح أدلى به الثلاثاء رئيس نقابة مستخدمي القطاع إلياس مرابط، ما يبرز المخاطر الحقيقية التي تهدد العاملين في القطاع.

ويشير المراقبون أن الاختلال يبقى قائما في المجتمع، لأن المنحة التي أقرتها السلطة فضلا على أنها جاءت متأخرة، لا تفي بغرض التضامن، لأن قيمتها لا يمكن أن تغطي حاجيات العائلات المعنية، والمقدرة حسب إحصائيات سابقة بأربعة ملايين عائلة.

كما أن تلك الأموال تبقى هبة تضامنية وليس تكفلا رسميا بالمعنيين، مقابل الفئات الأخرى المنتسبة لقطاعات الوظيفة العمومية والشركات الاقتصادية الكبرى المملوكة للقطاع العام.

وكان النائب عن تحالف النهضة والعدالة والبناء الإسلامي لخضر بن خلاف، قد حذّر تبون من مغبّة المسارعة باللجوء للنقد الأجنبي، وحضه على توظيف كافة الإمكانيات المتاحة، وبرر ذلك بغموض الوضع الاقتصادي الذي سيفرزه الوباء بعد انتهاء الجائحة.

ويعكس الطابع الاستعجالي الذي حملته مراسلة رئيس الوزراء، تخبّط الحكومة وتأخرها في التكفل بجميع الفئات الاجتماعية، وحتى المشاورات التي أوصى بها ستأخذ بدورها وقتا لا ينتظر معه تفاقم الحاجيات المتنامية للمؤسسات المشلولة والعاملين فيها، وبشكل أدق العاملين بأجر يومي في أنشطة هشة.

4