بين أمينتين وحفلين

عادت الفنانة التونسية أمينة فاخت إلى الغناء بعد انقطاع اضطراري ناهز الثماني سنوات، عادت “الديفا” أو “اللؤلؤة” أو “الصوت”، كما يحلو لعشّاقها توصيفها.
عادت أمينة للوقوف على مسرح قرطاج الأثري لتحيي حفلين، في سابقة هي الأولى لفنانة تونسية، تعتلي خشبة المسرح الروماني في دورة صيفية واحدة مرتين.
وكان الاحتفاء من الجماهير المتعطّشة لواحد من أجمل الأصوات التونسية، بل والعربية أصلا، على قدر الاشتياق. حفلان بشبابيك مقفلة، وجمهور من كل الشرائح الاجتماعية، شيبا وشبابا، سادة وسيدات، مواطنين عاديين، وخاصة فنانين وإعلاميين، كانوا هم أوّل المعجبين بأمينة ولا يزالون.
جموع بشرية هائلة العدد والاستعداد لمعانقة صوت استثنائي طال غيابه، غصّت بهم مدرجات قرطاج مساءي السبت والثلاثاء، فالفنانة التي تم تغييبها إثر ثورة 14 يناير 2011، كما غيّبت زميلتها صوفية صادق، قبل أن تسبقها إلى الصعود على نفس الخشبة في السنة الماضية، بداعي كونهما يعدّان من رموز العهد البائد، عادتا إلى الغناء على الخشبة الأهم، أو التي كانت من أهم الخشبات العربية، قبل أن يتداول على الصعود عليها في العشرية الأخيرة المزكوم والمحموم والفاقد للصوت أصلا!
فماذا قدّمت أمينة في حفلها، مساء السبت خاصة، قبل أن تتدارك عثرتها في حفل الثلاثاء، فتعود “الديفا” إلى صولاتها وجولاتها وتطلق العنان لصوتها الطروب وحضورها الركحي المجنون بحركاتها الصاخبة وانفعالاتها المنفلتة التي أحبها من خلالها الجمهور على مدار سنوات عمرها وتقلباته بين الوصال والجفاء والانتصار والانكسار.
في حفل السبت، لم تقدّم أمينة شيئا، أو بعبارة أدق، بدت وكأنها في بروفة فنية، سيئة التنظيم والترتيب، رغم قيمة الفرقة الموسيقية المصاحبة لها والتي ضمت نخبة من أفضل العازفين التونسيين، علاوة على القيادة الموسيقية المتميزة التي أمنها المايسترو محمد الأسود، لكن أمينة التي بدت مرتبكة ليلتها بدخولها وخروجها المتكرّر، وتقطعاتها الغنائية المتعدّدة أربكت الفرقة والحضور الذي غادرته دون كلام ولا حتى سلام، ما مثل سقطة الحفل.
ليلتها، تخلت أمينة عن جنونها لتكون أمينة الأم، وهي التي قدّمت، أو بالأحرى لم تقدّم ابنتها ملكة عويج، بل اكتفت بأن أفردت لها مساحة في سهرتها لتصدح الصبية بصوت عذب وإحساس فريد بمقاطع غنائية بلغة موليير، فتفوّقت الابنة على الأم إحساسا وحضورا، لتكون مفاجأة السهرة والسقطة الثانية لأمينة.
أمينة الخبيرة بما يطلبه الجمهور، تداركت أمرها في سهرة الثلاثاء، فأطربت وأمتعت، وهاجت وماجت، ليستعيد قرطاج أمينته، ومن هناك يحقّ القول أن حفل أمينة الأول للنسيان، أما الثاني فهو بمثابة عودة الروح لفنانة خلقت لتكون مجنونة مسارح.