بلقاسم ثابت يعود إلى الدراما التونسية متسائلا "علاش هكا؟"

الفنان بلقاسم ثابت يرى أن كل عمل فني خاصة الدرامي منه هو من وثائق الوطن وضمن الموروث الثقافي التونسي مهما كان.
الخميس 2021/03/11
بلقاسم ثابت: العمل الفني سريع الظهور سريع الانطفاء

عرفت الدراما التونسية في العشرية الأخيرة طفرة إنتاجية غير مسبوقة مع تعدّد القنوات التي تجاوزت العشر فضائيات. لكن المشهد لم يتغيّر كثيرا، حيث ظل  مقترنا بالموسم الرمضاني إلاّ في حالات استثنائية، كالتي أقدم عليها الممثل والسيناريست التونسي بلقاسم ثابت في بداية الألفية عبر سلسلته الشهيرة “سلوكيات” ليطويه النسيان بعدها، إلى أن عاد مؤخرا بمشروع درامي جديد يحمل عنوان “علاش هكا؟”.

تونس- منذ أكثر من عشرين عاما اشتهر الفنان التونسي بلقاسم ثابت بالسلسلة الاجتماعية “سلوكيات” التي شدّت الأنظار من حيث الأداء ونقد بعض المظاهر السلبية في المجتمع التونسي مع حلول الألفية الجديدة، كما شجّعت في جانب آخر على إبراز كل أصيل وإيجابي فيه، وهو العمل الذي كتبه ثابت بنفسه في أربعة مواسم متعاقبة (من 1998 إلى 2001)، قاطعا حينها مع موسمية الأعمال الدرامية التونسية التي ظلت لسنوات حكرا على شهر الصيام.

وبعد أن ظهر الفنان في دور شرفي، لكنه مؤثّر، في رمضان الماضي عبر مسلسل “27” الذي جسّد فيه دور أب مريض بالزهايمر، ها هو يستعدّ للانتهاء من تصوير مسلسل جديد تحت عنوان “علاش هكا؟” من إخراج العربي الهذيلي ونص مشترك بينه وبين الممثل محسن الجواني. ولم يتوسّع الممثل والسيناريست التونسي في إبراز معالم العمل وأبطاله إلى حين انتهائه وعرضه في رمضان المُرتقب على قناة “حنبعل” الخاصة.

وعن غيابه المطوّل عن الكتابة للدراما التلفزيونية، قال “هي وقفة تأمّل تشوبها حيرة لفكّ رموز متشعّبة بين الوقوف على تماس الحقيقة، قبالة خشبة المسرح وتعدّد المسلسلات التي تصنع النجوم في وقت قياسي، رغم ذلك فإن كتاباتي لم تتوقّف، حيث ظللت أكتب إلى الآن، وما ‘علاش هكا؟’ سوى غيض من فيض ما هو موجود في دُرج مكتبي”.

مسلسل

وعن مسلسله الشهير والسرّ وراء حجبه من جدول الإعادات التي ما انفكت تقوم بها قناة “الوطنية 2” (عمومية) لمجموعة من المسلسلات التونسية القديمة منها والحديثة، باستثناء “سلوكيات” الذي تم تغييبه بشكل كامل، قال “حقيقة، لا أدري كيف أو بمَ أجيب.. طُرح عليّ أكثر من ألف سؤال واستوقفي كمّ هائل من الناس يسألونني عمن وراء هذا ‘الفيتو’ حتى عجزت عن الإجابة مكان المدير العام للتلفزيون التونسي الذي يبدو أنه حكم على ‘سلوكيات’ بالسجن المؤبّد في خزائن التلفزيون الوطني”.

ويضيف “رغم ذلك، لا يزال يحدوني أمل في الإفراج عن هذا العمل ليطّلع عليه الجيل الجديد من الشباب، ويجدّد فيه روح التواصل مع أسماء كبرى عملت فيه، منهم من فارقوا الحياة على غرار مخرجه عبدالقادر الجربي، وعدد من الممثلين والممثلات كالمسرحي الكبير المنصف السويسي والزين موقو ومنية الورتاني وجليلة برهان وزكية بن عياد وسعيدة السراي، وآخرين أطال الله أعمارهم، على غرار دلندة عبدو وسلوى محمد وتوفيق الغربي والقائمة تطول.. أرى من الضرورّي الآن وقبل أي وقت مضى إعادة الاعتبار إلى هذه السلسلة ولكل من شاركوا فيها، وسط هذا الكمّ الهائل من الرداءة”.

ويرى الفنان التونسي أن كل عمل فني، خاصة الدرامي منه هو من وثائق الوطن وضمن الموروث الثقافي التونسي مهما كان، ويضيف “قد يأخذني حبي لتونس للقول بالتأكيد على دور ومهام لجان المراقبة المكلّفة والمسؤولة عن التمويل والدعم في كل ما يخصّ التمثيل انطلاقا من مسرح الطفل إلى الأعمال الموجهة إلى الكبار وصولا إلى السينما والتلفزيون”.

ومع ذلك يقرّ بأنه مهما اختلطت العناصر وتبعثر المشهد ونزل إلى الأسفل، فإن هناك أعمالا تشفع لنفسها وتفرض جودتها، وهي قليلة لكنها جادة، وهو يرجو أن تبحث مؤسسة التلفزيون التونسي في رفوفها وتكرّم الممثلين قبل وفاتهم، فالتأبينات التي تعمل على قدم وساق لا تُجدي نفعا بعد الرحيل.

وعن بروز عدد من الوجوه الشابة التي تربّعت على عرش الدراما التونسية وتكرّر ظهورها في أكثر من مناسبة حتى في تقديم البرامج التلفزيونية وغيرها، يقول ثابت “المسلسل التونسي كالتمثيل التونسي أصيب بالبروز السريع والنسيان الأسرع. هناك غياب للمعنى لأن الطرح في غالبه سطحي، وهنا أحمّل المسؤولية إلى الهايكا (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري) ووزارة الثقافة التونسية التي منحت الثقة لهؤلاء ولم تنظّم القطاع من بعض الدخلاء”.

ويضيف “التمثيل يتطلّب العمق، وهنا أذكر تجربة المسرحي الراحل علي بن عياد وجيله الذي قدّم أعمالا شدّت الرأي العام وأثرت فيه بجدية في فترة الستينات، وهذا هو دور الفن أولا وأساسا”.

اشتهر الفنان التونسي بلقاسم ثابت بالسلسلة الاجتماعية "سلوكيات" التي شدّت الأنظار من حيث الأداء ونقد بعض المظاهر السلبية في المجتمع التونسي

ويؤكّد ثابت أنه لا يُشير إلى عمل بعينه أو إلى أشخاص بالتحديد، بل إلى الفعل التمثيلي، حيث كل عمل يُشير إلى نفسه، معترفا بأنه لا يثق البتّة في ما يعتبره “سريع الظهور كثير الانتشار، سريع الانطفاء ثقيل الولوج إلى قلوب الناس”.

وشارك بلقاسم ثابت في العديد من المسلسلات التونسية الكوميدية منها والتراجيدية على غرار “الخطاب على الباب” و”تاكسي” و”يا هكا يا هكا” و”غادة” و”أقفاص بلا طيور” و”شورّب 2″، لتظل سلسلة “سلوكيات” أبرز ما قدّم في مسيرته الفنية التي امتدت زهاء ربع قرن والتي كانت من تأليفه وبطولته، ليعود أخيرا عبر سلسلة “علاش هكا؟”، أي لماذا؟ التي يعكس عنوانها، ربما، بشكل مبطّن ما عاشه الفنان من تهميش في العشريتين الأخيرتين بعد أن أُستبعد عن المشاركة في الأعمال الرمضانية، إلا في ما ندر، وعبر أدوار ثانوية لا غير.

16