بعد مائة يوم من تسلم مهامها: لا شيء يوحي بنجاح الحكومة التونسية

انقضت مئة يوم منذ تسلم حكومة هشام المشيشي التونسية لمهامها بعد منحها ثقة نواب البرلمان في مطلع سبتمبر الماضي، واصطدمت هذه الحكومة بأوضاع صعبة في مقدمتها الأزمة الصحية لجائحة كورونا والتأزم الاقتصادي والاجتماعي تبعا للصراعات والمناكفات، وتباينت آراء المتابعين في تقييم المرحلة، وسط دعوات للمطالبة بتنظيم حوار وطني شامل يشرّك مختلف الأطياف والمنظمات الوطنية الفاعلة بهدف الخروج من الأزمة.
تونس- بلغت حكومة هشام المشيشي “الفتيّة” والقاطعة مع نموذج المحاصصة الحزبية مئة يوم على استلام مهامها، وسط توجس أوساط سياسية وحقوقية تونسية من صعوبة المهمة التي أوكلت إليها في وضع مأزوم على جميع المستويات، ما دفع عدة أطراف بالبلاد إلى المطالبة بإقامة حوار وطني للإصلاح.
ودخلت حكومة هشام المشيشي المئة يوم الأولى منذ منحها الثقة أوائل سبتمبر الماضي، بعد صراعات سياسية واسعة.
ونال الفريق الحكومي الذي قام وزير الداخلية السابق (في عهد حكومة إلياس الفخفاخ) هشام المشيشي (46 عاما) بتشكيله من قضاة وأكاديميين وموظفين من القطاعين العام والخاص، ثقة 134 نائبا من أصل 217. وتتألف الحكومة الجديدة من 25 وزيرا بينهم ثماني نساء وثلاثة كتّاب دولة (وزراء دولة).
ويرى مراقبون أن حكومة المشيشي رافقتها مطبات عديدة، ولم تعالج الاضطرابات السياسية في تونس رغم أنها جنبت البلاد حل مجلس النواب وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة. وباتت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تؤرق التونسيين، في ظل غياب الإرادة السياسية الفاعلة لمعالجتها.
وأفاد الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، لطفي المرايحي، أن حكومة المشيشي يراها التونسيون اليوم بأمل ضعيف وخشية متنامية من المستقبل. وأضاف المرايحي في تصريح لـ”العرب”، “مع الأسف، هذه الحكومة لم تعبر عن أنها آتية بشيء ما مختلف عن تصريف الأعمال، وهي آتية بعيب كبير لا يتعلق بنوعية الأشخاص، بل لكونها صيغت خارج منطق النظام السياسي.. هذه الحكومة تفتقد لأدوات الفعل السياسي، وهي الآن أصبحت بين المطرقة والسندان، أي بين رئيس لا تتواصل معه كما ينبغي وبرلمان يقيّدها، وهي رهينة لضعفها السياسي”.
وتابع “هذه الحكومة لم تجد الآليات اللازمة للتشريع في المستوى الاقتصادي، وباستجابتها لمطالب التجزئة والخضوع لتنسيقية اعتصام الكامور جنوب البلاد، شجعت على بروز تنسيقيات أخرى، وأصبحت محل ليّ ذراع مع المحتجين.. وهي كذلك آتية دون تصور اقتصادي لمعالجة الأزمة”.
وتطرح صعوبة التحديات التي تواجهها حكومة المشيشي التساؤل حول حقيقة وجود الإرادة السياسية للإصلاح وإمكانية نجاح المشيشي وفريقه الحكومي في حلحلة الأزمات.
واعتبرت النائبة بالبرلمان، سهير العسكري، في تصريح لـ”العرب”، أن “تنامي عدد الاحتجاجات الشعبية في مختلف مناطق الجمهورية ومن مختلف الشرائح المهمشة، أكبر دليل على أن حكومة المشيشي فشلت فشلا ذريعا في إدارة الأزمات، وغياب التصور الاقتصادي وحل الإشكاليات الجهوية نتيجة سوء التفاوض مع محتجّي الكامور، فضلا عن أزمة القطاع الصحي”.
وأضافت العسكري “قانون المالية لسنة 2021 لم يأخذ بعين الاعتبار عدة مسائل وأسقط عدة فصول، وحيلة ‘التكنوقراط’ انطلت على الجميع، باعتبار الحزام السياسي للحكومة (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة)، علاوة عن غياب الحوار والانسجام مع مختلف الأطراف، والمشيشي لم يكن مجمّعا بقدر ما كان مفرّقا”.
وفي السياق ذاته، اعتقد النائب بالبرلمان عن الكتلة الديمقراطية، هشام العجبوني، في تصريح لـ”العرب”، “أننا خلال مئة يوم، لم نر كفاءات ولم نر إنجازات لحكومة سمّيت بحكومة كفاءات مستقلة، بل رأينا تخبطا وغيابا تاما للقيادة، والعديد من الأخطاء”.
وبرأي العجبوني، هناك “ترضيات لأطراف معينة على حساب أخرى مثلما رأينا في الكامور واحتجاجات القضاة حيث سرعان ما تمت الاستجابة لمطالبهم ببناء مستشفى لهم.. ولأول مرة قانون المالية التعديلي لسنة 2021 ضعيف جدا ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة.. وما زالت حكومةَ تصريف أعمال ومطافئ وليست لها رؤية”.
وبعد النجاح المؤقت والمثير للجدل في حلحلة ملف الكامور، وجدت الحكومة نفسها أمام احتجاجات شعبية واحتقان في عدد من المناطق، حيث انطلقت تحركات للمطالبة بتحسين الأوضاع التنموية وتوفير مواطن الشغل، في خطوة رآى مراقبون أن فيها استنساخا لتجربة ’’الكامور‘‘ في ولاية تطاوين.
ويعرف المشهد السياسي والبرلماني جملة من المناكفات والصراعات، وسط تقاطع المصالح والأهداف الحزبية التي “تتناحر” من أجلها الكتل والقيادات ضاربة عرض الحائط مشاغل التونسيين وانتظاراتهم. في المقابل، يحذر متابعون من انفجار اجتماعي بدأ يقترب ليعصف بالمنظومة الحالية بعد تسجيل مؤشرات سلبية في جميع الأصعدة والقطاعات.
في المقابل، تعددت الدعوات السياسية المطالبة بتنظيم حوار وطني شامل يشرّك مختلف الأطراف الفاعلة بهدف الخروج من عنق الزجاجة الذي يخنق الجميع. وعلى الرغم من تنوع المبادرات لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، إلا أن كثيرين يرون أنها لن تأتي بالجديد وستعيد إنتاج نفس النموذج السياسي.
ويطرح تنوع المقترحات الرامية إلى تأسيس مؤتمر وطني للإنقاذ، على حساب مبادرة وطنية جامعة لغايات الاستثمار الحزبي والسياسي، مدى جدية الحوار المرتقب والهدف من تنظيمه، وإذا ما كان سيفرز واقعا جديدا يتطلع إليه التونسيون.
وكشف أمين عام حزب التيار الشعبي، زهير حمدي، الاثنين، عن بدء نقاشات ومشاورات مع أحزاب تقدمية ومنظمات وجمعيات وخبراء في شتى المجالات من أجل تأسيس كتلة شعبية وطنية سيادية بهدف الحسم مع المنظومة الحالية وخياراتها مع التغيير على المستوى السياسي والاقتصادي، من ذلك حلّ البرلمان وتشكيل حكومة انتقالية تنفذ إجراءات سيادية لإنقاذ البلاد.
وسبق أن قدّمت بعض الأحزاب والشخصيات الوطنية، مبادرات تهدف إلى تنظيم حوار وطني للتغيير، على غرار حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان أحد أهم أطراف الحوار الوطني الذي عرفته البلاد في سنة 2013.
ويرى مراقبون أن دعوات حل البرلمان وتنظيم مؤتمر وطني أشبه بـ”الركض في الماء”، نظرا لغياب التصورات والرؤى الواضحة لعناصر “متناحرة”، فضلا عن عدم توفر آليات ووسائل مناسبة لتنفيذ مخرجات الحوار.
وأفادت المحللة السياسية، فاطمة كرّاي، أن “المنظومة السياسية الحالية غير قادرة على الإصلاح والتغيير”. وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “الأَولى أن يتم إصلاح المؤسسات.. كنت أفضل أن يكون هذا الجدال حول استكمال تأسيس الهيئات على غرار المحكمة الدستورية، والمشهد أفرز هواةً أسسوا دستورا يعتمد نظام الكتل البرلمانية”.
وتتعاضم بوادر فشل الحوار الوطني قبل أن يبدأ فعليا، وبرأي فاطمة كراي “كل طرف يرى الحوار من زاويته”، متسائلة “لماذا أصررتم على أن تونس في حاجة إلى حوار اقتصادي قبل الخروج من السلطة؟ ولماذا تريد أن تكون حركة النهضة حزاما سياسيا للحكومة قبل أن يكون لها حزام حقيقي؟”.
وتابعت “ليس هناك نوايا للتجميع، وما يقع حاليا في البرلمان تحويل وجهة للقضايا الأساسية، ولا أحد يملك تصورا للحكم ولا للخروج من الأزمة، حل المجلس اليوم والحوار ليس لهما أي علاقة بالواقع”.
وتزعم أطراف بعينها أنه لا مخرج من هذا الوضع إلا بتنظيم حوار وطني، رغم المشاحنات و”الأحقاد الأيديولوجية”، وهو ما يراه كثيرون صعب المنال. ولئن كان الحوار الوطني وحل البرلمان خطوتين نحو إصلاح منظومة كثيرا ما وصفت بالفشل، فإن الأوساط التونسية تتساءل اليوم عن الجدوى من تنظيم الحوار وماذا يمكن أن يضيف.
تطرح صعوبة التحديات التي تواجهها حكومة المشيشي التساؤل حول حقيقة وجود الإرادة السياسية للإصلاح وإمكانية نجاحها في حلحلة الأزمات
وقال أمين عام حركة تونس إلى الأمام، عبيد البريكي، في تصريح لـ”العرب”، إن “المرحلة التي أدركتها تونس تؤكد أن هذه المنظومة فشلت فشلا ذريعا في إدارة شؤون البلاد، وهي المنظومة التي قادتها حركة النهضة بشكل متستّر وآخر قيادي”.
وأضاف البريكي “مؤشرات اليوم تؤكد التقاء من حكموا قبل 2011 وحركة النهضة، وفشلت هذه المنظومة رغم محاولات إنقاذها في كل مرة، والحوار الذي عقد في 2013 كان يحمل حلا سياسيا.. وحوار اليوم لن ينجح”.
وأكد أن “هذا الحوار تسعى من خلاله النهضة إلى إنقاذ نفسها ومحاولة توريط الآخرين بتمديد أنفاسها في الحكم، لقد آن الأوان لإسقاط المنظومة والشارع هو من سيسقطها”.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) قد قاد رفقة ثلاث منظمات وطنية تونس سنة 2013 إلى لخروج من الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد، لكن متابعين يرون أن الوضع السياسي الحالي مختلف عمّا كان عليه في تلك الفترة.