الوعود لم تعد تكفي لمنع القطيعة بين الدبيبة وبرقة

سعى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا عبدالحميد الدبيبة مساء الثلاثاء في كلمة له لتهدئة التوتر الحاصل مع إقليم برقة الواقع شرق البلاد عبر تقديم عدة وعود، في خطوة ترى أوساط ليبية أنها لا تفي بالغرض خاصة أن أهالي الإقليم يريدون أفعالا خصوصا في ما يتعلق بالتوزيع العادل للثروات وصرف مستحقات إقليمهم.
تونس - أطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا عبدالحميد الدبيبة عدة وعود موجهة إلى إقليم برقة في كلمة أدلى بها مساء الثلاثاء بدت وكأنها محاولة لمنع حدوث قطيعة نهائية مع الإقليم الذي صعد مؤخرا من نبرته تجاه السلطات في طرابلس، رافعا العديد من المطالب المتعلقة أساسا بتوزيع عادل للثروات ومنح الإقليم حقوقه.
وتصاعد في الأيام الماضية غضب برقة إزاء حكومة الوحدة الوطنية ما حتم على الدبيبة التحرك، خاصة أن ذلك لم يقتصر على مكونات الإقليم بل شمل كذلك ممثليه في الحكومة الذين لم يترددوا في توجيه العديد من الاتهامات للحكومة بشأن حقوق الإقليم الذي يقع شرق البلاد.
وسارع الدبيبة بعد ذلك إلى استقبال وفد عن أعيان برقة في محاولة لتدارك الموقف ومواصلة مساعي الانفتاح على الإقليم لتهدئة التوتر القائم معه والذي قد يأخذ منحى سياسيا وهو ما لم ينكره الدبيبة خاصة أن علاقة الأخير مع رئيس البرلمان عقيلة صالح متوترة.
ويتحدر صالح من قبيلة العبيدات التي تُعد من أبرز قبائل الشرق الليبي وهو معطى قد ينعكس على علاقة الدبيبة ببرقة، خاصة أن أبناء الإقليم يقاتلون في صفوف الجيش الوطني الذي يحاول الدبيبة الضغط عليه بشتى الطرق.
فبعد عدم تخصيصه ميزانية للجيش طالب الدبيبة في وقت سابق وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش بتقديم شكوى ضد قائده المشير خليفة حفتر لدى القضاء الأميركي، في خطوة رأى فيها مراقبون دفعا نحو تأزم العلاقة أكثر ليس فقط بين الدبيبة وحفتر بل أيضا بينه وبين برقة وأبنائها.
وقال الدبيبة في كلمته التي أدلى بها من العاصمة طرابلس إن "الصراع سياسي بحت وليس جهويا، لم أكن جهويا ولن أكون جهويا، لن أقبل بتقسيم ليبيا، أو التفرقة بين الليبيين، حكومتي اسمها الوحدة الوطنية ولذلك فهي في خدمة كل الليبيين".
وأعطت كلمة الدبيبة انطباعا بأنه لا يزال يحاول الانفتاح على برقة لمنع حدوث قطيعة مع الإقليم على عكس ما حدث مع رئيس حكومة الوفاق السابقة فايز السراج.

ومنذ توليه وفريقه السلطة اتخذ رئيس حكومة الوحدة الوطنية خطوات نحو إقليم برقة لكسب وده.
وشدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية على أنه “تم تخصيص 80 مليونا و500 ألف دينار لاستكمال مشروعات الحكومة المؤقتة السابقة في المنطقة الشرقية”، مشيرا إلى تخصيص 300 مليون دينار لمشروعات الإسكان بطبرق.
وشرح الدبيبة بالتفصيل ما منحته حكومته لصالح الإقليم قائلا إن “75 في المئة من المؤسسات النفطية يديرها مدراء من المنطقة الشرقية، و45 في المئة من مشروعات جهاز المواصلات تحصلت عليها المنطقة الشرقية".
واعتبر النائب بالبرلمان الليبي علي التكبالي أن “الدبيبة جاء على أساس أنه رئيس حكومة وحدة وطنية وأنه سيلم الشمل ويوحد المؤسسات، لكن الليبيين يرون أن ما يقوله لا يفعله فالمؤسسات لم تتوحد بعد والسلطة كلها لا تزال في إقليم طرابلس والأمر لا يسير وفق ما يريد هؤلاء ويتكلم بالوعود والمال فقط، سأعطيكم سأعطيكم هذا ما يقوم به الدبيبة”.
وترى أوساط سياسية ليبية أن الدبيبة لن ينجح في تهدئة التوتر مع إقليم برقة طالما اقتصرت تحركاته على إطلاق الوعود فقط دون أن يخطو خطوات فعلية لتحقيق مطالب أهالي المنطقة الشرقية.
وتابع التكبالي في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة أكبر من ذلك، الدبيبة يساهم في احتقان المشهد، عليه أن ينفذ قبل أن يعطي وعدا لكن طريقة تصرفه كانت سيئة وآلمت الناس في برقة لأن كل شيء يستحوذ به إقليم طرابلس الذي يرى بدوره أن كل شيء يستأثر به برقة وفزان في الجنوب وفي المقابل لا يزال يعاني التهميش".
واستنتج أن “الدبيبة عليه أن ينفذ مشاريع وأشياء قبل أن يوعد، الوعود لا تكفي أهالي برقة".
وتتكون ليبيا من ثلاثة أقاليم تاريخية وهي طرابلس وبرقة وفزان، ويراعي توزيع المناصب القيادية والسيادية هذا التقسيم وفقا لما تم التوافق عليه خلال جلسات ملتقى الحوار الليبي التي انعقدت في جنيف السويسرية.
وبدا لافتا مؤخرا التصعيد الذي قام به نائب الدبيبة الأول في برقة حسن القطراني الذي وجه أمرا لوزراء الإقليم بعدم تنفيذ أي قرارات صادرة عن رئيس الحكومة في الشرق إلا بعد الرجوع إليه.
واتهم القطراني الأحد الدبيبة بتجاهل حقوق ومطالب برقة قبل أن يعقد أعيان ومشائخ الإقليم اجتماعا في ملعب شهداء بنينا طالبوا خلاله بالعدالة في توزيع الثروات على جميع الأقاليم.
أوساط سياسية ليبية ترى أن الدبيبة لن ينجح في تهدئة التوتر مع إقليم برقة طالما اقتصرت تحركاته على إطلاق الوعود فقط دون أن يخطو خطوات فعلية لتحقيق مطالب أهالي المنطقة الشرقية
وأكد هؤلاء أنهم ليسوا دعاة انفصال ولا تقسيم مطالبين في البيان الختامي لاجتماعهم “بضرورة صرف كافة المرتبات لكافة القطاعات والشركات وإعادة فتح المقاصة، وعودة جميع المؤسسات والإدارات التي أسست في برقة وتم نقلها إلى طرابلس عنوة".
ويعكس هذا التوتر فشل الدبيبة حتى الآن في التقرب من إقليم برقة، الذي يتجاوز عدد سكانه المليون ونصف المليون ساكن وتحده مصر من الشرق والبحر المتوسط من الشمال، رغم محاولاته العديدة.
وفي مايو الماضي أعلن مجلس الوزراء برئاسة الدبيبة إنشاء صندوق سيادي بذمة مالية مستقلة تبلغ نحو 335 مليون دولار أميركي لإعادة بناء مدينتي بنغازي التي تعد أكبر مدن الشرق ودرنة.
لكن مثل هذه المحاولات كانت أيضا بالتوازي مع أخطاء أثارت حفيظة الشرق الليبي إزاء الدبيبة على غرار زلة اللسان عندما تحدث عن “عودة بنغازي إلى حضن الوطن” قبل أن يقدم اعتذارا رسميا عن تصريحه المذكور.