النهضة متوجسة من عدم إقرار قانون المحكمة الدستورية

حذّرت قيادات من حركة النهضة، من تداعيات رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد التوقيع على تعديل القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، في خطوة استباقية تهدف حسب مراقبين إلى دفعه نحو تغيير موقفه الدستوري من المسألة التي زادت من حدة الأزمة السياسية بالبلاد.
تونس- أرغم توجه الرئيس التونسي قيس سعيد إلى رفض ختم تعديلات القانون الأساسي للمحكمة الدستورية المعطلة منذ 2015 حركة النهضة الإسلامية إلى حالة من الاستنفار في محاولة لدفعه إلى تغيير موقفه من الملف الذي قد يعمق الأزمة السياسية.
وأعادت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية إلى الرئيس قيس سعيد، لعدم توافر “الأغلبية المطلوبة” لاتخاذ قرار بشأنه.
وأجرت الهيئة تصويتا بشأن إن كان مشروع تعديل القانون يتفق مع الدستور أم لا، لكن القرار لم يحصل على أغلبية 4 من أعضائها الستة.
وقال كاتب عام الهيئة حيدر بن عمر “الأغلبية المطلوبة لم تكن متوفرة للفصل في مشروع تعديل القانون، إذ يلزم الحصول على أغلبية أعضاء الهيئة البالغ عددهم 6، ما استدعى الرد إلى الرئيس قيس سعيّد وفقا لقانون الهيئة”.

محمد صالح العبيدي: النهضة تعتمد سياسة العصا والجزرة في التعامل مع خصومها
وتُرجّح أوساط سياسية وقانونية أن يرفض الرئيس سعيد المشروع بعد استنفار حركة النهضة الإسلامية التي تقود جهود تعديل القانون الأساسي للمحكمة وهو ما استدعى خروج قياداتها بأكثر من خطاب في محاولة لتكريس ضغوط على الرئيس التونسي الذي من المفترض أن تنتهي المهلة الدستورية لإمضائه التعديلات الأحد.
وقال الباحث في القانون الدستوري والنيابي رابح الخرايفي، إن “الرئيس قيس سعيد يتجه إلى رفض التعديلات التي تم المصادقة عليها في البرلمان مرتين وهو ما يخوله له الدستور، الرئيس غير ملزم بختم تلك التعديلات لتدخل حيز التنفيذ”.
وأضاف الخرايفي في تصريح لـ”العرب”، “الرئيس أمام خيارين إما إمضاء تلك التعديلات أو رفض ذلك وبالتالي مصير تلك التعديلات هو الإهمال ويبقى بذلك قانون عدد 50 لسنة 2015 المنظم للمحكمة الدستورية. لا يوجد مشكل كما يروج البعض، هناك قانون للمحكمة الدستورية”.
وتابع “الرئيس سعيّد هو الوحيد الذي له الحق في تأويل الدستور، وفقا للفصل 72 وهي القراءة والتأويل الوحيد والرسمي للدستور في البلاد، وهو يكرس بهذا السلوك حق الاعتراض وهو حق جديد”.
وكانت حركة النهضة الإسلامية قد وجهت العديد من الرسائل على لسان قياداتها في محاولة للضغط على ما يبدو على الرئيس سعيّد من أجل المضي في ختم تلك التعديلات لتدخل حيّز التنفيذ بما يمكنها من إرساء المحكمة الدستورية بعد سنوات من التعطيل.
وبدا واضحا أن حركة النهضة باتت تنتهج سلوكا اتصاليا مثيرا للجدل وهو سلوك يتبنى ازدواجية الخطاب.
ففيما دعا وزير الصحة الأسبق والقيادي بالحركة عبداللطيف المكي، الرئيس سعيّد إلى “منعطف حاسم” يُفضي إلى “المصالحة” من خلال إمضاء تلك التعديلات، حذر مقرر الدستور الحبيب خضر من إمكانية عدم ختم الرئيس للتعديلات، معتبرا أن هذه الخطوة تكرس “دولة اللاقانون”.
وقال المكي في رسالة مفتوحة وجهها إلى الرئيس سعيّد، “لا أعتقد أنه يرضيك أو ترتاح لما آلت إليه الأمور في بلادنا وأنتم المسؤول الأول على تجميع كلمة التونسيين حول المشتركات الوطنية حتى وإن اختلفوا فمسؤوليتكم الأولى هي المحافظة على حبل التواصل والحيلولة دون الانزلاق إلى القطيعة وخطابها ومناخاتها”.
وأضاف المكي ”إن في شخصكم تمثل شخصيتان، شخصكم الكريم أستاذ القانون الدستوري وشخص رئيس الجمهورية المطالب بالمحافظة على الدستور”.
في المقابل، استبقت قيادات من الحركة قرار الرئيس سعيّد بإمضاء التعديلات أو الامتناع عن ذلك باتهامه بخرق الدستور وتحذيره من الاستمرار في ذلك.
وقال مقرر الدستور والقيادي بحركة النهضة الحبيب خضر إن “الرئيس سعيد ملزم الآن بختم التعديلات، وكل خيار بخلاف ذلك يمثل تكريسا للاقانون ومواصلة في خرق الدستور”.
ويرى مراقبون أن ازدواجية الخطاب التي باتت النهضة تتبناها، يعود إلى غياب خيارات لدى الحركة وحلفائها في ظل غياب المحكمة الدستورية التي من الممكن أن تحسم هذا الجدل.

رابح الخرايفي: الرئيس سعيد يتجه إلى رفض التعديلات وهو غير ملزم دستوريا بإمضائها
وقال الخرايفي إنه “ليس لدى الغالبية البرلمانية التي تقودها النهضة أي خيار الآن، ما بقي لهذه الأغلبية التي تصعد إلا أن تبدأ إجراءات عزل الرئيس وهذا ممكن حتى في غياب المحكمة الدستورية، العزل فيه مرحلتان، مرحلة البرلمان ومرحلة المحكمة الدستورية ليبدأ هؤلاء مرحلة البرلمان إذا كانت لهم شجاعة كافية ليحققوا بذلك على الأقل الطعن في شرعية ومشروعية الرئيس لكنهم لا يقدرون”.
ولكن المحلل السياسي محمد صالح العبيدي لا يساير الخرايفي في رأيه، وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الأزمة بلغت ذروتها، البلاد في شبه عطالة والحل الوحيد يبقى في الجلوس على طاولة الحوار لاتخاذ إجراءات قادرة على كسر الجمود السياسي ثم البحث عن تغيير حقيقي من خلال إجراءات أخرى مثل تغيير نظام الحكم”.
وأضاف العبيدي أن “ازدواجية خطاب حركة النهضة يعود إلى اعتمادها سياسة العصا والجزرة، فالحركة خلقت فريقين داخلها؛ واحد يصعّد مع الخصوم تمثله شخصيات مثل رفيق عبدالسلام وغيره والآخر يحاول التهدئة مع هؤلاء ويمثله سمير ديلو والمكي وغيرهما”.
وكانت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين قد تلقت في 8 مايو الجاري عريضة في الطعن في دستورية مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 المتعلق بالمحكمة الدستورية، من قبل أكثر من 30 نائبا، أغلبهم من الكتلة الديمقراطية ومن غير المنتمين.
وينصّ قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين على أنّ الهيئة تنظر في دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو من رئيس الحكومة أو من ثلاثين نائبا على الأقل، يرفع إليها في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ مصادقة المجلس على مشروع القانون المطعون فيه أو المطعون في أحد أحكامه، وأنّ الطعون ترفع بعريضة كتابية تودع لدى كتابة الهيئة.
وفي الثالث من أبريل الماضي، رفض سعيّد المصادقة على تعديل القانون، ورده إلى البرلمان من أجل قراءة ثانية.
وبرر سعيّد رده للقانون بانتهاء آجال انتخاب أعضاء المحكمة، حيث تنص الفقرة الخامسة من الفصل 148 بالدستور على اختيارهم في أجل أقصاه سنة بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في أكتوبر 2019.
الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أعادت مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية إلى الرئيس قيس سعيد لعدم توافر “الأغلبية المطلوبة” لاتخاذ قرار بشأنه
ومجددا، أقر البرلمان المشروع في 4 مايو الماضي بالتعديلات نفسها، وهي تجيز للمجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية اختيار 8 من أعضاء المحكمة دون انتظار استكمال البرلمان لانتخاب 3 أعضاء من أصل 4 ينتخبهم.
وتضم المحكمة 12 عضوا، 4 منهم ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم المجلس الأعلى للقضاء (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.