النهضة تمضي في تمرير تعديلات القانون الانتخابي لتثبيت سيطرتها على البرلمان

تدفع حركة النهضة الإسلامية في تونس إلى المصادقة على تعديلات للقانون الانتخابي في البرلمان لتوجّه إلى خصومها رسالة مفادها أنها تسيطر على البرلمان فعليا وأيضا لتصعيد الخلاف مع الرئيس قيس سعيد من خلال محاولة تحجيم صلاحياته، مستفيدة في ذلك من بوادر تصدع الحزام السياسي الداعم له.
تونس - لم يمنع إخفاق حركة النهضة الإسلامية بتونس في فرض العديد من أجنداتها، على غرار تركيز المحكمة الدستورية وتمرير التعديل الوزاري، من مواصلة العمل على تمرير تعديلات القانون الانتخابي رغم المخاطر التي تُهدد دخولها حيز التنفيذ إذ قد يرفضها الرئيس قيس سعيد في حال النجاح في المصادقة عليها.
وبدا واضحا أن الحركة بصدد استثمار تباطؤ الرئيس سعيد في التقدم بمبادرات إلى البرلمان، وكذلك استغلال بوادر تفكك الحزام الداعم للرئيس على خلفية الانقسامات التي يعرفها حزب التيار الديمقراطي، للمضي قدما في المصادقة على هذه التعديلات لتضع جميع خصومها أمام حقيقة سيطرتها على المجلس النيابي.
وقال النائب عن حركة النهضة الإسلامية ناجي الجمل إن البرلمان سيصادق في بحر هذا الأسبوع على فصول تعديل القانون الانتخابي الذي يدور بشأنه جدل منذ فترة لاسيما بعد ما أفرزته انتخابات 2019 من نتائج أفضت إلى مجلس نواب فسيفسائي ومنقسم على نفسه.
وأضاف الجمل، الذي يرأس لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والانتخابية، في تصريحات لصحيفة محلية أن “اللجنة ستواصل الأسبوع المقبل مناقشة الفصول الواردة في المبادرات التشريعية لتعديل القانون الانتخابي والتصويت عليها فصلا فصلا، حيث ستعقد اللجنة وفق الرزنامة التي وضعتها 3 جلسات”.
وتقود حركة النهضة الإسلامية جهود تعديل القانون الانتخابي، وهي جهود لم تخلُ من محاولات لاستهداف خصومها في المحطات الانتخابية المقبلة حيث تعمل الحركة على تحجيم صلاحيات الرئيس قيس سعيد المتعلقة بالدعوة إلى الانتخابات، علاوة على التركيز على إمكانية منع خصوم آخرين، على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض عبير موسي، من الترشح في الاستحقاقات المقبلة.
وترى جهات سياسية في تونس أن النهضة تريد من خلال هذه التحركات أن تبعث رسالة مفادها أنها تسيطر فعليا على البرلمان وتمرر ما تريده هي من مشاريع قوانين.
وقال النائب البرلماني حاتم المليكي إن “حركة النهضة مصرة على تمرير التعديلات على القانون الانتخابي دون أن تثير ضجة إعلامية، وفي ذلك رسالة واضحة تفيد بأنها تسيطر على البرلمان؛ حركة النهضة عندما تريد تعطيل البرلمان تعطله لأي سبب من أجل التصويت عن بعد مثلا، وهي تريد أن تثبت للجميع أنها تسيطر على المجلس”.
وأضاف المليكي في تصريح لـ”العرب” أن “هدف النهضة التالي من هذه التعديلات هو خلق مسارات متعددة بشأن مسألة واحدة وهي العملية السياسية. حركة النهضة طرحت منذ فترة تعديل القانون الانتخابي لكن المشكلة تكمن في تفريق الحركة للمسارات من أجل الحصول على مكاسب لأن العملية السياسية والانتخابية تستوجب العديد من التشريعات الأخرى على غرار قانون الأحزاب وقانون الجمعيات وغيرهما”.
وأوضح “إلى جانب ذلك كان من المفروض أن يُعدل النظام السياسي قبل أن نتطرق إلى النظام الانتخابي والاقتراع لأن ذلك ليس إلا أداة؛ فالنهضة تريد فصل مراجعة القانون الانتخابي عن مراجعة نظام الحكم الذي تتمسك به (شبه برلماني)”.
ولا يتوقع متابعون للشأن السياسي في تونس أن يمضي الرئيس سعيد على هذه التعديلات إذا نجحت حركة النهضة الإسلامية في تمريرها خاصة أنها تُهدد صلاحياته بما يمنع دخولها حيز التنفيذ.
وقال المحلل السياسي خليل الرقيق إن “تضمن نقطة تحويل وجهة الدعوة للانتخاب من الرئيس إلى جهة أخرى وحده كفيل بجعلنا نعرف النوايا، لذلك لا أعتقد أن الرئيس سعيد سيختم هذه القوانين، إنها مواصلة من النهضة في معركة كسر العظام مع رئيس الجمهورية ومحاولة قضم صلاحياته”.
وتابع الرقيق في حديث مع “العرب” أن “النهضة لا تزال تنظر بعدم الرضا إلى الرئيس سعيد الذي تعتقد أنه يمتلك قوة تعطيلية لكل مشاريعها السلطوية”.
ومن بين الفصول المثيرة للجدل التي تقدمت حركة النهضة الإسلامية بمقترح لتعديلها الفصل 101 الذي يتعلق بدعوة الناخبين إلى الاقتراع.
وفيما كان هذا الفصل ينص على أن تلك الدعوة يتمتع بها رئيس الجمهورية فإن الحركة الإسلامية تريد تحويل تلك الصلاحية ومنحها لرئاسة الحكومة، وهي خطوة يُجمع مراقبون على أنها تستهدف تقليص صلاحيات الرئيس سعيد الذي يخوض صراعا مع حركة النهضة الإسلامية ورئيسها الذي يرأس البرلمان راشد الغنوشي.
وفيما تسلط هذه المستجدات الضوء مجددا على سعي النهضة إلى التصعيد مع الرئيس سعيد فإنها تطرح في المقابل أكثر من تساؤل عن أداء الأخير وحزامه الداعم له والذي يشهد بوادر تفكك.
ويعرف التيار الديمقراطي، وهو حليف حركة الشعب (قومي) التي هي من أبرز الداعمين للرئيس سعيد، خلافات داخلية متفاقمة حيث دعا الحزب رئيس كتلته البرلمانية محمد عمار إلى الانسحاب من رئاسة الكتلة.
واعتبر خليل الرقيق أن التيار الديمقراطي يعرف انشقاقات داخلية بين تيارين: الأول يريد استكمال التحالف مع الرئيس سعيد ومساندته والثاني يسعى إلى فرض الاصطفاف وراء حركة النهضة، موضحا “هناك شق لا يزال متمسكا بروحية 14 يناير (الانتفاضة) ويعتبر أن النهضة قوة ثورية بينما الشق الآخر معروف بلهجته الحادة إزاء النهضة وأبرز عناصره محمد عمار والقيادية سامية عبو”.