النفوذ السياسي لقنوات تونسية غير قانونية يبقيها دون محاسبة

المؤسسات الإعلامية التونسية المخالفة ترفض تسوية وضعياتها القانونية حيث تصر على البقاء في دائرة الغموض لارتباطها بأحزاب سياسية نافذة في السلطة.
الخميس 2021/03/25
البث غير القانوني مستمر

تؤكد الهيئات المشرفة على قطاع الإعلام في تونس أنها غير قادرة على تطبيق القانون على مؤسسات إعلامية تصنفها غير قانونية، بسبب ارتباط هذه المنابر بأحزاب سياسية نافذة في السلطة، تستغلها لتحقيق أهداف حزبية ضيقة.

تونس- طالبت الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري “الهايكا” في تونس بالنظر في ملفات قنوات تلفزيونية وإذاعية اعتبرتها “خارجة عن القانون” وتستقوي بأحزاب تشكل الحزام السياسي للحكومة، على غرار حركة النهضة وقلب تونس، وتواصل رفض تسوية وضعياتها القانونية.

وأكد رئيس الهيئة نوري اللجمي أن الهايكا تواجه صعوبات كبيرة في مسألة إنفاذ القانون المتعلق بالقنوات الإعلامية غير القانونية.

وأفاد اللجمي في تصريح لـ”العرب” بأن “الهايكا تقوم بالإجراءات القانونية اللازمة في كل مرة، لكن للأسف سرعان ما تعود هذه المؤسسات إلى النشاط مجددا، لأنها مسنودة من أحزاب سياسية في السلطة على غرار قناتي نسمة والزيتونة”.

طارق الكحلاوي: المشهد الإعلامي مخترق من أحزاب في السلطة

وتابع “هناك حالة من اللامبالاة من قبل هذه المؤسسات وتعود إلى البث بطريقة غير قانونية، لأن المشرفين عليها يدركون أنه لا يوجد عقاب، وهذا يتطلب تدخل مختلف مؤسسات الدولة، والهيئة وحدها غير قادرة على التصدي لهذه المسألة”.

وأشار اللجمي إلى “إصرار إذاعة القرآن الكريم على البث دون ترخيص رغم أن الهيئة وجهت دعوات متكررة إلى هذه القنوات تطالبها فيها بتسوية وضعياتها وعدم مواصلة تمردها على القانون”، لافتا النظر إلى “تحول هذه القنوات إلى منصات اتصالية لأصحابها ولأحزاب وشخصيات سياسية علاوة على التجاوزات وعدم توفر الإرادة السياسية”.

وتتهم أحزاب النهضة وقلب تونس باستغلال المنابر الإعلامية واستخدامها لأغراض سياسية، في وقت تقول فيه الهايكا إن هذه القنوات ترفض تسوية وضعياتها ولا تحترم كراس الشروط، ما يستدعي وضع حد لهذه الخروقات.

وقال  اللجمي “إن وفدا من الهايكا التقى الرئيس قيس سعيد الاثنين بخصوص فكرة إعداد تقرير حول التجاوزات القانونية لهذه القنوات وستتم متابعته من قبل الرئيس”.

واستنكر رئيس الهايكا غياب الإرادة السياسية اللازمة لإيجاد حلول لهذه التجاوزات من قبل مؤسسات الدولة والسلطة التنفيذية، قائلا “يجب التنسيق والتشاور حول المسألة، راسلنا رئيس الحكومة هشام المشيشي في عدة مناسبات للتشاور بشأن الموضوع منذ توليه منصبه، لكنه لم يردّ وتجاهل المسألة”.

وأشار اللجمي إلى “المماطلة السياسية في التعاطي مع القنوات الإعلامية المصادرة والمتمثلة في إذاعة شمس أف.أم وإذاعة الزيتونة، حيث بقي هذان الملفان يراوحان مكانهما رغم مساعي الهيئة مع الحكومات المتعاقبة لضمان شفافية بيع ‘شمس أف.أم’ للقطاع الخاص وضم إذاعة الزيتونة إلى الإذاعات العمومية”.

ويرى اللجمي أن الحكومات المتعاقبة انتهجت سياسة الهروب إلى الأمام واعتماد تعيينات تخضع لمعايير غير موضوعية ساهمت في المزيد من تأزم الوضع داخل هذه المؤسسات.

وترفض المؤسسات الإعلامية المخالفة تسوية وضعياتها القانونية وتتنصل من مسؤولية تغيير صبغتها، فتصر على البقاء في دائرة الغموض وضبابية الرؤية لارتباطها بأحزاب سياسية نافذة في السلطة.

باسل الترجمان: القنوات المخالفة تحرص على إبقاء مصادر تمويلها سرية

وعقد البرلمان التونسي الجمعة جلسة عامة للحوار مع وفد عن الهايكا. وقال اللجمي إن “المشهد الإعلامي يضم حاليا 63 مؤسسة سمعية وبصرية تتوزّع على 8 قنوات تلفزيونية خاصة وقناتين عموميتين و18 إذاعة خاصة و11 عمومية و22 إذاعة جمعياتية”.

واعتبر أن المشهد السمعي البصري يعرف إشكاليات متراكمة وعالقة تحوّلت تدريجيّا إلى خطر جدي على مسار الانتقال الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة.

كما أشار إلى وجود ثلاث قنوات تلفزيونية تعمل بصفة غير قانونية شأنها شأن إذاعة خاصة وتعمل جميعها دون ترخيص، وقد تم قبل يومين حجز معدات البث الخاصة بإذاعة كان مالكها من بين النواب الحاضرين في جلسة الحوار، وهو سعيد الجزيري صاحب إذاعة القرآن الكريم، رغم أن الهيئة سعت منذ تركيزها إلى تبسيط كراس الشروط للحصول على تراخيص وإجازات بثّ لوسائل الإعلام السمعي البصري.

وقال إن “القنوات غير القانونية تمثل ملفا شائكا عملت الهيئة منذ سنوات على إيجاد حل له. لكن تلك القنوات، وهي قنوات نسمة والزيتونة وحنبعل، رفضت تسوية وضعيتها وواصلت عملية البث دون ترخيص من الهيئة، وهو نفس الحال بالنسبة إلى إذاعة القرآن الكريم التي تواصل البث دون ترخيص رغم الدعوات المتكررة من قبل الهيئة إلى التوقف عن البث ورغم مساعي الهيئة السابقة في محاولة لدفعها إلى تسوية وضعيتها والخضوع للقوانين الجاري بها العمل”.

بدوره قال عضو الهايكا هشام السنوسي إن “قناة الزيتونة تصرف شهريا 300 ألف دينار وليست لديها تحويلات بنكية بطريقة قانونية”، مؤكدا أن “مصدر هذه المعلومات هو البنك المركزي”.

ويطرح رفض المؤسسات الإعلامية المنضوية تحت الأجندات الحزبية تسوية وضعياتها القانونية تداخل الجانبين السياسي والإعلامي، ما قد يعكس اختراقا ممنهجا للمشهد ويهدد حرية الصحافة والتعبير المكفولة دستوريا.

وأكد طارق الكحلاوي الناشط السياسي والمدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية وجود مشكلة كبيرة، قائلا إن “المشهد الإعلامي مخترق من أحزاب في السلطة بالإضافة إلى الاستقواء على الهايكا، وهذا الوضع لا يمكن أن يتواصل”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” “هناك قنوات تلفزيونية على غرار قناة نسمة الخاصة تحرض بشكل يومي على القضاء، إثر سجن صاحبها  نبيل القروي”.

نوري اللجمي: القنوات غير القانونية تمثل ملفا شائكا منذ سنوات

ودعا الكحلاوي إلى “ضرورة إحداث هيئة دستورية بشكل توافقي في أقرب الآجال وبأغلبية الثلثين لخلق إطارات حرة قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة والعادلة”.

وذهب مراقبون إلى أن تشبث هذه القنوات بصيغها غير القانونية سببه المخاوف المتزايدة من انكشاف مصادر تمويلها المشبوهة وأجنداتها الداخلية والخارجية.

واعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أن “الوضع ليس بجديد باعتبار أن هذه القنوات غير قانونية وتستقوي بالسند الحزبي، وجل تمويلاتها مشبوهة، ما يضع تساؤلا في العمق حول مصادر التمويل، ونبيل القروي مالك قناة نسمة الآن في السجن جراء شبهة تبييض الأموال”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” “الهايكا لا تملك وسائل لإنفاذ القانون وهناك من يمنع استعمال حلّ القوة العامة، لأن هذه القنوات إذا تم توضيح نقاط وضعيتها ستتم معرفة من يقف وراءها، وتريد أن تبقى غامضة”. وانتقدت شخصيات سياسية خلال الجلسة المؤسسات الإعلامية التي تعمل خارج إطار القانون وتحوّلها إلى أداة ضغط وتوجيه سياسي.

وقالت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو “جلّ من يسائل الهايكا في هذا المجلس معنيّ بتضارب المصالح، والمجلس أصبح معقلا للمؤسسات الإعلامية المارقة، وهناك قناة باعثها في السجن بتهمة التهرب الضريبي يصبح فجأة سجينا سياسيا وتتحول القناة إلى أداة للضغط على القضاء وتصفية الحسابات السياسية”، في إشارة إلى القروي صاحب قناة نسمة ورئيس حزب قلب تونس.

ودعا النائب مصطفى بن أحمد عن كتلة تحيا تونس إلى “ضرورة التعديل حماية للمشروع الوطني المؤتمن على مشروع الانتقال الديمقراطي”، مؤكّدا “وجود قنوات تعمل على تغذية العنف والطائفيّة والكراهية وأضرّت بأهداف الانتقال وبالتعبئة الاجتماعيّة”. وشدد على ضرورة التفكير بعمق في إصلاح قطاع الإعلام السمعي والبصري وتكريس حرية الإعلام في تونس بعيدا عن وضع اليد على الإعلام .

 ومن جهته تساءل النائب فيصل التبيني عن دور الهايكا التعديلي إزاء ما يحصل في العديد من القنوات التونسية خاصّة منها التابعة لأحزاب سياسيّة. وأوقفت قوات الأمن التونسية البث المباشر لقناة نسمة الخاصة في أبريل 2019 بتهمة مخالفة القوانين المنظمة للقطاع السمعي والبصري.

وقال اللجمي “قمنا بكل المحاولات وانتظرنا أربع سنوات حتى تسوي القناة وضعيتها مع أن القانون يلزمها بذلك في مدة لا تتجاوز السنة الواحدة”. وتابع “لم يكن هناك اعتراف بالضوابط والقوانين في كراس الشروط وقاموا بكل المراوغات، للأسف كان هناك ازدراء للقانون وكل قرارات الهيئة”. وسبق أن نشرت الهايكا تقريرا خاصا بملف قناة الزيتونة ومختلف الإجراءات والقرارات المتخذة بشأنها، موضّحة أسباب عدم منحها ترخيصا للبث.

وفي نوفمبر 2017 أصدرت الهيئة قرارا يقضي بتسليط غرامة مالية على قناة الزيتونة قدرها خمسون ألف دينار (حوالي 16500 ألف دولار أميركي) وذلك لمواصلة ممارستها نشاطات بث دون إجازة استنادا إلى أحكام الفصل 31 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011.

إصرار إذاعة القرآن الكريم على البث دون ترخيص رغم أن الهيئة وجهت دعوات متكررة إلى هذه القنوات تطالبها فيها بتسوية وضعياتها

وتسود حالة من الانفلات العام في المشهد الإعلامي والسياسي، ما يؤثر على تطبيق القرارات والقوانين، وأصبحت وسائل الإعلام بروباغندا للوصول إلى البرلمان، على غرار تقرير دائرة الحسابات الذي كشف أن كل من يملك وسيلة إعلام يخول له فعلا الوصول إلى البرلمان، مثل تجربة مالك قناة نسمة قطب الإعلام نبيل القروي، وتجربة سعيد الجزيري الذي تحوّل من إمام مسجد إلى نائب بالبرلمان من خلال حشده الناخبين عبر إذاعة القرآن الكريم.

وتم إيقاف القروي في 25 ديسمبر من العام الماضي بتهمة تبييض الأموال والتهرب الضريبي، وهي قضية رفعتها ضده منظمة “أنا يقظ” الحقوقية منذ سنة 2017.

18