المناورات الإثيوبية بشأن أزمة سد النهضة تحشر مصر في الزاوية

القاهرة تعمل على جذب أطراف إقليمية أخرى إلى صفها وتعزيز رؤيتها، لكن هذا المسار قد يمنح إثيوبيا وقتا إضافيا تسعى إليه.
الثلاثاء 2020/01/14
مشروع حيوي لإثيوبيا ومكلف للسودان ومصر

القاهرة - أبدت مصر، الاثنين، تحفظها على طلـب رئيـس الحكـومة الإثيوبية آبي أحمد، وساطة دولة جنوب أفريقيا الأحد، في أزمة سد النهضة، وتستعد لفتح ملف الأنهار المتشاطرة التي أقامت عليها إثيوبيا عددا من السدود، ما تسبب في أضرار لدول مجاورة.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، عن محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، قوله إن “استدراج إثيوبيا لمصر إلى وساطة جديدة محاولة لتفريغ الوساطة الأميركية، واستدراج التفاوض إلى تفاوض آخر وآخر وهكذا”.

وجاء الطلب الإثيوبي والرد المصري، عشية اجتماع في واشنطن يعقد يومي الاثنين والثلاثاء، لوزراء الخارجية والموارد المائية في مصر وإثيوبيا والسودان، لتقييم الجولات الأربع الأخيرة في مفاوضات سد النهضة، والتي انتهت وفق تقديرات القاهرة وأديس أبابا دون توافق على ملء وتشغيل السد، وسيقرر المجتمعون منتصف الشهر الحالي مصير الوساطة.

ويُنظر إلى اجتماع واشنطن الذي يحضره وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشن، وممثل عن البنك الدولي، على أنه وضع الأزمة في مفترق طرق حيال مسألة إيجاد آلية نهائية للحل.

ودخلت إثيوبيا اجتماع واشنطن بطلب الاستعانة بجنوب أفريقيا، كطرف رابع، وبررت ذلك بتوليها رئاسة الاتحاد الأفريقي الشهر الجاري، ما يعني استبعاد الولايات المتحدة، والاستفادة بوقت أطول كي يقطع سد النهضة شوطا أكبر في التنفيذ، حيث من المقرر أن تبدأ إثيوبيا عمليا خطوات ملء خزانه في يوليو المقبل.

بينما تستعد مصر لفتح ملف الأنهار المتشاطرة المهم لبعض دول المنطقة والمسكوت عنه أيضا، حيث قامت إثيوبيا بتشييد عدد من السدود على أنهار مشتركة مع دول أخرى، ما حرمها من أحد الموارد المائية.

وتيقنت القاهرة أن المفاوضات بالطريقة الحالية غير مجدية، والوساطة بدأت تدخل في دروب وعرة، مع طرح أديس أبابا اسم جنوب أفريقيا، وتمسّك القاهرة بالولايات المتحدة كطرف رابع، بما يجعل اجتماع واشنطن يواجه تحديات جديدة.

وكشف بيان أصدرته الخارجية المصرية الجمعة، عن تلويح القاهرة بوجود سياسة إثيوبية عامة “تتبنى رغبة منفردة في إدارة كافة الأنهار التي تنبع أو تمر من هضبة الحبشة”، مضيفا “إثيوبيا تسعى للتحكم في النيل الأزرق كما تفعل في أنهار أخرى تتشاطر فيها مع دول شقيقة”.

وفي إثيوبيا 22 نهرا تتشاطر كلها مع ست دول مجاورة، هي: جيبوتي والسودان وجنوب السودان والصومال وكينيا وإريتريا، وقامت منذ فترة ببناء 15 سدا دون الرجوع لأي من هذه الدول.

وتخشى مصر أن يتحول سد النهضة إلى نتيجة مماثلة لهذه السدود، ولذلك قررت أن تخوض المعركة حتى نهايتها، وتعمل على جذب أطراف إقليمية أخرى لصفها وتعزيز رؤيتها. لكن هذا المسار قد يضاعف من الصعوبات، ويدخل الأزمة في نفق جديد ويمنح إثيوبيا وقتا إضافيا تسعى إليه، يمكنها من زيادة وتيرة حركتها في استكمال المشروع.

وتتوزع السدود بواقع 4 على النيل الأزرق المشترك مع السودان ثم مصر، وخامس على أعالي نهر السوباط مع جنوب السودان، وسادس على أعالي نهر عطبرة ومشترك مع كل من إريتريا والسودان، و4 سدود أخرى على نهر الأواش مع جيبوتي، وسدان على نهر شبيلي مع الصومال، و3 سدود على نهر أومو المشترك مع كينيا. وقال أستاذ العلوم السياسية في كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، ماهر شعبان، إن أفريقيا تواجه مشكلة كبيرة بسبب غياب الآلية القانونية لإدارة المياه والأنهار والبحيرات، وهي كثيرة ومتعددة للغاية، وتسبب عدم الوعي في جفاف الكثير من الأنهار، وزيادة الأخطار البيئية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن مصر تريد أن تنقل قضية سد النهضة من إطارها المحلي والإقليمي إلى مجال دولي أوسع، مؤكدا أن الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان يمكن أن يصبح ميثاقا عالميا ومرجعية لكل أزمة متشابهة أو مشتركة.

ورغم تسليط الضوء على قضية سد النهضة باعتبارها أهم أزمة مائية في العالم في الوقت الحالي، إلا أن هناك مشكلة مزمنة ظهرت منذ عام 2009 على نهر شبلي الذي ينبع من إثيوبيا ويتدفق في اتجاه الجنوب إلى الصومال بالقرب من مقديشو، بعد أن شيدت أديس أبابا، بدعم صيني، سدا كبيرا لإنتاج الكهرباء على النهر، نتجت عنه مشكلات تؤرق الصومال.

وأفاد تقرير صادر عن لجنة المياه والبحيرات الدولية أن أربعة سدود بنيت على نهر شبلي تسببت في نزوح آلاف الأسر في جنوب الصومال، وبوار مساحات من الأراضي الزراعية.

وأشار شعبان، إلى أن القاهرة أرادت بذكر سياسة القرارات المنفردة، أن تلقي الضوء على السياسة المتكررة في التعامل مع الأنهار، وأنها ليست المرة الأولى التي “تماطل فيها أديس أبابا وتحول السدود لأمر واقع دون النظر إلى الأخطار الجمة على الشعوب المحيطة”.

تبدو الحكومة المصرية عازمة على استخدام ورقة حالتي الصومال وإريتريا، باعتبارهما البلدين الأكثر تضررا من أزمة إدارة أنهار الحبشة لتكون أداة ضغط في اجتماع واشنطن، وأمام الولايات المتحدة والبنك الدولي كممثلين يراقبان القضية عن كثب، ويدفعان إلى الإسراع بوتيرة إيجاد صيغة قانونية تحمي المصالح المائية لدول حوض النيل.

2