الملف السوري رسالة سعودية إلى واشنطن: تتقاربون مع طهران نتقارب مع دمشق

تنسيق سعودي – إماراتي يرسل إشارات مشفرة إلى الولايات المتحدة.
الخميس 2021/03/11
توافق بين الرياض وموسكو

الرياض – حملت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى السعودية أبعادا أخرى غير ما كان متوقعا من تعزيز التعاون الثنائي خاصة في ضوء المواقف الأميركية الأخيرة بشأن المملكة. واكتست هذه الزيارة أهمية في الملفات الإقليمية، مثل التوافق على الحوار لأجل وقف الحرب في اليمن، وخاصة ما تعلق بسوريا، حيث بدا السعوديون أقرب إلى موقف روسيا بشأن التوصل إلى حل سياسي يوقف معاناة السوريين، ولهم في ذلك حسابات خاصة بعضها مع واشنطن والأخرى مع طهران.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي إن التسوية السورية تتطلب حلا سياسيا شاملا، مجددا رغبة بلاده في إنهاء هذه الأزمة.

وأضاف “حريصون على التنسيق مع جميع الأطراف بمن فيهم روسيا لإيجاد حل للأزمة السورية”.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد التقى عشية زيارة لافروف إلى الرياض بالمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف، وتباحث معه بشأن مستجدات الأوضاع على الساحة السورية، ما يؤكد اهتماما سعوديا رسميا بالموضوع السوري.

واعتبرت أوساط خليجية أن التركيز السعودي على الموضوع السوري، وبعد يوم واحد من إثارته إماراتيا على لسان وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد، يحمل رسالة مشفرة إلى الأميركيين مفادها أنكم إذا أردتم أن تقرّبوا إيران وتفتحوا أمامها أبواب النووي مجددا دون تحديد واضح وحاسم لدورها الإقليمي، فإننا سنحرك الملف السوري وندفع باتجاه الحل بما يراعي مصالحنا ومصالح المنطقة حتى لو تعارض مع حسابات واشنطن.

وأضافت الأوساط أن السعودية تدفع نحو حل الملف السوري لاعتبارات مختلفة بعضها أمني، خاصة أن الأزمة التي بلغت عشر سنوات باتت عبئا أمنيا على دول المنطقة ككل كونها تغذي التطرف لدى شباب المنطقة خاصة في ظل قدرة التيارات المتشددة على الاستقطاب في مواقع التواصل واللعب على المشاعر الدينية لدى الأجيال الصاعدة.

وترغب المملكة في الدفع نحو حل دولي في سوريا يسحب من إيران ورقة مؤثرة في يدها. وباتت طهران لاعبا رئيسيا في سوريا بالتوازي مع روسيا وتركيا، ونجحت في وضع شبكات تأثير متعددة ترشّحها لأن تظل لمدد طويلة في سوريا، والانطلاق منها للتأثير في بقية المنطقة خاصة في لبنان.

وينظر السعوديون والإماراتيون إلى الأمر من واجهة براغماتية، حيث ينهي الحل السياسي مبرّرات بقاء إيران في سوريا، ويكون عنصر ضغط إضافيا عليها بضرورة أن تنسحب من ملفات أخرى مثل اليمن خاصة في ظل مناخ دولي مشجع على تسوية جدية في اليمن من ناحية تحرر السعودية من حرب استنزاف أمني ومالي، ومن ناحية أخرى تضغط على إيران لوقف تدخّلاتها ودعمها للمتمردين، وهو أمر إن حصل سيحقق للسعوديين مبرر تدخلهم في اليمن.

Thumbnail

ويجد الخليجيون في استلام إدارة أميركية جديدة للسلطة فرصة لطرح وجهات نظر خادمة لمصالحهم الإقليمية، وبينها دفع مسار الحل في سوريا وعودتها إلى العمق العربي بدل تركها ملعبا لصراع الأجندات الإقليمية والدولية، وساحة لتجريب الأسلحة وتدريب الميليشيات، وهو ما يمثل خطرا على الأمن القومي العربي.

وردّت وزارة الخارجية الأميركية على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، الثلاثاء، بشأن تأثيرات “قانون قيصر” الأميركي على حياة السوريين، معتبرة أن لا علاقة لهذا القانون بالأزمة الإنسانية في سوريا محملة نظام بشار الأسد مسؤولية ذلك.

وقال متحدث باسم الوزارة إن “الأزمة الإنسانية شديدة الخطورة في سوريا هي نتيجة مباشرة لعرقلة نظام الأسد للمساعدات المنقذة للحياة والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية”.

وأضاف “أعتقد أن الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل أوسع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد”.

وكان وزير الخارجية الإماراتي قد أكد في حضور نظيره الروسي أن “عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل، والتحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر”.

وكرّم ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الروسي بـ”وسام الاتحاد” ونائبه ميخائيل بوغدانوف بـ”وسام زايد الثاني” من الطبقة الأولى، ما يعكس أهمية هذه الزيارة في ميزان العلاقات الثنائية.

واعتبرت الأوساط الخليجية أن التقارب الروسي الخليجي لا يقف عند موضوع الملف السوري، بل يمتلك ورقة مهمة أخرى وهو التنسيق الثلاثي (بين السعودية والإمارات وروسيا) في موضوع النفط في أوبك + والسعي لإيجاد توازن في السوق، وهو ما أشار إليه الأمير فيصل بن فرحان في المؤتمر المشترك مع لافروف.

وقال وزير الخارجية السعودي إن من أهم هذه المجالات هو التعاون بين الرياض وموسكو تحت مظلة أوبك +، والذي “أسهم في استقرار أسواق الطاقة خلال الفترة الماضية العصيبة في عام 2020 والتي تأثرت بتبعات جائحة كورونا وقد أسهمت نتائج هذا التعاون في حماية منظومة الاقتصاد العالمي”.

لافروف يعبر عن قلق موسكو إزاء تطورات الأوضاع في اليمن
لافروف يعبر عن قلق موسكو إزاء تطورات الأوضاع في اليمن

كما حرصت السعودية خلال زيارة لافروف على إظهار رغبتها الجدية في التوصل إلى الحل في اليمن، لكن مع التمسك بحقها في الدفاع عن أمنها القومي والتصدي للهجمات الحوثية المدعومة إيرانيا.

وقال الأمير فرحان في لقائه بلافروف “جددنا دعمنا للوصول إلى حل سياسي للأزمة في اليمن، حيث أن تنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة يعد خطوة مهمة في فتح الطريق أمام حل سياسي متكامل للأزمة، ونؤكد دعمنا لجهود المبعوث الأممي للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار والبدء في عملية سياسية شاملة”.

وتعهد بأن تتخذ بلاده “الإجراءات اللازمة والرادعة لحماية مقدراتها ومكتسباتها الوطنية بما يحفظ أمن الطاقة العالمي ويوقف الاعتداءات الإرهابية لضمان استقرار إمدادات الطاقة وأمن الصادرات البترولية وضمان حركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية”.

من جهته، اعتبر لافروف أن “الصراع في اليمن يجب أن ينتهي (…) وأن على الأطراف المتناحرة الجلوس إلى طاولة المفاوضات”.

وخلال زيارته إلى الرياض التقى لافروف بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إنه جرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، ومجالات التعاون المشترك وسبل دعمه وتطويره في مختلف المجالات.

كما تم خلال الاجتماع بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية وتنسيق الجهود المبذولة تجاهها بما يعزز الأمن والاستقرار فيها، بالإضافة إلى بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.

1