المعرض

بخلاف الحديث الرائج عن بوار الكتاب ومعه القراءة، تستمر معارض الكتاب في خلق الحدث، باعتبارها الموئل الأفضل الذي يؤمه الناشر والكاتب والمكتبي والموزع والقارئ. واعتبارا لحجم المعرض ولتباين مزاجية وانتظارات الفاعلين الثقافيين لا يكاد أي معرض ينجو من النيران، سواء الصديقة منها أو غير الصديقة.
ولذلك لا يبدو غريبا أن يشتكي الناشرون من تحول معرض، كمعرض الدار البيضاء للكتاب، إلى سوق يؤمه عامة الشعب في غياب بورجوازية البلد التي بإمكانها أن تؤثث المعرض بربطات أعناقها وباقتناءاتها الكبيرة. والحقيقة أن الأمر مفارق لطبيعة المعرض باعتباره فضاء موجها لكل الشعب. كما أن ذلك يناقض مبدأ دمقرطة المعرفة، والذي يُفترض أن ينتصر له المعرض، وقبله الناشرون.
إنها نفس الشكوى التي تمتد إلى الأطفال الذين صاروا يطبعون بحضورهم الكبير المعرض. والحقيقة أن على الناشرين التقاط الرسالة التي يحملها هذا الحضور، بدل التماهي مع الحسابات التجارية الصغيرة. فثمة جيل جديد من القراء المُفترضين والفعليين ينبثق أمامهم، في الوقت الذي تقاعد الكثيرون عن القراءة.
إنه جيل يخلق لنفسه عاداته وطقوسه الخاصة بالقراءة، في لحظة تتزامن فيها كل الشروط التي يمكن أن تؤدي إلى فناء الكتاب ومعه القُراء، ابتداء من تهديد الاستعمال السيء لتكنولوجيا المعلومات الجديدة إلى تناسي النظام التعليمي لمكون القراءة ضمن منظومته. إنه نفس الجيل الذي استطاع أن يخلق أكثر من لحظة تألق، دون أن يكون، في كثير من الأحيان، مدينا لأحد. ولعل آخرها فوز الطفلة مريم أمجون بجائزة تحدي القراءة العربي، ومعها جيش من الأطفال المرشحين من المغاربة الذين يُفترض أنهم قرأوا أكثر من سبعة ملايين كتاب، في سياق تنافسهم على مكان فوق بوديوم الجائزة.
أما الأمر المفارق فهو أن يظل قطاع النشر بالبلد في موقع المتفرج، وأحيانا في موقع المشتكي من فيضان زيارات الأطفال لحدث كالمعرض. إذ ينحصر عدد دور النشر المختصة في الكتابة للطفل في ثلاث دور، في الوقت الذي تحجم دور النشر الأخرى عن دخول مغامرة النشر في المجال، وفي اللحظة التي لا يتجاوز عدد ما صدر من كتب الأطفال، منذ تعرف المغاربة على الطباعة إلى الآن، الألفَ عنوان.
قبل يومين عن نهايته، كان المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء على موعد مع ضيف خاص. حريق ناتج عن تماس كهربائي، كاد أن يؤدي إلى كارثة. غير أن مهنية المنظمين أنقذت الأمر، إذ تم التحكم في الحريق في دقائق معدودة، بينما تمت إعادة جمالية الرواق المعني بالحريق في أقل من نصف ساعة، في الوقت الذي كان “الصحافيون الجدد”، من أصحاب الهواتف ينقلون بالمباشر الحدث. أما المدهش فهو أن المعرض كان مملوءا عن آخره، مباشرة بعد فتحه. وحدهم زوار المعرض، من عامة الشعب ومن أطفاله، يمكنهم أن يخلقوا الحدث.