المعارضة المصرية تحيي نشاطها بورقة الملفات الإقليمية

القاهرة- نشطت قوى حزبية مصرية خلال الأيام الماضية، مستفيدة من التطورات الساخنة على الساحة الإقليمية وروافدها المختلفة على مصر، على أمل أن يكون هذا الاهتمام مقدمة لاهتمام آخر غاب طويلا وهو مناقشة القضايا الداخلية.
وتحاول الأحزاب والنخب المعارضة الفرار من تضييق الحركة في المجال العام عبر التطرق لقضايا خارجية، لا تزعج الحكومة، بل ترى فيها مصلحة، لأنها تأتي غالبا متسقة مع توجهاتها، ونشطت على هذا المستوى في الآونة الأخيرة، وبدت الأحزاب تستغل هذه النافذة للإعلان عن نفسها.
جاء التوافق الضمني بين الطرفين، المعارضة والحكومة، ليمنح الحياة السياسية في مصر أملا في إمكانية خروجها من الموت السريري الذي طالها منذ حوالي خمسة أعوام، ويفتح الباب للتفكير في إطلاق هامش جديد من الحرية السياسية.
ويرى متابعون في مناقشة قضايا مثل التدخل التركي في ليبيا، وأزمة سد النهضة، والتوتر في شرق المتوسط، فرصة لتصبح بابا خلفيا تستخدمه المعارضة والمراكز البحثية لخلق حراك في مشهد متجمّد، يمكن أن يجذب قطاعا من الجمهور الذي عزف عن متابعة الشأن العام.
يقع على عاتق الأحزاب جانب من المسؤولية، حيث أخفقت في إثبات وجودها، فالحركة المتاحة لها لا تحول تماما دون نشاطها إذا أرادت، لكنها ارتاحت للنأي بنفسها واستسلمت للعزوف ومكنت الحكومة من تحقيق أهدافها بسهولة.
ولم يُستثن من محاولات النفاذ من عنق الزجاجة أكبر تجمع حزبي معارض “الحركة المدنية الديمقراطية”، وهو تجمع يضم 7 أحزاب وشخصيات عامة وأكاديميين، وعقد ثلاث ندوات عن الحريات العامة والأوضاع الاقتصادية وسد النهضة مؤخرا.
وجاء آخر نشاط للحركة بإصدار بيان معارض للتدخل التركي في ليبيا، وما يمثله من خطر على الأمن القومي، في إشارة إلى الوقوف خلف الدولة في ذلك الملف، ما ينفي الاتهامات التي وجهتها الحكومة للحركة المعارضة بأن لها “ميولا إخوانية”.
وتأمل قوى معارضة أن تستفيد من هذا النشاط في تحقيق مكاسب بشأن استحقاقات انتخابية منتظرة، بين مجلس نواب وشيوخ ومحليات، بدأت التحضيرات لها تأخذ طابعا جديا، ما يجعل النشاط العلمي يمكن أن يأخذ منحى سياسيا.
ويقول مراقبون، إن الحراك الأخير محسوب بدقة، ويلقى هوى لدى دوائر صنع القرار، لأنه يحقق لهم مكاسب مختلفة، فالندوات واللقاءات التي تتم في مقار الأحزاب حول قضايا خارجية تدعم تحركات الحكومة وتوفر لها ظهيرا شعبيا، طالما ظلت بعيدة عن مناقشة القضايا المحلية المحرجة.
أقر الأمين العام لحزب التجمع اليساري، محمد سعيد، لـ”العرب”، بوجود تضييق يحول دون قيام الأحزاب بممارسة دورها على أكمل وجه، خصوصاً في ما يتعلق بالالتحام بالجماهير في الشارع، قائلا “هذا لا يمنع أن الأحزاب التي ترغب في التحرك تعمل ولو من خلال عقد ندوات في مقارها مثلنا”.
يستضيف حزب التجمع العديد من الندوات ذات الطابع الثقافي كل أسبوع، لكن حركته لا تزال بعيدة عن عقد ندوات ذات طابع داخلي تناقش ملفات سياسية حرجة. وأكد سعيد، أن حزبه لم يتلق اعتراضات ولم يجد تدخلات من أي جهة أمنية في الندوات العلمية التي يعقدها الحزب، طالما بقيت داخل مقره.
وناقش الحزب قضية الغاز في شرق المتوسط والأطماع التركية، مثمّناً قدرة الحكومة على الاستحواذ على النفوذ الأكبر في منتدى المتوسط، ما يكسبها ميزة نوعية كمركز إقليمي واعد للغاز.
ودارت نهاية الأسبوع ندوة للتجمع العربي الإسلامي تطرقت لتطورات الأوضاع في ليبيا، مؤيدة توجهات الحكومة المصرية وما تتبناه من تصورات سياسية للتعامل مع الأزمة.
وقال المنسق العام للتجمع العربي في مصر، جمال زهران، لـ”العرب”، إن رؤيتهم تلتقي مع رؤية الحكومة، ويعتقدون ضرورة تكاتف مصر وتونس والجزائر والإمارات والسعودية للتصدي للمخطط التركي الذي يتلاقى مع مشروع يرمي لتفتيت المنطقة ونهب ثرواتها.
وتقفز تلك الجهود الملتحمة بقضايا حيوية جادة بالحالة المصرية من خانة الركود، بعدما نحت الأحزاب الفاعلة إلى الطابع الخدمي والدعائي، ولم تعد تقدم رؤى أو طروحات تخالف مواقف الحكومة، أو تقترب من نبض الجماهير.