المطهرات المغشوشة تغزو الأسواق المصرية

تجار الأزمات يستغلون أزمة وباء كورونا من أجل تحقيق ثروات سريعة.
الثلاثاء 2020/04/07
كورونا تفرض حسابات جديدة في صناعة المطهرات

تشهد مصر ظاهرة سباق تجار الأزمات لتحقيق أرباح كبيرة من خلال طرح مطهرات ومنظفات مغشوشة في الأسواق المصرية، مستغلين تصاعد الطلب عليها بوصفها حائط صد وحماية ووسيلة لتجنب الإصابة بفايروس كورونا المستجد، الذي احتجز معظم سكان العالم في المنازل.

القاهرة - عزز تصاعد الطلب على المطهرات بسبب تفشي وباء كورونا من نشاط سوق رائجة في القاهرة للمنتجات الكيمياوية مجهولة المصدر، والتي تصنع في نطاق الاقتصاد الموازي لسد فجوة الطلب المدفوعة بمخاوف الإصابة من الفايروس.

وحذر خبراء من الآثار الصحية السلبية المتوقعة نتيجة استخدام هذه المواد وسط عدم إحكام السيطرة على منافذ بيعها، إلى جانب التداعيات الاقتصادية والبيئية التي تزيد من معاناة البلاد.

وشهدت سوق بيع المطهرات قفزات سعرية كبيرة وسط اتباع سياسة تعطيش السوق لإجبار الأفراد على دفع الأسعار التي يحددها المقامرون على بيع المطهرات بالسعر الذي يفرضونه، باعتبار أن هذه السلعة وصلت لحد عدم مرونة الطلب عليها، وأصبحت الحاجة إليها تعادل الحاجة للدواء.

وتمكنت السلطات المصرية من إلقاء القبض على مجموعة من المقامرين بصحة الناس، وأغلقت الكثير من المتاجر التي لجأت إلى بيع المطهرات المغشوشة.

وقال على خليفة، موظف بأحد المحال التجارية، “تجولت في صيدليات وسط القاهرة بحثا عن عبوة من الكحول الإيثيلي تركيز 70 في المئة، لأنه بحسب تصريحات الأطباء، القادر على قتل الفايروس على الأسطح وعند تعقيم الأيدي بعد ملامسة المنتجات في المحال التجارية”.

حسين فتحي: أفق استثماري جديد لشركات البترول لتصنيع وبيع المطهرات
حسين فتحي: أفق استثماري جديد لشركات البترول لتصنيع وبيع المطهرات

وأضاف لـ”العرب” “حصلت بعد عناء كبير على عبوة بقيمة عشرة دولارات، فيما كان سعرها قبل تفشي كورونا دولارا واحدا، بما يعني ارتفاع سعرها عشر مرات، واكتشفت عند استعمالها لتعقيم يدي قبل دخول المنزل أنها مغشوشة”.

ويعد خليفة نسخة مكررة من مواطنين كثر، فيما حذرت شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية من الانتشار غير المسبوق للمطهرات المغشوشة التي تباع على أرصفة الشوارع.

وتفتقد القاهرة لنظام مغلق يمنع وصول المستلزمات الطبية والمطهرات وحتى الأدوية المغشوشة إلى الصيدليات، الأمر الذي يفاقم المشكلة أمام الأفراد، في ظل هوامش الربح الكبيرة لـ”بزنس” بيع المطهرات وكذلك الكمامات.

وقال السيد بسيوني، عضو شعبة المنظفات باتحاد الصناعات المصرية، إن تفشي فايروس كورونا أنعش مبيعات المطهرات والمنظفات في جميع دول العالم، إلا أن أزمة السوق المصرية مختلفة، حيث تنتشر منتجات مجهولة المصدر تهدد صحة الإنسان، الأمر الذي يحتاج إلى إحكام الرقابة على الأسواق لمواجهة هذا الانتشار.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن استمرار تلك المنتجات والإفراط في استخدامها، ينذر بكارثة  وخارطة مرضية جديدة بعد زوال غمة كورونا.

وتستخدم مصانع الاقتصاد الموازي في تصنيع المطهرات المغشوشة بعض المواد الكيمياوية المحرمة وغير المطابقة لمواصفات الاستخدام البشري، بالتالي تفاقم خسائر الصحة العامة وارتفاع الفاتورة المرضية بالبلاد.

ويصل عدد المصانع الرسمية في مجال المنظفات والمطهرات في مصر لنحو 370 مصنعا، فيما يستهلك المواطنون في الأوقات العادية حوالي 750 ألف طن من المنظفات والمطهرات بمختلف أنواعها، وهي نسبة تتجاوز بقليل الكمية
المنتجة.

وأكد هشام كمال، رئيس لجنة الكيمياء بنقابة المهن العلمية، أن السوق الموازية للمطهرات توسعت بشكل كبير، مع تصاعد أعداد المصابين بكورونا يوميا.

وأشار إلى أن من مظاهر عمليات الغش، إضافة مادتي الميثانول والآسيتون للكحول الإيثيلي، ما يفقده درجة التركيز، والهدف من هذه الإضافة زيادة كمياته من أجل تحقيق أرباح كبيرة وتصبح هذه المنتجات عديمة الجدوى في عمليات التعقيم.

ويستغل أغنياء الأوبئة الجدد حاجة الأفراد وجهل معظمهم بطبيعة وكيفية استخدام هذه المواد، وإيهامهم بأن منتجاتهم تستهدف مواجهة الغلاء، ويقصدون المناطق النائية التي لا تصل إليها المبادرات الحكومية التي تستهدف بيع المطهرات للمواطنين بأثمان معقولة.

تصاعد الطلب على وسائل الحماية الطبية
تصاعد الطلب على وسائل الحماية الطبية

وأعلنت وزارة التموين عن بيع المطهرات والكمامات من خلال منافذ البقالين التموينيين الذين يصرفون الدعم التمويني لغير القادرين من خلال بطاقات الدعم، إلا أن هذه المنتجات لا يصل غالبيتها إلى الريف أو جنوب البلاد، ما يفتح الطريق أمام بيع المنتجات المغشوشة في هذه المناطق.

وقال أحمد خليل، من محافظة أسيوط بجنوب القاهرة، “ذهبت للبقال التمويني للحصول على عبوة كحول وكمامات، بعد تصريحات وزير التموين ولكني لم أجدهما لديه”.

وقد منعت القاهرة تصدير المطهرات لمدة ثلاثة أشهر، وألزمت المصانع المنتجة بتوريد كامل إنتاجها لهيئة الشراء الموحد التي تتولى توزيع الإنتاج على المستشفيات لسد حاجة السوق.ويبلغ حجم الاستثمار في صناعة المطهرات والمنظفات 395 مليون دولار، وتوفر فرص عمل لنحو 26 ألف عامل.

وينذر قرار القاهرة بتوقيع غرامات على الشركات المصرية بسبب الإخلال بتعاقداتها الخارجية، في ظل تصاعد الطلب عالميا على هذه المواد لمواجهة تفشي الوباء، وتلزم القاهرة الشركات التي ترغب في التصدير بالاحتفاظ بمخزون استراتيجي يكفي لتوريد المواد المطهرة لهيئة الشراء الموحد لمدة ثلاثة أشهر.

وحال وجود ضمانات تضمن استمرار عملية التوريد، يٌسمح للشركات بتصدير الكميات الفائضة فوق حد المخزون المطلوب. وفتح هذا العجز أبوابا استثمارية أمام الشركات التابعة لوزارة البترول، حيث قامت شركة مصر للبترول بطرح مطهرات ومنظفات بالسوق في محاولة منها لسد الفجوة.

هشام كمال: السوق الموازية توسعت مع تصاعد أعداد المصابين بالوباء
هشام كمال: السوق الموازية توسعت مع تصاعد أعداد المصابين بالوباء

ولفت حسين فتحي، رئيس الشركة، لـ”العرب”، إلى أنهم حققوا مبيعات كبيرة من المنظفات والمطهرات الأسابيع الماضية، رغم أن هامش ربح بسيط بوصفهم شركة حكومية.

وأشار إلى أن جميع خطوط الإنتاج تعمل بالطاقة القصوى وسط إقبال غير مسبوق من جانب هيئات رسمية لشراء المنتجات، وكذلك سلاسل التوزيع الخاصة.

وكشفت دراسة أعدها بنك الاستثمار (فاروس) حول تأثر قطاع البتروكيمياويات المصري بجائحة كورونا، عن تداعيات سلبية تحولت من مرحلة ازدهار في حركة المبيعات إلى حالة من الاضطراب الشديد في السوق.

واستندت الدراسة على عدد من الأسباب، منها أن المصانع غير قادرة على العمل طوال اليوم، بواقع دورتي عمل بسبب الإجراءات الاحترازية الخاصة بخفض حضور عدد العمالة بنسبة 50 في المئة، تماشيا مع قرار الحظر الصحي، ومنع التكدس والزحام.

وأشارت “فاروس” إلى أن النقطة الثانية تتمثل في ارتفاع الطلب على منتجات الصودا الكاوية والكلور، لأنهما يدخلان في تصنيع منتجات التنظيف، الأمر الذي يرفع تكاليف الإنتاج.

ويبقى استيراد المواد الخام اللازمة لصناعة المطهرات والمنظفات من الخارج تحديا أمام المصانع، حيث تعتمد الصناعة المصرية بشكل رئيسي على استيراد 30 في المئة من هذه المواد من الصين ثم الهند وأوروبا، على الترتيب لرخص سعرها.

وتتفاقم المشكلة أمام القيود التي تضعها الدول على تصدير هذه المواد حاليا، بهدف سد احتياجاتها المحلية أولا، ما يعد فرصة ذهبية أمام المنتجات المغشوشة لمصانع الاقتصاد الموازي التي يطلق عليها وصف “مصانع بئر السلم”، في إشارة إلى السرية وعدم الجودة.

10