المصورون سكان المقابر الأحرار في مصر القديمة

الفكر الأسطوري والعقائد الدينية طوّرا الفنون المصرية.
الخميس 2021/06/17
ارتفاع عدد المقابر أثر في تطور التصوير

تعد الحضارة المصرية من أقدم الحضارات الإنسانية على وجه الأرض، فقد ولدت تلك الحضارة مع مولد الزمان، وذلك بحسب قول المؤرخ المصري مانيتون أحد كهنة مصر القديمة وصاحب أولى المحاولات لجمع تاريخ مصر. وكان المصريون القدماء من أكثر شعوب العالم اعتداداً بتاريخهم وكانوا ينظرون إلى ماضيهم نظرات ملؤها الاحترام والتقديس، وكانوا يتغنون دائما بذلك الماضي.

القاهرة - يُعد التراث المصري القديم من أهم مصادر الاستلهام والإبداع وأحد منابع الرؤية التشكيلية للمصور الحديث، حيث يسجل لنا تاريخ الفن كثيراً من الفنانين المبدعين الذين استلهموا أعمالهم من التراث الفني المصري.

وقد جذب تراث مصر القديمة وفنونها جموعا من الكتاب والباحثين بجانب الرحَّالة وعلماء المصريات الذين وضعوا الكثير من الكتب والمؤلفات التي توثق ذلك التراث وتلك الفنون.

الفكر الأسطوري

الكتاب يتناول صفحات من تاريخ الفنون في مصر القديمة معرفا بالفنان المصري القديم الذي كان له كيانه المتميز
الكتاب يتناول صفحات من تاريخ الفنون في مصر القديمة معرفا بالفنان المصري القديم الذي كان له كيانه المتميز

الباحثة المصرية إيمان الجمال والأكاديمية بكلية التربية النوعية في جامعة أسوان واحدة من الباحثين الذين بهرتهم فنون مصر القديمة، فانشغلوا بدراستها وتحليلها في الكثير من الكتب والمؤلفات.

وفي أحدث كتبها الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وحمل عنوان “تجليات الفن المصري القديم في المعابد والمقابر”، تناولت إيمان الجمال صفحات من تاريخ الفنون في مصر القديمة، وقدمت تعريفا للفنان المصري القديم الذي كان له كيانه المتميز، وألقت الضوء على محاولاته لإبراز الجمال الحسي، معبراً عن الألوهية، طامحاً في الاندماج مع الحقيقة، فيما ظل الفن فى جملته مجهول الصاحب لا ينطق عن صاحبه ولكن عن أفكاره ورؤيته في حرية تعبيرية، وذلك بحسب قولها.

ويتحدث كتاب الدكتورة إيمان الجمال عن الفنون في حياة الأمم والشعوب بقولها “خرجت كل أمة من الأمم بفن سجله التاريخ وبه دونت شؤون حياتها وهذبت عقولها وأنمتها، ولقد تعذر على الإنسان أن يجد في العالم أمة لم يطرق الفن الجميل بابها، فقد سرى الفن في أنحاء الوجود وليس في الدنيا فن نشأ بذاته مستقلاً عن الفنون الأخرى كالفن المصري القديم. فهو من أمة شقت طريقها إلى الحياة بهمة وحكمة وكونت نفسها بنفسها حينما لم تكن هزت آذان غيرها من الأمم صيحة الحياة”.

وتناول الكتاب أيضا الفن المصري القديم وارتباطه بالعقيدة، وأشار إلى أن مصر تُعد كنزا لا يفنى من المعتقدات الدينية التي تعددت مذاهبها وتنوعت أفكارها، ولفت إلى أن “العقيدة لدى المصري القديم تعني الإيمان بالخالق وبالقوى الغيبية الأخرى، سواء أكانت خيرة أو شريرة، وأن العقيدة تعني الروح والخلود والبعث والحياة الأخرى، وأن تقديس الكثير من الآلهة انتشر بين قدماء المصريين، وتكوّن في مصر كنز لا يفنى من معتقدات دينية تنوعت أفكارها وتعددت مذاهبها”.

وعرض الكتاب للفكر الأسطوري وخصائصه، وجاء في ذلك القسم من الكتاب أن “الفكر الأسطوري للمصري القديم ارتبط بالدين، فكانت حياته وعاداته وأعياده وطقوسه مظهرا من مظاهر الدين، وكان شيئا متصلاً بالحياة، بل هو الحياة ذاتها بالنسبة إليهم بطقوسه وأساطيره، حيث حاول المصري القديم أن يفهم الكون ويرجع ذلك كله إلى تصوره الأسطوري ويربطه بالعالم الإلهي للآلهة المصرية ويصبغه بصورة رمزية، وإنه بالنظر إلى جميع أفكار المصري القديم نجدها ذات صلة بالفكر الأسطوري، فهو ينظر إلى المعرفة على أنها قوة من قوى الحياة، كما ينظر إلى الحياة على أنها البحث عن الخلاص، وهذا يعني أنه مندمج مع كل فكره في هذا الكون، ومن هنا كان تشبع الفكر المصري القديم بالفكر الأسطوري”.

التصوير فى مصر القديمة

Thumbnail

في صفحات الكتاب نقرأ أيضا فصلا عن التصوير في مصر القديمة، وهو الفن الذي حظي، كما تقول الكاتبة، بحرية لم يظفر بها فن النحت منذ بداياته، إذ كان من شأن المصورين أن يبدعوا في أعماق المقابر أشهراً حتى انتهاء العمل بها في تأمل عميق، لا علاقة لهم بالعالم الخارجي. ووفق دراسة للمقبرة وتوزيع الرسوم على الحوائط، قدم لنا المصور المصري القديم رسومه في ثلاث مجموعات: مجموعة أولى تصور أساطير مصر القديمة عن العالم الآخر وآلهته وأقدارهم المتمثلة في تصويره لكتب العالم الآخر، ومجموعة ثانية تصور الطقوس الجنائزية التي كانت تقام للميت قبل دفنه مثل التحنيط والتطهير، ومجموعة ثالثة تصور مشاهد من الحياة من زراعة وصيد ورقص وغناء.

وتؤكد صفحات الكتاب على أنه في الدولة القديمة والدولة الوسطى والدولة الحديثة “زاد اتجاه الفنان إلى التبسيط في الخطوط، وإلى الناحية التجريدية، مع دراسة مساحات الألوان وانسجامها، وهذا أدى بدوره إلى ظهور الأسلوب المصري الذي استمر طوال العهود التاريخية المختلفة في مصر القديمة”.

وفي الدولة الحديثة بلغ التصوير عصره الذهبي، وكان لتلك النهضة الكبيرة التي حققتها مدينة طيبة وارتفاع عدد مقابرها أثر في تطور التصوير الذي كان أيسر من النقش في الجدران الصخرية ولاسيما أجزاؤها العليا.

وأشار الباحث الراحل ثروت عكاشة إلى أنه ليس ثمة شك في أن مدارس التصوير – على الرغم من أننا لا نملك الكثير من آثارها – قد زادت بازدياد المقابر، وأنه “كان ثمة تطور في التصوير، وإنا لنعرف لهذا العهد اتجاهات ثلاثة رئيسية لفن التصوير: أولها تطرقه لموضوعات جديدة بالإضافة إلى المناظر التقليدية، وثانيها تقديمه للمناظر التقليدية بعد طبعها بذوقه الجديد، وثالثها عنايته بأناقة الرسم واهتمامه بالتفصيلات”.

وعرض الكتاب لبعض نماذج التصوير في الدولة الوسطى والحديثة في مقابر دير المدينة ومقابر الوادي ثم عرض لبعض المناظر المصورة في المعابد.

وبحسب الكتاب فإن الفن التصويري الذي تركه لنا الفنان المصري القديم هو فن أقرب إلى الحقيقة يريده الميت في مقبرته لمصلحته وفائدته في العالم الآخر، وأن الحضارة المصرية بصفة عامة تنزع إلى التصوير في كثير من مظاهرها لتسجل صوراً متلاحقة تعكس حياة المصريين وأفكارهم.

14