"الشلليّة" في الثقافة العربية فكرة قديمة ما عادت موجودة

الكاتب مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالانفتاح على عوالم الفنون الأخرى خاصة منها فنون الصورة، كما أنه ملزم بمتابعة التكنولوجيا وفهم توجهات القراء، وامتلاك القدرة على الإلمام بالواقع. كلها اشتراطات يعي أهميتها الكاتب المصري شريف عبدالمجيد، الذي كان لـ"العرب" معه هذا الحوار حول تجربته وأهم رؤاه في الأدب والثقافة.
يقول الكاتب المصري شريف عبدالمجيد إن المشهد السردي العربي جيد وغني بالكثير من المواهب والمبدعين الذين أثروا المكتبة العربية بإصدارات لافتة، متجاوزين الصعاب التي فرضتها الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية.
وينفى عبدالمجيد ما يتردد عن انتشار “الشلليّة” في الحركة الأدبية، قائلا إنه لم يشعر بذلك، ويرى أن الأدب وإنتاجه هما عملية فردية بحتة ومتعة شخصية وبالتالي لن يبقى في النهاية سوى العمل الإبداعي الجيد والمتميز.
المشهد الثقافي
الكاتب يشجع على انتشار مجتمعات القراء و"البوك تيوبر" وديمقراطية النقد الانطباعي في منصات القراءة والصفحات الشخصية
يقول عبدالمجيد لـ”العرب” إن فكرة وجود “الشلليّة” ربما كانت تتناسب مع فترات سابقة، وإنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الرقمي وتعدد طرق وصول الكاتب والعمل الأدبي إلى القارئ صار من الصعب القبول بفكرة “الشلليّة” الآن.
وحول رؤيته لحركة النشر الأدبي وما تواجهه من مشكلات يعتقد بوجود مشاكل لوجستية تتمثل في ارتفاع سعر الورق والأحبار، وكذلك تزوير الكتب، إضافة إلى تراجع الإقبال على القراءة، خاصة مع سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أثرت على معدلات إقبال القراء على اقتناء الكتاب المطبوع.
ويتمنّى الكاتب أن تشهد حركة النشر حضوراً أكبر للشعر والقصة القصيرة والكتب النقدية والفكرية والفلسفية والفنية بشكل أكبر، لافتاً إلى أن الرواية باتت تستحوذ على النصيب الأكبر في عملية النشر.
ورداً على سؤال “العرب” حول رؤيته للحركة النقدية ومدى مواكبتها لحركة النشر الأدبي يقول إنه يرى أن هناك نقادا كثيرين يبذلون جهداً كبيراً لمتابعة الإصدارات الأدبية، وتقديم القراءات النقدية التي تتناول تلك الإصدارات، لكنه يرى أن الأعمال الأدبية التي تدفع بها المطابع كثيرة وتصعب مواكبتها جميعاً من قبل النقاد، الذين ينشغل الكثير منهم بأعمالهم الأكاديمية بجانب الكتابة النقدية.
وينوّه بمنتديات القراء ومنصات متابعة الإصدارات الجديدة على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشار مجتمعات القراء و”البوك تيوبر”، وكذلك ديمقراطية النقد الانطباعي سواء في منصات القراءة أو على الصفحات الشخصية للقراء، أو من خلال الورش التي تناقش الكتب ومختبرات السرد، حيث يصب كل ذلك -بحسب قوله- في مصلحة القارئ في النهاية؛ إذ يسهل عليه التعرف على الأعمال الأدبية الجيدة، بجانب الصحافة الثقافية المطبوعة والإلكترونية، والتي تمارس دورا مهما في متابعة الأعمال الأدبية وتقديم مراجعات مهمة للكتب.
وحول رؤيته للجوائز الأدبية ودورها في خدمة حركة الأدب، يقول عبدالمجيد إن الجوائز مهمة وتُسلّط الأضواء على الكاتب، وبالتالي -ووفقاً لقوله- لو كان الكاتب جيداً فإن ذلك يفيده ويُعرّف الناس به، وإذا لم يكن الأمر كذلك “فهي تكشفه”، إضافة إلى أن الجوائز تُفيد الكاتب ماديا وتنعش حركة النشر وتساهم في أن يتفرغ قليلا لعمله الأدبي، ويعتبر أن الجوائز ساهمت في التعريف بأسماء مبدعة مهمة.
وبخصوص نظرته لمعارض الكتب والمهرجانات الثقافية، بحكم مشاركاته المتكررة في الكثير منها، يقول إن تلك المعارض والمهرجانات مهمة للغاية وتلعب دوراً كبيراً في مجال نشر الثقافة والمعرفة، وتوسيع دوائر القراءة والنشر، إضافة إلى كونها تساعد على معرفة أحدث التطورات الجديدة في عالم النشر والإبداع، داعيا إلى التوسع في تنظيم مثل تلك المعارض والمهرجانات خاصة المعنية بالكتاب ونشره، نظراً لكونها توفر فرصة لالتقاء القراء بالكُتّاب وفتح نقاش معهم عن قُرب حول مؤلفاتهم.
ويتحدث شريف عبدالمجيد عن العلاقة بين الأدب والسينما والدراما، ويرى أن المشهد التلفزيوني والسينمائي ينقصه أن يعتمد أكثر على الأعمال الأدبية لتكتمل الدائرة، لأنه عندما يعتمد السيناريو على نص أدبي يساهم في زيادة معدلات القراءة، ويطرح أفكاراً أكثر عمقا، مؤكدا على أن المشهد الإبداعي بخير، وأن النقد هو حجر الزاوية في التفسير وطرح تأويلات للنص الأدبي. ويضيف أن المشهد النقدي ربما يُعاني من قلّة المنابر التي تهتم بنشر الدراسات النقدية.
تجربة أدبية
حول مشواره الإبداعي وبداية علاقته بالأدب والفنون يقول عبدالمجيد إن البداية كانت من مكتبة والده حيث تعرّف على عوالم الفكر والأدب والفلسفة، ثم كانت مع أخيه الأكبر المخرج حلمي عبدالمجيد، الذي جعله يُحب السينما وعوالمها، حيث أتقن التصوير الفوتوغرافي، ثم بدأ الكتابة الأدبية في مرحلة الدراسة الجامعية.
وبخصوص التنوّع في كتاباته ومن أين أتى، والأقرب إليه من الأشكال الإبداعية التي مارسها، يقول لـ”العرب” إنه بدأ الكتابة خلال فترة الدراسة الجامعية، ونال جائزة الكلية في مجال القصة القصيرة، وحينها شعر بضرورة أن يعمل في المجال الثقافي والأدبي، أو الصحفي، وتوجه إلى دراسة فن السيناريو في أكاديمية المخرج علي بدرخان، وتمكن من الالتحاق بالعمل في التلفزيون المصري كمعد برامج وكاتب سيناريو أفلام تسجيلية، وهو الأمر الذي أفاده على مستوى الكتابة الأدبية سواء في القصة القصيرة أو المسرح أو الكتابة للأطفال، فكان هذا العمل بالنسبة إليه بمثابة ممارسة هواية يُحبها.
ويؤكد على أن كل ما مارسه من أشكال الكتابة الأدبية وغيرها، يبقى قريبا منه ويتساوى لديه، لكن يبقى الأدب -بحسب قوله- هو الأكثر خلوداً، ويوضح بأن هناك متعة خاصة في ممارسة كل حالة فنية، مبيّنا أن الأدباء الكبار اهتموا خلال مشوارهم الإبداعي بلغة الصورة والسرد البصري، وأن الصدق الفني هو المحرك دائما للإبداع.
وحول أقرب مؤلفاته إليه يقول إنه يعشق فن القصة القصيرة على وجه التحديد، وإن كل مجموعة قصصية كتبها بها مشاعر وتعبير عن الذات بشكل ما، معتبرا أن الكُتُب مثل البشر بعضها ينجح وبعضها الآخر يفشل أو لا يجد الذيوع والقبول النقدي والجماهيري، وأنه إذا كان عليه أن يختار فإن هناك عدة أعمال يحبها بشكل خاص مثل المجموعة القصصية “خدمات ما بعد البيع”، والتي حصدت جائزة ساويريس لشباب الأدباء عام 2008، ومجموعة “تاكسي أبيض” (2014)، والتي حققت عدة طبعات ولاقت قبولا نقديا، ومجموعة “صولو الخليفة” التي ترشحت للقائمة القصيرة لأفضل مجموعة قصصية لكبار الأدباء عام 2020، وهناك مجموعة لم تحقق ما تصوره لها من نجاح وهي مجموعة “الببلوماني الأخير” الصادرة عام 2022.
المشهد التلفزيوني والسينمائي ينقصه أن يعتمد أكثر على الأعمال الأدبية لتكتمل الدائرة، ما يساهم في زيادة معدلات القراءة
وبشأن من تأثر بهم في كتاباته من الكتاب، وتركوا أثراً لا يزال باقياً بداخله، يقول شريف عبدالمجيد لـ”العرب” إنه تأثر كثيراً بالأديب الكبير أنطون تشيخوف، وبالأدب الروسى عموماً: تورجنيف وتولستوى ومكسيم غوركي وميخائيل ليرمنتوف وبوشكين. بعد ذلك تأثر بأدباء فرنسا، مثل بلزاك وفيكتور هوغو، وتابع تطور المسرح الفرنسي خاصة مسرح العبث وصمويل بيكيت، وحركة المسرح الأوروبي: فرناندو أرابال ويوجين يونيسكو. وفي الأدب أحب إيتالو كالفينو ودينو بوتزاتي، وفي الأدب الأميركي تأثر بهمنغواي وريموند كارفر، وفي الأدب الألماني تأثر بكافكا، وفي الأدب المصري عشق يوسف إدريس وإبراهيم آصلان ومحمد مستجاب وعبدالحكيم قاسم، وبالطبع الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وفي القصة القصيرة تأثر بيحيى حقي والطاهر عبدالله ومحمد حافظ رجب ومحمد المخزنجي والكثير من المبدعين من أبناء جيله والأجيال التالية له، وحاول أن يتعلم منهم جميعا.”
وحول عوالمه الخاصة وطقوس الكتابة لديه، ومن أين يستلهم أفكار أعماله القصصية والمسرحية، يقول لـ”العرب” إن الأمر له مساران أساسيان؛ الأول هو حرصه على رصد أثر التكنولوجيا والعولمة على الفعل الإنساني وعلى علاقات البشر ببعضهم البعض، والمسار الثاني هو التعبير عن الذات والمشترك الإنساني، لأن الأدب في النهاية يجعلنا -بحسب قوله- أكثر إنسانية وفهما لدوافع وظروف وتصرفات الآخرين، ويوضح بأنه يفضل الكتابة في ساعات الليل، وأن “الأفكار على الطريق”، مشددا على أن المهم هو أن نعبر عن الأشياء بطريقتنا ولغتنا الخاصة.
يُذكر أن شريف عبدالمجيد كاتب مصري كتب في مجالي القصة والمسرح، وأجاد في كتابة السيناريو، ونجح في التصوير الفوتوغرافي، وعمل بالإعداد التلفزيوني والإخراج، كما اهتم بالكتابة للأطفال أيضا، وهو عضو باتحاد كتاب مصر وأتيليه القاهرة.
أصدر عدداً من المجموعات القصصية، منها “مقطع جديد لأسطورة قديمة” و”خدمات ما بعد البيع” و”فرق توقيت” و”جريمة كاملة” و”تاكسي أبيض” و”صولو الخليفة” و”الببلوماني الأخير”. وأصدر أيضا نصوصا مسرحية من بينها “احتمالات”. وصدر له من الكتب المصوّرة “أرض أرض” و”سيوة ظل الواحة” وغيرهما، إضافة إلى كتابة عدد من سيناريوهات الأفلام، ونيل عدد من الجوائز والتكريمات.