التراث الشعبي المغربي قوة ناعمة وعنصر جوهري في نسيج المجتمع

باحث مغربي يرصد أبرز أشكال الإنتاج الثقافي الشعبي.
الاثنين 2025/05/26
الأجيال الحالية والقادمة على اتصالها بماضيها

يزخر المغرب بتنوع ثقافي كبير يظهر في مختلف أشكال الثقافة الشعبية أو الثقافات الشعبية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، وإن كانت هذه الثقافة قد واجهت سابقا التهميش وعدم الاعتراف بها، فإنها تحولت اليوم إلى قوة ناعمة فاعلة، وتغيرت النظرة إليها بصفتها عنصرا جوهريا في التكوين الثقافي المغربي وأداة أصيلة يعبر من خلالها المغاربة عن أنفسهم.

القاهرة - يزداد الاهتمام داخل المؤسسات الأكاديمية في المغرب بالثقافة الشعبية، وتتوسع الدراسات التي تتناول تلك الثقافة بمختلف ألوانها وأجناسها، من فنون وآداب وعادات وتقاليد متوارثة بين المغاربة في مناطق البلاد.

وقد رأى باحثون ومهتمون أن حقل الثقافة الشعبية في المغرب يشهد تحولا نوعيا بفضل الاهتمام الكبير بها، وإقبال الطلاب الجامعيين على دراسة كل ما يتعلق بتراثهم الثقافي والشعبي.

اهتمام بالثقافة الشعبية

حقل الثقافة الشعبية في المغرب يشهد تحولا نوعيا واهتماما كبيرا بإقبال الباحثين على دراسة تراثهم الثقافي والشعبي

في كتابه “التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي”، الصادر حديثا عن معهد الشارقة للتراث، يرصد لنا الكاتب والباحث المغربي عزيز العرباوي، صور ذلك التحول المغربي في الاهتمام بالتراث الشعبي للبلاد.

ويقول العرباوي في مقدمة كتابه “إن هذه الثقافة أصبحت بعيدة عن الغرائبية وعن السخرية والاستهزاء الذي لحقها منذ زمان، وقريبة من الاهتمام الشعبي لأغلب أفراد المجتمع المغربي، ومن الإحساس بأهميتها، وأن ذلك يبدو واضحا من خلال الأبحاث الأكاديمية المتعددة والمتناسلة كل سنة، أو من خلال الندوات الفكرية والثقافية التي تعقد هنا أو هناك، أو من خلال الاهتمام الإعلامي الجاد الذي ينقلها من ثقافة شعبية شفاهية إلى مستوى ثقافة الصورة والسماع.”

وقد تعددت محاور كتاب “التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي”، وتنوعت موضوعاته التي تدور في فلك التراث الشعبي المغربي، والتي توزعت على فصوله وصفحاته.

ومن بين تلك الموضوعات والعناوين: مفهوم الثقافة الشعبية، والأدب الشعبي وواقعيته، والنص الأدبي الشعبي، واللغة العامية لغة الأدب الشعبي، والأديب الشعبي، والأدب الشعبي الأمازيغي، والأغنية الشعبية وتعريفها ومواضيعها ووظائفها، ورمزية الغناء الجالس، والفرجة التراثية وأشكالها، ومروضو الأفاعي والحيوانات، والملاكمة والألعاب الرياضية والبهلوانية.

ومن محاور وموضوعات الكتاب أيضا: الخطاب الحجاجي في الأمثال الشعبية، وتعريف المثل الشعبي وخصائصه، والمرأة في المثل الشعبي، ونماذج لبعض الأمثال الشعبية وتحليلها، والمثل الشعبي الأمازيغي، و الشعر الشعبي المغربي الحديث، و مدخل إلى فهم الزجل، والبطل في الحكاية الشعبية، وغير ذلك من المحاور والموضوعات.

تنوع ثقافي

الكتاب يقدم رؤية جديدة لمفهوم الثقافة الشعبية وخصائصها، مؤكدا أهميتها وحيويتها بالنسبة إلى الشعب المغربي
الكتاب يقدم رؤية جديدة لمفهوم الثقافة الشعبية وخصائصها، مؤكدا أهميتها وحيويتها بالنسبة إلى الشعب المغربي

سعى الباحث في مؤلفه إلى تقديم رؤية جديدة لمفهوم الثقافة الشعبية وخصائصها، والتأكيد على أهمية الثقافة الشعبية وحيويتها بالنسبة للشعب المغربي، الذي يعتبر هذه الثقافة مكونا من مكونات الثقافة والهوية الوطنية.

ورأى مؤلف الكتاب عزيز العرباوي أن هذا التنوع الثقافي داخل المغرب بات في حاجة إلى المزيد من الدراسات المنهجية والسوسيولوجية التي تساهم، بحسب قوله، في نفض الغبار عن العديد من الإنتاج الثقافي الشعبي الذي ظل فترة يعاني من اللامبالاة والاستسهال في التعاطي معه، بل الاستهزاء منه ونبذه واعتباره مسبة أو شيئا تافها، وهي الصورة التي تغيرت اليوم بحسب فصول الكتاب ونصوصه.

ويدلنا الكتاب على أنه بالرغم من أن بعض أشكال التعبير الأدبي الشعبي، من فنون الحلقة، وأشعار شعبية، وأمثال، وحكايات شعبية، وألغاز، وحكم، وخرافات، وأساطير… قد أصبحت محط اهتمام بعض المثقفين المغاربة، وموضوع جمع وبحث أيضا، فإنها لم تصل إلى مستوى الدراسة المستفيضة والمنهجية التي ترقى بها من مجرد أشكال تعبيرية شعبية إلى أشكال تعبيرية ثقافية تساهم في الرقي بالثقافة الوطنية وبالشخصية المغربية بمختلف مكوناتها الفنية والإبداعية والأدبية عموما.

وبحسب الكتاب، فإن الثقافة التي تنتمي إلى شعب ما هي إلا مجموعة مكتسبة من الخصائص والصفات، ترسم للإنسان خصائص معينة للسلوك، تقوم على مجموعة من المثل والقيم والمفاهيم الموروثة يتمسك بها ويحرص على الحفاظ عليها.

وهذه الخصائص والصفات تتوفر لديه انطلاقا من العصور والأجيال السابقة، وذلك نتيجة للتطور العقلي والوجداني والاجتماعي والثقافي الذي عرفته مراحل حياته. فهذه الخصائص والصفات هي التي ترسم معالم الحياة الإنسانية وتصنع تاريخ البشرية وتحدد الواقع المعيش وترسم المستقبل الواعد الذي يتصور الإنسان خصائصه وأساليبه وبالتالي تحافظ على الارتباط به وعدم الانفصال عنه.

الإنسان سجين تراثه

مدخل إلى فهم التراث الشعبي المغربي
مدخل إلى فهم التراث الشعبي المغربي

وفقا لنصوص كتاب “التراث الشعبي المغربي: دراسات نقدية في عناصر الأدب الشعبي”، فإن الإنسان بطبعه سجين للثقافة بكل تجلياتها، وبالتالي فهو سجين لتراثه يصعب عليه فك الارتباط به… وما عليه إلا التوفيق بين ثقافته التي تستمد جذورها من التراث والماضي الذي يتسم بالعديد من الخصائص المرتبطة بالمقدس والإيمان والاعتقاد، وبين ثقافة عصرية جديدة ترتبط بالتقنية والإبداع والابتكار والعلم.

هذا التوفيق لا محالة سيساعد الأجيال الحالية والقادمة على اتصالها بماضيها وتراثها مع تطويره وإلباسه لبوسا عصريا سواء من حيث اللغة أو من حيث تقنيات الإبداع والتجديد، حيث تبقى تجربة الماضي حاضرة في أذهان أي شعب كلما أراد الاهتمام بحاضره الذي يعيشه، أو أراد البناء للمستقبل ضمن التطور المستجيب لمتطلبات هذا الشعب وحاجياته المختلفة.

وذهب مؤلف الكتاب إلى التأكيد على تجدد الثقافة الشعبية لتتواكب وتتماشى مع متغيرات العصر، وقال “إن الثقافة الشعبية التي تتنوع حسب حامليها والمحمولة إليهم تعيش في تجدد مستمر يساير حركية ودينامية الجماعة التي تعبر عنها”، ولفت إلى أن من صفات الثقافة المميزة، أنها تعيش تغيرا مستمرا، وتجددا متعاقبا، وأرجع ذلك إلى تواصل عملية الإبداع الثقافي، وموالاة الناس لها. وتناول بالدراسة والتحليل أحد أجناس هذه الثقافة الشعبية، والذي يعبر عنه بالأدب الشعبي بكل أنواعه وألوانه الإبداعية.

ونتعرف من الكتاب على أن الأدب الشعبي يهتم بتصوير الخوارق والقصص الأسطورية، وأنه ليس مستبعدا أن يكون الأدباء هم الذين نسجوا الخوارق أو على الأقل كانوا هم العامل الأساسي في تخليد قصصها وأساطيرها ومأثوراتها.

وبذلك فالأدب هو جزء من الثقافة لا يبقى محصورا بين التعبير وأدوات التعبير، بل إنه يدور في المحور العام الذي تدور فيه حياة المجتمع، فيتأثر به ويتقولب عليه شكلا ومضمونا، ويعكس جوانب منه بالإفصاح أو بالرمز، بحيث يشكل الأدب ذخيرة نفيسة بالنسبة إلى المؤرخ الذي يعرف كيف يتعامل معه.

يذكر أن مؤلف الكتاب عزيز العرباوي هو كاتب وباحث مغربي، مهتم بالأدب والتراث العربي، ويتمتع بعضوية عدد من المؤسسات الصحفية والثقافية، وقد صدر له العديد من المؤلفات المتعلقة بالأدب والتراث من بينها “تجليات التراث في الفكر العربي والإسلامي: الجابري وأركون نموذجا” 2013، و”رمزية الماء في التراث الشعري العربي” 2015، و”بلاغة الخطاب السردي في الرواية السعودية: مقاربة تداولية لرواية طوق الحمام للروائية رجاء عالم”، و”السرد الروائي النسوي: الحرية، الذات، الجسد” 2019، وغير ذلك من المؤلفات.

12