المشكلات اللوجستية وقلة المخازن تهددان محصول الحبوب في تونس

تصاعد الدعوات لوضع خطة تكبح التوريد وتمنع إهدار الإنتاج.
الثلاثاء 2021/06/08
طرق بدائية تلتهم قوت التونسيين

تتفاقم هواجس الخبراء من تكرار الحكومة التونسية لأخطاء سابقة فيما يتعلق بجمع محصول الحبوب للموسم الحالي وتخزينه، والذي يُتوقع أن يكون استثنائيا رغم موجة الجفاف المستمرة منذ سنوات، خاصة وأن البلد في أمسّ الحاجة إلى تعزيز كفاءة سلسلة الإنتاج في ظل تفاقم القلق من عدم جدوى الخطط الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي.

تونس - تطرح المشكلات اللوجستية وقلة صوامع تخزين الحبوب جدلا واسعا داخل الأوساط الاقتصادية التونسية في كل مرة ينطلق فيها موسم الحصاد، وذلك بالنظر إلى عجز الدولة عن تحديث طرق معالجة سلاسل الإنتاج وتقليص كميات إهدار المحصول.

ورأى مختصون في القطاع في تصريحات لـ”العرب” أن الجهات المعنية مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى بتفادي المشاكل المتعلقة بالطرق البدائية في عمليات الجمع والتخزين في ظل تعدد المخاطر الزراعية المتعلقة بالجفاف وسوء التصرف الذي أدى إلى تضرر المحصول من الحرائق والإتلاف.

وكانت الحكومة قد أكدت السبت الماضي بعد أيام من انطلاق الحصاد في العديد من المناطق الزراعية أنها تتوقع زيادة في كميات محصول الحبوب لهذا الموسم بنسبة 7 في المئة قياسا بالموسم الماضي ليبلغ نحو 1.65 مليون طن، وهي أقل من تقديرات سابقة كانت قد أعلنت عنها وزارة الفلاحة عند نحو 1.9 مليون طن.

وهذه الكمية أقل من مستوى موسم 2018 – 2019 حينما تجاوز محصول الحبوب نحو 2.1 مليون طن، ارتفاعا من حوالي 1.4 مليون طن في الموسم الذي سبقه، في بلد تساهم فيه الزراعة بنحو 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

عمر الغزواني: مناطق إنتاج الحبوب تفتقد إلى صوامع تخزين كبرى
عمر الغزواني: مناطق إنتاج الحبوب تفتقد إلى صوامع تخزين كبرى

ومن شأن هذه التقديرات أن تضاعف حاجة البلاد إلى استيراد المزيد من مادة القمح اللين لسد الحاجيات الغذائية من الخبز تحديدا. حيث تخصص تونس معظم أراضيها الزراعية الخصبة للقمح الصلد، وتستورد بشكل أساسي القمح اللين والشعير.

ويواجه المشرفون على القطاع وخاصة ديوان الحبوب التابع لوزارة الفلاحة مشكلات على مستوى تأهيل هذا المجال بما فيها الاستفادة من المحاصيل بهدف تقليص عمليات التوريد التي تلتهم جزءا من ميزانية الدولة كل عام.

وأكد عمر الغزواني رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بولاية جندوبة، التي تعد من أهم مناطق إنتاج الحبوب إلى جانب باجة وبنزرت، لـ”العرب” أن “الموسم الحالي من أصعب المواسم التي مرّت بها الزراعة، نظرا لفقدان الأسمدة الكيميائية والنقص الفادح في مادة الأمونيتر، وهو ما كبد المزارعين خسائر”.

ويتخوف الغزواني من تكرار مشاكل النقل والتخزين في السنوات الأخيرة، فضلا عن وجود شبهات فساد تتعلق بالحبوب. وقال “للأسف ما دام المخطئ لم يحاسب، فالأخطاء ستتكرر”.

وأشار إلى أنه في موسم 2019 تم إهدار كميات كبيرة من الحبوب نتيجة ضعف طاقة التخزين “ولم نسمع بمحاسبة مسؤول واحد، كما لم نقدر على الحفاظ على تلك الكميات”.

وتظهر أرقام وزارة الفلاحة أن مجموع الأراضي القابلة للزراعة في البلاد يبلغ نحو خمسة ملايين هكتار، لكن المستغل منها لا يتجاوز نسبة 24 في المئة، الأمر الذي لا يُمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي من الاستهلاك السنوي من الحبوب، والذي يبلغ نحو 3 ملايين طن.

منير العبيدي: التخزين يجب أن يتم منذ اليوم الأول من جمع المحاصيل
منير العبيدي: التخزين يجب أن يتم منذ اليوم الأول من جمع المحاصيل

ويعيب الغزواني على السلطات عدم الاهتمام ببناء صوامع تخزين جديدة في مناطق الإنتاج، والاكتفاء بالأساليب القديمة المتمثلة في نقل المحصول إلى مناطق أخرى تضم مخازن تجميع، مما يؤدي إلى تواصل الإهدار وزيادة التكاليف في ظل الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها تونس.

وبسبب عوامل متداخلة تتقدمها سوء إدارة القطاع وموجة الجفاف والحرائق، تلجأ تونس إلى التوريد من السوق العالمية لتغطية الطلب المحلي من الحبوب، وخاصة القمح اللين، مما يضغط على الميزانية السنوية الضعيفة للدولة. ولكن هذه المشاكل تلتقي مع مشاكل أخرى تتلخص في الخدمات اللوجستية.

وقال منير العبيدي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بولاية الكاف لـ”العرب” إنه “تم التركيز على القطاع اللوجستي من بينها أن يكون لكل المجمعين مراكز تمثيلية في كل منطقة”.

وأضاف “هناك مشكلة تتكرر كل موسم تتمثل في قطع الغيار التي ترتفع أسعارها، وطالبنا وزارة التجارة بمراقبتها، فضلا عن عمليات النقل التي يجب أن تكون منذ اليوم الأول من جمع المحصول بالاتفاق مع ديوان الحبوب، بالإضافة إلى تفعيل شبكة السكك الحديدية لنقل الحبوب من المراكز”.

ولفت العبيدي إلى غياب الإرادة السياسية لتحقيق الأمن الغذائي من الحبوب، ورأى أنه لا مفر للسلطات من دعم القطاع حتى تستفيد الخزينة العامة من إيرادات إضافية، خاصة مع توفر الإمكانيات للإنتاج.

بدرالدين القمودي: التحكم أكثر في توريد القمح تجنبا للخسائر أمر لا مفر منه
بدرالدين القمودي: التحكم أكثر في توريد القمح تجنبا للخسائر أمر لا مفر منه

وتمارس أوساط القطاع وبرلمانيون ضغوطا على الحكومة منذ أشهر من أجل تفادي المشكلات في عمليات الجمع والتخزين قدر المستطاع، مع التحكم أكثر في عمليات التوريد وملاحقة لوبيات الفساد، التي تحاول استغلال الفوضى لتحقيق عوائد أكبر على حساب الفقراء.

وأكد بدرالدين القمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام في البرلمان على ضرورة حماية المحاصيل من كل محاولات الحرق والإتلاف، والتحكم في توريد القمح ودون السقوط في صفقات التوريد التي تكلف ملايين الدولارات.

وقال إن “قضية القمح الفاسد الوارد على ميناء سوسة في 2019 وكميات القمح التي تم إهدارها في باجة، فضلا عن حرق المحاصيل الزراعية لفائدة لوبيات تتمعّش من استيراد القمح بيد القضاء”.

وتشير البيانات الرسمية إلى اتساع الهوّة الكبيرة في الأمن الغذائي في تونس بسبب غياب رؤية حكومية واضحة لمعالجة التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، والتي تفاقمت بشكل كبير منذ عام 2011.

ورغم محاولات الحكومة السابقة اعتماد إجراءات لتعزيز دور القطاعين العام والخاص في مجال الاستثمارات الزراعية للحد من الواردات الغذائية التي ترهق موازنة الدولة، لكن من الواضح أنها غير كافية.

وتؤكد العديد من الدراسات أن العجز الغذائي في تونس مرشح للتفاقم بسبب تراجع القدرات الإنتاجية بسبب شح المياه وتآكل الرقع الزراعية وتعذر الإنتاج أحيانا في ظل حالة الجفاف.

10