المسرح السعودي لا يمتلك خشبة حتى الآن.. فكيف سينطلق؟

المسرحيون محبطون في ظل ظروف غير مواتية بين "هيئة المسرح" ووزارة الثقافة.
الخميس 2020/02/20
على المسرح المنشود أن يلبي التطلعات

يعيش المسرح السعودي هذه الأيام أوج ازدهاره وتألقه، فقد منحته وزارة الثقافة فرقة وطنية خاصة، ومسرحا وطنيا وهوية وهيئة، والعديد من الوعود التي يمكن أن ينطلق من خلالها إلى آفاق لم يكن ليستطيع الوصول إليها قبل عامه هذا، بسبب غياب الدعم، وانعدام التنظيم المركزي، بالإضافة إلى عدم وجود المسرح بصورته الكلاسيكية التي تضمن في أبسط صورها وجود خشبة وكواليس ومقاعد يستطيع أن يجلس عليها جمهوره.

في أبريل 2019، عين وزيرُ الثقافة السعودي الفنانَ عبدالعزيز السماعيل رئيسا لفرقة المسرح الوطني، حيث تعد الفرقة واحدة من المبادرات التي أعلنت عنها وزارة الثقافة في حفل تدشين رؤيتها وتوجهاتها في مارس 2019، وشمل الإعلان عن 27 مبادرة ثقافية و16 قطاعا.

وقبل أيام وقّع الأمير بدر بن عبدالله بن محمد الفرحان آل سعود، وزير الثقافة السعودي، على أوراق تعيين سلطان البازعي رئيسا تنفيذيا لهيئة المسرح والفنون الأدائية التي سيكون لها دور في وضع استراتيجية قطاع المسرح والفنون الأدائية في المملكة ومتابعة تنفيذها.

 كما ستكون الهيئة مخولة بإصدار التراخيص الخاصة بالأنشطة المسرحية، وستقوم ببناء البرامج التعليمية ذات العلاقة بالمسرح وتقدم المنح الدراسية للموهوبين بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وإقامة الدورات التدريبية، واعتماد البرامج التدريبية المهنية والجهات المانحة للشهادات المختصة بالتدريب في المجالات ذات العلاقة.

علامة استفهام

اليوم، وأمام هذين التعيينين اللذَين يفصلنا عنهما قرابة العام، يقف المسرحيون السعوديون راسمين علامة استفهام كبيرة حيال وضعية الفرقة المسرحية وهيئة المسرح، وما الفرق الجوهري بين مهامهما، ثم لماذا أطلقت الوزارة الفرقة ودشنت المسرح الوطني ثم أطلقت11 هيئة من بينها هيئة المسرح، وهل تجد الوزارة في هذه السلسلة من القرارات سببا تتابعيا منطقيا، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد قرارات متسرعة، وغير مدروسة، كل قرار لا يعتني بسابقه.

وما يدلل على ذلك بحسب رؤية المسرحيين هو عدم معرفتهم حتى الآن بحقيقة ما يجري في الفرقة المسرحية وهيئة المسرح، وما هو دورهم في الفرقة أو الهيئة.

كيف ستعمل هيئة المسرح والفنون الأدائية على تطوير المسرح السعودي بمعزل عن أبطال الخشبة والنص؟

في هذا الشأن، تساءل بعض المسرحيين حول قرار الوزير الأخير، وما إذا كان سيلغي صلاحيات عبدالعزيز السماعيل وفرقته المسرحية الوطنية، بحيث يكون مجرد موظف إداري لدى هيئة البازعي، أم أنهما سيمضيان بفريقيهما بخطين متوازيين، كل منهما يكمل الآخر من خلال مهامه المرتبطة به. وهل يعلم المسرحيون حقيقة وطبيعة هذه المهام؟

لقد خرج معظم المسرحيين السعوديين، الشهر الماضي، من حفل تدشين المسرح الوطني السعودي وهم في حالة إحباط كبيرة، حيث غابت عنهم الاستراتيجيات والفهم الحقيقي لما هو عليه الأمر داخل أروقة مكاتب الإداريين في الوزارة، بالإضافة إلى إحباطهم من العرض الافتتاحي الذي رأوا أنه لا يمثل حقيقة وعمق منتجهم التراكمي خلال العقود السابقة.

هذا الإحباط دفعهم إلى المزيد من الأسئلة مثل: كيف ستعمل هيئة المسرح والفنون الأدائية على تطوير المسرح السعودي وهي تدشن مسرحها وخططها واستراتيجيتها دون العودة إلى أبطال الخشبة والنص الذين هم الأقدر والأعرف بكل هذه الاحتياجات.

إنشاء المسارح

يؤكد المسرحيون بأن رئيس الهيئة الجديد سلطان البازعي هو الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو ابن من أبناء المسرح السعودي الذي أسهم في بناء شخصيته منذ أيام دراسته الأولى، وأنه اقترب من المشهد المسرحي كثيرا عندما تولى مسؤولية الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، مقتربا بذلك بشكل لصيق ويومي من المسرح ومشهده، ومن العاملين في قطاعه على مستوى المملكة.

في ظل غياب الاستراتيجيات الرسمية المفصلة علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيصنع سلطان البازعي في "الهيئة"، وماذا ستصنع له
في ظل غياب الاستراتيجيات الرسمية المفصلة علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيصنع سلطان البازعي في "الهيئة"، وماذا ستصنع له

تصريحات البازعي التي أطلقتها وزارة الثقافة عبر منصتها بمناسبة تعيينه تنم عن قلقه حيال المنصب الذي شغله للتو، فإجاباته كانت على هيئة آمال وتوقعات وتطلعات، وكأنه من البداية يخبرنا بمدى ضخامة الإسفين بين ما يفكر به هو وبين ما يمكن أن تقدمه الوزارة إليه.

ففي سؤال للبازعي عن ماذا ستقدمه الهيئة للمسرح، أجاب “ستعمل على تطوير العمل على مستوى المملكة بتمكين العاملين فيه، وزيادة عددهم وبالتدريب وبإنشاء المسارح، حيث نأمل أن لدى الوزارة خطة طموحة لإنشاء المسارح في جميع أنحاء المملكة، وسنعمل مع المسرحيين عن قرب لإيجاد حلول للمشاكل التي يواجهونها، وسنعمل على ترقية أدائهم وإمكانياتهم ليرتقوا بالمسرح، بحيث يقبل الجمهور على أعمالهم، ونعمل على أن يكون المسرحيون قريبين من الهيئة، وأن يكونوا قريبين من الجمعيات التي يفترض أن ينشئوها إن شاؤوا ذلك”.

وأوضح البازعي في تصريحاته أن هيئة المسرح بنت استراتيجيتها بناء على استراتيجية وزارة الثقافة، ورغم أن الهيئة تعمل في إطار الوزارة باستقلال فني وإداري، إلا أن كلا الجهتين تعملان ضمن توجهات رؤية المملكة 2030.

من الواضح أن البازعي لم تطلق يداه للريح بالكامل، أو هكذا يبدو الأمر، فهو ما زال مكبلا باستراتيجية الوزارة، وبميزانيتها ودعمها الذي -حتى الآن- لم يعلن عنه بصورة رسمية، لهذا فهو يأمل في شيء لا يخيّب أمله وأمل فريقه، كما كان خائبا حين كان رئيسا لمجلس جمعية الثقافة والفنون التي لم تتجاوز ميزانية فروعها 16 مليون وستمئة ألف ريال فقط (426.666 ألف دولار) سنويا، أي بواقع (26.666 ألف دولار) لكل فرع. هذه الميزانية الضعيفة التي بالكاد كانت تضمن أن تستمر الضيافة والشاي والقهوة والاحتياجات الإدارية الأساسية؛ من أجهزة وطابعات وفواتير كهرباء ومياه في الاستمرار.

الآن، وفي ظل غياب الاستراتيجيات الرسمية المفصلة علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيصنع البازعي في الهيئة، وماذا ستصنع له. وفي غضون ذلك، سيستمر المسرح السعودي -الذي لا يمتلك خشبة واحدة حتى الآن- في العطاء والتميز بممثليه وبكتابه وبمخرجيه، سواء بوجود الهيئة أو بغيابها.

14