"المتدرب" يعيد اكتشاف مزايا الاتحاد بين النساء والمسنين

بعد حوالي ست سنوات من التوقف عادت المخرجة الأميركية نانسي مايرز إلى هوليوود مجددا بفيلم “المتدرب” الذي يشبه كثيرا أبرز أفلامها، سواء في تسليط الضوء على فئات يمكن تصنيفها بالمهمشة في المجتمعات الغربية، أو في تناول علاقات اجتماعية من منظور جديد، وكل ذلك في إطار كوميدي لطيف وخلطة تجارية مضمونة الربح.
الثلاثاء 2015/10/27
فيلم "المتدرب" يمنح مشاهديه الأمل في الحياة

نجحت مجددا المخرجة الأميركية نانسي مايرز التي تصنف في العديد من الاستفتاءات الأميركية كواحدة من أبرز المخرجات النساء في تاريخ هوليوود، في تحقيق التوازن الصعب في فيلمها الجديد “المتدرب” بين إرضاء النقاد الباحثين عن تميز نوعي في السيناريو والأداء والإخراج، وبين إرضاء شركات الإنتاج التي تبحث بالطبع عن تعظيم العوائد المادية، حيث حقق الفيلم في أسبوعه الأول إيرادات تزيد قليلا عن 72 مليون دولار في أميركا والعالم.

قصة الفيلم تدور حول بن ويتاكر (روبرت دي نيرو) وهو أرمل في السبعين من عمره يعاني من الوحدة والشعور المستمر بأنه زائدة مجتمعية تنتظر الاستئصال، يجد فرصة ذهبية للعودة إلى سباق الحياة من جديد من خلال إعلان لشركة متخصصة في تسويق الأزياء إليكترونيا تطلب فيه متدربين مسنين كنوع من التجربة.

حماس ويتاكر لاستعادة صخب الحياة العملية الذي افتقده يدفعه إلى التقدم، متجاوزا حقيقة جهله الكبير بالتكنولوجيا والإنترنت، مثلما تجبر الشركة على قبوله متجاهلة بدورها هذا العيب.

ويتعرض ويتاكر داخل الشركة للإهمال خصوصا من صاحبتها سيدة الأعمال الشابة جولز أوستن (آن هاثاواي) التي أكسبتها علاقتها السيئة بوالدتها حساسية من التعامل مع المسنين، لكن مثابرة العجوز تسمح له بلفت انتباه أوستن، قبل أن تتكلل بتوليه قيادة سيارتها الخاصة على سبيل التطوع بعد أن لاحظ أن سائقها يتعاطى المخدرات.

وتفرض الظروف شيئا فشيئا تسلل ويتاكر إلى حياة جولز الشخصية، حيث زوجها الذي تقاعد من عمله ليعتني بطفلتهما ويسمح للزوجة بالانهماك في عملها، ورغم ضيقها من هذا التدخل في البداية إلاّ أن المعاملة اللطيفة من ويتاكر ووجوده، حيث يجب أن يكون في العديد من المواقف يكسبه ثقة جولز، لتتحول العلاقة إلى أب وابنة.

ذروة الدراما في العمل تبدأ حين يلاحظ ويتاكر زوج جولز المحب المتفاني وهو يقبل سيدة غريبة في سيارة أمام منزلهما، فيكتئب ولا يعرف كيفية التصرف حتى تفاجئه جولز بأنها تعرف خيانة زوجها، لكنها لا تستطيع مواجهته خوفا من أن تعيش وحيدة.

المخرجة مايرز تتألق من جديد بخلطة درامية ناجحة، وتناول لقضايا اجتماعية لا تعيبها سوى النهاية غير المنطقية

كعادته طوال أحداث الفيلم يقدم ويتاكر الدعم النفسي لجولز لتتجاوز الموقف، مثلما يعزز ثقتها بنفسها للاستمرار في رئاسة الشركة وتجاهل طلب المساهمين لتعيين رئيس تنفيذي متمرّس لها، وهو ما ساعد أوستن في تجاوز كل المشاكل والاستمرار في طريق النجاح، خصوصا بعد أن اعترف زوجها بنزوته وطلب السماح منها.

الفيلم كما يظهر من السطور السابقة يحمل نفس السمات والأفكار والخلطة التي ساهمت في إنجاح أفلام نانسي مايرز السابقة. والقاسم المشترك بين كل أفلامها أنها تتبنى قصصا اجتماعية مهمة في قالب من الكوميديا، تناصر قضايا المرأة والمسنين وتبرز احتياجاتهم الإنسانية والاجتماعية، وترصد مشاكل الطلاق على الزوجات والأطفال، والمفارقة أنها كلها حققت إيرادات فاقت التوقعات، فضلا عن ترشح الكثير منها لجوائز مختلفة داخل أميركا وخارجها مثل الغولدن غلوب والأوسكار وبافتا وغيرها.

في “المتدرب” تشعر ببعض روائح العنصرية تسيطر على مايرز، خاصة في تناولها لمشكلة خيانة زوج جولز أوستن لها، فقد تجاهلت البحث العميق عن دوافع الزوج للوقوع في حبائل سيدة أخرى وخيانة زوجته، واكتفت بوضعه في موقف المتهم على ألسنة أبطال العمل ما جعل الأمر يبدو مختلقا دراميا، خصوصا في ظل تقديم الفيلم له في صورة الرجل المثالي الذي ضحّى بنجاحه المهني عن طيب خاطر من أجل إفساح المجال لنجاح زوجته.

أما في قضية المسنين ونظرتهم للحياة كضيوف مؤقتين عليها، فقد نجحت مايرز التي كتبت سيناريو الفيلم أيضا في تقديم مقاربة مختلفة تبعث على الحماس، ليس فقط في قدرة ويتاكر على تجاوز إشكاليات العودة لسوق العمل بكل تفاصيلها، بل قبل ذلك كإنسان له احتياجات ومشاعر قد لا يستسيغ الشباب رؤيته وهو يمارسها، من خلال علاقته العاطفية مع فيولا المدلكة (رينيه روسو) وهي أرملة وجدة مثله.

ولعل من المفارقات الساخرة التي أحسنت نانسي مايرز توظيفها في الأحداث أن أول لقاء غرامي بين العجوزين كان في جنازة صديق لويتاكر، لكن رهبة المكان والحدث لم تؤثر في اندفاع المشاعر بين الحبيبين المسنين اللذين تعاملا معها بأريحية مثيرة للإعجاب.

وفي المقابل يحسب على مايرز ضعفها الشديد أمام النهايات السعيدة التي حققتها في كل أفلامها المذكورة، وأعادتها في “المتدرب” بشكل غير منطقي حينما دفعت الزوج لمصارحة زوجته بخيانته لها وطلبه السماح دون أيّ مبرر، سواء لخيانته في البداية أو للنـدم عليهـا في النهـاية دون تدخـل خـارجي، وكذلك دون تصعيد منطقي للمشكلة.

باختصار فإن “المتدرب” فيلم يمنح مشاهديه المتعة والأمل اللذين يبحثون عنهما، وهو استمرار لنجاح مايرز في تناول قضايا اجتماعية جادة من منظور غير تقليدي، دون أي محاولة للفلسفة أو الاستعراض غير المبرر عبر إقحام مشاهد إثارة مجانية مثلا أو في الديكور، وهو ما يسرب إليك إحساسا بأنك جزء من أحداث الفيلم، وليس مجرّد متلق له.

16