القضاء المصري يحمّل الآباء عقوبة جرائم أبنائهم

أدى تراخي الجهات التشريعية المصرية في تعديل قوانين الطفل التي تمنع تشديد العقوبة على الصغار الذين لم يتجاوزوا سن الثامنة عشرة في حال ارتكابهم جرائم خطيرة تصل حد القتل، إلى محاسبة أرباب الأسر على جرائم أطفالهم. وأبدى كثيرون تأييدهم لفكرة معاقبة الأهل على سوء التربية، معتبرين أن الطفل في النهاية يكتسب الصفات الحسنة أو السيئة من البيئة الأسرية التي يعيش فيها.
القاهرة – بدأت المؤسسات القضائية في مصر التوسع في محاسبة أرباب الأسر على جرائم أطفالهم، بعدما ضاقت ذرعا بتراخي الجهات التشريعية في تعديل قوانين الطفل التي تحظر تغليظ العقوبة على الصغار الذين لم يتجاوزوا سن الثامنة عشرة عاما، حيث إن أقصى عقوبة للطفل الذي يتعمد القتل حبسه 15 سنة.
وقال المستشار حمادة الصاوي النائب العام المصري، في تصريحات صحافية قبل أيام، إنه “لم يعد هناك بديل سوى توجيه العقوبة إلى الآباء الذين يتساهلون مع أطفالهم، ويدفعونهم بشكل غير مباشر لارتكاب جرائم، مثل السماح لهم بحمل أسلحة وقيادة السيارات في سن صغيرة، فبعضهم صار يقتل أبرياء بسبب رعونة الأهالي.”
ولم يخف المسؤول المصري امتعاضه من عدم تعديل قوانين الطفل، لأن الزمان تغير، وأصبح هناك صغار يرتكبون جرائم بشعة، لكن القضاء يده مغلولة في إصدار أحكام رادعة ضدهم، لأنه في النهاية ملتزم بتشريعات تحدد العقوبة.
وأبدى كثيرون تأييدهم لفكرة معاقبة الأهل على سوء التربية، لأن الطفل في النهاية يكتسب الصفات الحسنة أو السيئة من البيئة الأسرية التي ترعرع فيها، وهناك شريحة من الأهالي تربي الأبناء على كسر هيبة القانون والحصول على حقوقهم بأيديهم، للإيحاء بأنهم أقوياء، أما من يلجأ إلى القضاء فيبدو في نظرهم شخصا ضعيفا وقليل الحيلة.
وفسّر محمد سيد أحمد، وهو محامٍ مختص في الشؤون الأسرية، معنى معاقبة الآباء، بأن هناك موادّ في القانون أتاحت للسلطة القضائية محاسبة الأسر على الإهمال في تربية ورعاية أولادها، وهو غالبا ما كان يُطبق على الأم، باعتبارها المسؤولة عن حماية صغارها من الأخطار التي تلقي بهم إلى التهلكة، لكن الجديد أنه سيتم توسيع قاعدة التطبيق لتشمل الآباء.
وأضاف لـ”العرب”، أن “إعلان رأس المنظومة النيابية عن مساءلة أرباب الأسر على سوء التربية والإهمال، رسالة ترهيب للعائلات، بأن ضعف العقوبات المنصوص عليها في قوانين الطفل، لا يعني إفلاته وأسرته من العقاب مهما تم ارتكاب أخطاء وجرائم في حق الآخرين، بل إن العنصر المهم في منظومة الأسرة، هو الأب”.
وشهدت الآونة الأخيرة، صدور قرارات كثيرة بحبس آباء ارتكب أولادهم جرائم، مثل القتل العمد وقيادة سيارة دون ترخيص وحيازة سلاح، لكن الجديد أن هناك نية لدى الحكومة للتوسع بمحاسبة الآباء في وقائع أخرى، ليس شرطا أن ترتقي إلى مستوى الجريمة، باعتبارهم مسؤولين عن سلوكيات أولادهم داخل وخارج البيت.
لم يعد هناك بديل سوى توجيه العقوبة إلى الآباء الذين يتساهلون مع أطفالهم، ويدفعونهم بشكل غير مباشر إلى ارتكاب جرائم، مثل السماح لهم بحمل أسلحة وقيادة السيارات في سن صغيرة
والمتابع لوقائع اعتداء أطفال بشكل يتنافى مع البراءة، يكتشف أن بعض الآباء يشجعونهم على هذا التصرف، حيث شهدت مدارس حكومية بمصر وقائع ضرب معلمين على يد طلاب صغار، والمفارقة أن أولياء الأمور عندما يذهبون إلى المدرسة يبررون تصرفات أولادهم، وقد يستكملون الاعتداء بعد اتهام المعلم بأنه أساء التصرف معهم.
ويرى متخصصون في شؤون الطفل، أن الصغار بطبعهم يتصرفون في حياتهم العادية بالطريقة التي تربوا عليها، وهناك أسر تغذي في نفوس الأطفال فكرة أن القوة الغاشمة ضمانة للعيش في أمان، ما يعني أن قواعد التربية السليمة غير موجودة، إلى درجة أن بعض الآباء يتفاخرون ببلطجة أولادهم بعدم الصمت على أي تجاوز يتعرضون إليه.
والطفل الذي يمارس هواية التنمر بحق الفئات الأقل، في النهاية ضحية تربية أسرية زرعت بداخله ثقافة عدوانية، ومهما قررت جهات القضاء محاسبته، فلن يتجاوز الأمر أربعة أيام لتحسين سلوكه، أما الطرف الذي رباه على ذلك لا يتم توجيه اللوم إليه أو الضغط عليه أو حتى ترهيبه لتركيز جهوده في تربية الصغير بشكل صحيح.
ويقول هؤلاء، إن تبرئة الآباء من السلوكيات الخاطئة للأبناء عندما يرتكبون جرائم اعتداء وقتل وتهديد حياة في حق الآخرين للخطر، لم يجن منها المجتمع سوى جيل من الخارجين على القانون، فلا القضاء يُحاسب الصغار بعقوبات غليظة، ولا يوجه أصابع الاتهام إلى أرباب الأسر، فلا بد من وقفة بمحاسبة الطرف المسؤول عن سوء التربية.
وقد اعتادت المؤسسات القضائية الإفراج عن الطفل المتهم بارتكاب أخطاء، مثل التحرش والسرقة والاعتداء البدني، شريطة أن يوقع ولي الأمر على إقرار بتقويم سلوكه، لكن أغلب الآباء لا يلتزمون بتنفيذ التعهد، لأن النيابة العامة لن تكلف مَن يراقب الطفل في المنزل لمعرفة هل نُفذ شرط الإفراج أم لا، وغالبا ما يكرر الصغير نفس الخطأ، ويخرج من القضية بذات الطريقة مجددا.
ولم تنكر بعض الأصوات امتعاضها من فكرة معاقبة الآباء على جرائم الأبناء، بدعوى أن الابن لن يستفيد شيئا من حبس والده، بل قد يتعرض لأذى نفسي ويتم هدم الكيان الأسري، ويجب التفكير في عقوبة على الطفل نفسه، بديلا عن غياب العقوبات الرادعة، مثل إيداعه بالإجبار لفترة في دار رعاية لتقويم سلوكه ، ثم الإفراج عنه.
وأكدت إنشاد عزالدين خبيرة علم الاجتماع، لـ”العرب”، أن محاسبة الآباء على خطايا الصغار، “رسالة ردع لكل من يستسهل ارتكاب أبنائه تصرفات تؤذي الآخرين، لأنه المسؤول الأول عنهم، ولو كانت هناك عقوبات على أرباب الأسر لما أصبح الصغير يحمل سلاحا يعتدي به على الغير بطريقة قد تفضي إلى الموت”.
وذكرت أن التلويح بمساءلة ولي الأمر، يفضي إلى استفاقة كل أب وأم ليركز كلاهما بعناية على تقويم سلوكيات الأبناء، ودائرة علاقاتهم خارج المنزل، فمن يربي بشكل خاطئ سيكون مجبرا على إصلاح أسلوبه، لأن البعض اعتادوا السير في الطريق السليم كلما تعرضوا للترهيب، أما لو شعروا بالحرية فقد يتمادون في الخطأ.
ولفتت إلى أن حبس الأب الذي يُخطئ ابنه، يجعل الطفل يشعر بالذنب، أي أن محاسبة رب الأسرة هدفها توجيه عقاب نفسي للصغير أولا، وهذا أفضل أسلوب لشريحة تشعر بأنها فوق القانون ولديها نفوذا وامتيازات يمكن أن تغطي على جرائم أبنائها، وعند معاقبة الآباء يشعرون بأن الوجاهة الاجتماعية ستزول فيضطرون إلى الالتزام.
وبغض النظر عن تبعات محاسبة الآباء على أخطاء الصغار، فإن المعضلة الأكبر في نظر الكثير من الأسر تكمن في شكل وطريقة التربية عموما، فهناك شريحة ما زالت تتعامل مع الأطفال بنفس الأسلوب الذي تربت عليه في الماضي، بإطلاق العنان لهم، وحملهم لقب خارج عن القانون منذ الصغر، أو باتباع النهج الحديث بأن يكون الابن مسؤولا عن تصرفاته في الصواب والخطأ.
ويقود ذلك، إلى أن السواد الأعظم من أرباب الأسر ليسوا على دراية بكيفية التنشئة السليمة للأبناء، وكل عائلة تربي أولادها حسب معتقداتها وأفكارها، لا وفق قواعد علمية وتربوية صحيحة، وهو الدور الذي أسقطته مؤسسات تعليمية وثقافية وإعلامية من حساباتها، والمتمثل في توعية الأهالي بأسس التربية المعاصرة التي تجنب الآباء والأولاد وصمة المجتمع ومساءلة القانون.