القرار سيد المسار
عرفت الفتى في سن الورد حين كنت أشرف على إعداد منوعة تلفزيونية رمضانية على قناة حنبعل التونسية الخاصة، وكان ليلتها ضيفا عابرا على برنامج “الخيمة” برفقة مجموعة من الوجوه التمثيلية الشابة التي استضافتها مقدمة البرنامج عفاف الغربي، للحديث عن مسلسل “نجوم الليل”، حيث اكتشف الجمهور التونسي لأول مرة مجدي السميري، أو “ماغي” كما يحلو لرفاقه مناداته.
لمست فيه يومها طاقة متوهجة وطموحا جسورا؛ فإلى جانب كونه برع في تقمص شخصية الميكانيكي في المسلسل، عرفنا فيه ميلا للاختلاف، وهو مغني الراب الذي يغني الهم اليومي للشباب التونسي، إبّان الثورة وغداتها.
كان هذا في رمضان 2011، ولم يتأخر نبوغ ماغي لا في التمثيل، كما كنّا نتوقّع له، أو في الراب كما كنّا نتخيّل وهو ابن الثورة الثائرة على السائد والمُعتاد، بل في مجال الإخراج.
وكانت البداية بسيتكوم “هابي ناس 1 و2” (أناس سعداء)، ثم تلاه سيتكوم “طالع هابط” (صاعد نازل)، قبل أن يعرف ذروة نجاحه الإخراجي من خلال سيتكوم “بوليس حالة عادية 1 و2” (شرطة حالة عادية) وأيضا المسلسل الدرامي “ليلة الشك”، اللذين حاز عنهما السميري جائزتين في الدورة الثانية لمهرجان الأردن للإعلام العربي لعام 2015.
“بوليس حالة عادية” لم تكن سلسلة عادية بالنسبة إلى ماغي أو للمشاهد التونسي، بل والعربي إجمالا، حيث تم وللمرة الأولى في تاريخ الدراما المغاربية نسخ سلسلة تونسية وتحويلها إلى رديف لها باللهجة الجزائرية، فأتت “بريغاد 73” (لواء 73) الجزائرية بممثلين وتمويل وديكور من الجزائر، لكن بإمضاء تونسي خالص، حيث منح شرف إخراج السلسلة للشاب المُغامر مجدي السميري.
ولأنّ طموح ماغي لا يسعه حيِّز، ها هو اليوم يستعدّ لاقتحام أسوار هوليوود العرب، مصر، بمسلسل اجتماعي ضخم حمل من العناوين “اختيار إجباري”، حيث وقع اختيار المنتجين للعمل على المخرج التونسي الشاب مجدي السميري، ليكون اللاعب رقم واحد في هذه السلسلة الدرامية المصرية، والتي من المزمع أن تجمع عددا كبيرا من النجوم العرب.
ويقول الخبر الذي تداولته جل وسائل الإعلام المصرية والعربية أن المسلسل تدور أحداثه في 60 حلقة، في إطار اجتماعي تشويقي، مستعرضا التأثير المفزع لتكنولوجيا التواصل الاجتماعي والإنترنت على أدقّ تفاصيل الحياة اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا وحتى أخلاقيا وتربويا على أبطال السلسلة.
هو إذن “اختيار إجباري” من صناع الدراما المصرية، وليس منّة، لموهبة إخراجية تونسية، عرفت في “هابي ناس” بجزئيه كيف توظّف بعض “الهاشتاغات” الفيسبوكية بنجاح لتُضمّنها سلسلة كوميدية جماهيرية، وتمكنت في سلسلة “طالع هابط” من استغلال الفضاء الضيق والمتمثل في مصعد ليكون فضاء رحبا للسخرية من بعض السلوكات المجتمعية لسكان العمارة الواحدة، الأصدقاء الأعداء، كما أبدعت في “البوليس” بنسختيه التونسية والجزائرية من خلال إعلاء سلطة التكنولوجيا الرقمية للكشف عن جرائم الإرهاب والحق العام بأسلوب مرح، مبدأه الأساسي كوميديا الموقف اللاذع دون ابتذال.
ليأتي “ليلة الشك” الدرامي عن جدارة، اعترافا آخر بقدرة السميري على تقديم مسلسل اجتماعي دسم، قدّم الممثل التونسي نجيب بلقاضي في دور مُركّب لم يأته من قبل، فأمتع وأقنع في تقمّص دور الزوج المخدوع في عِرضه وصداقته.
وبين الكوميديا والتراجيديا أثبت السميري أنه مخرج من طينة الكبار، ولعلّ اختياره لإخراج المسلسل المصري “اختيار إجباري” سيوسّع من مجاله الجغرافي الإخراجي، لتطال عدسته كافة العواصم العربية لاحقا، وبذلك يتأكّد أنّ تنحي ماغي الطوعي عن ميولاته الأولى بين أن يكون ممثلا أو فنان راب، ليختار الإخراج مع سبق الإصرار والترصّد، كان قرارا مدروسا، لا إجباريا.
والأكيد أنه متى تشبّع المرء بمواهبه ودعّمها بالدراسة الأكاديمية والطموح الفذّ تفتح له أبواب النجومية على مصراعيها، فالقرار سيّد المسار أولا ودائما.
صحافي من تونس