القاهرة توقظ صناعة الكتان لاستعادة صادراتها المنسية

بدأت القاهرة رحلة التفتيش عن منافذ جديدة لصناعة الكتان بهدف دعم فرص زيادة صادراتها للأسواق الخارجية وخاصة العربية، بعد أن ظل القطاع منسيا لسنوات نتيجة السياسات الارتجالية للحكومات السابقة وكذلك الاضطرابات التي شهدتها البلاد منذ 2011.
القاهرة - دشنت الحكومة المصرية خطة لإحياء زراعة وصناعة الكتان ومحاولة استعادة أسواقها التصديرية، التي فقدتها على مدى سنوات، وطالت هذا المحصول، ما دفع المزارعين للعزوف عن زراعته وتوقفت مصانع إنتاجه.
وقالت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي إن الخطة تستهدف منح حوافز للمزارعين، ووُضع نظام لشراء المحصول واستنباط أنواع تعزز زيادة الإنتاجية من خلال البحوث العلمية.
وتراجعت مساحة زراعة الكتان إلى 20 ألف فدان مقارنة بنحو 70 ألفا قبل عشر سنوات، حيث يدخل هذا المنتج في صناعات متعددة، ما يزيد القيمة المضافة للاقتصاد.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن من أهم الأسواق استيرادا للكتان المصري كل من الإمارات والسعودية ثم تأتي كل من الصين وبلجيكا.
ودفعت اقتصاديات صناعة الكتان مجموعة كعكي المملوكة للمستثمر السعودي عبدالإله كعكي إلى طرق باب الخصخصة المصري عام 2005 والاستحواذ على شركة طنطا للكتان والزيوت وهي أول شركة تأسست في 1954 لتصنيع الكتان بهدف تصديره.
وتسبب إضراب العاملين والدعاوى القانونية حول خصخصة الشركة في عودتها مجددا إلى حضن الحكومة بحكم قضائي وإلغاء صفقة البيع.
وأكد مفرح البلتاجي، رئيس شركة مصر العامرية للغزل والنسيج وعضو اتحاد مصدري الأقطان، إنه منذ تصاعد الخلاف الدائر بشأن عودة شركة طنطا للكتان لقطاع الأعمال العام وانهارت هذه الصناعة في مصر، لأنها الشركة الوحيدة التي تشتري الكتان من المزارعين.
وقال في تصريحات لـ”العرب”، إن “الحكومة ستواجه عقبات في سبيل إحياء صناعة الكتان، مع مغادرة غالبية الكفاءات العمل بشركة طنطا، فضلا عن طريقة إعداده التي تتطلب استخدام التكنولوجيا الحديثة لسهولة فصل الألياف”.
تتوطن زراعة الكتان في محافظة الغربية في وسط الدلتا شمال مصر، وتبعد عن القاهرة بنحو 90 كيلومترا، ويصل إجمالي مساحة زراعته نحو 6290 فدانا، في مراكز زفتي وسمنود والمحلة وقطور وطنطا.
وتعد قرية شبرا ملس بالمحافظة، المركز الرئيسي لزراعة وصناعة الكتان، وهي تضم وحدها أكثر من 30 مصنعا صغيرا لـ”تعطين” الكتان، وهي عملية تسبق التصنيع حيث يتم وضع ألياف الكتان في الماء لفترة طويلة لضمان تخمر ألياف سيقانه.
ويعمل في هذه المراحل نحو 99 بالمئة من سكان القرية وتنتج نحو 85 بالمئة من إجمالي الإنتاج المحلي للبلاد، ويطلق عليها أيضا قرية بلا بطالة لأن معظم سكانها يعملون في مجال زراعة وتصنيع الكتان.
وأشار البلتاجي، إلى أن إحياء تلك الصناعة يتطلب إعادة هيكلة تامة لمصنع طنطا للكتان، ثم التعاقد مع المزارعين لتشجيعهم على زراعة المحصول، لكن المصنع بوضعه الحالي لا يمكنه العمل سوى بنحو 5 بالمئة من طاقته الإنتاجية.
ورغم هذا التحدي، إلا أن الحكومة أمام فرصة ذهبية لعودة تلك الصناعة إلى سابق مجدها وتصدير منتجاتها للأسواق العربية، لأن الكتان من المحاصيل البسيطة التي تُزرع في أي أرض وغير مستهلك للمياه.
ويبلغ الإنتاج العالمي من ألياف الكتان نحو 600 ألف طن متري سنويا وتتصدر الصين عمليات الإنتاج والزراعة تليها فرنسا ورومانيا وروسيا البيضاء وهولندا.
ووصل الإنتاج العالمي من بذرة الكتان حوالي 2.5 مليون طن سنويا، ومن أهم البلاد المنتجة لبذرة الكتان كندا والصين والهند وأوكرانيا والأرجنتين.
وقدرت دراسة أعدها مركز البحوث الزراعية، عوائد صناعات مشتقات مخلفات “الكتان” بنحو 80 مليون دولار من خلال القيمة المضافة على مراحل التصنيع المتنوعة.
وقال نادر نورالدين، أستاذ الأراضي بكلية الزراعة – جامعة القاهرة، إن “وزارة الزراعة أهملت المحاصيل المميزة، ومن أهمها الكتان، فمنتجات بنغلاديش وباكستان حلت مكان المنتجات المصرية في أوروبا”.
وأوضح لـ”العرب” أن إحياء صناعة الكتان، تحتاج لجهود كبيرة من جانب قطاع الإرشاد بوزارة الزراعة لإقناع الفلاحين بزراعة الكتان مجددا، خاصة وأنه في الوقت الذي تدهور في مصر ازدهرت زراعته على نطاق كبير في أوروبا.
ويستخدم الكتان في تصنيع الزيوت التي تدخل في صناعة الدهانات، فضلا عن أنه من الزراعات الرشيدة في استهلاك المياه، مقارنة بغيره من المحاصيل الشتوية.
وأشار مركز البحوث الزراعية، إلى أنه يمكن الاستفادة من سيقان الكتان في صناعة الخشب الحبيبي، وهو أحد أنواع الأخشاب التي لا تتحمل ضغطا عاليا ويستخدم في عمليات التغليف، وله سوق تصديرية كبيرة.
ولفت حسين أبوصدام نقيب الفلاحين، إلى أن المزارعين عزفوا عن زراعة الكتان، لقلة المصانع التي تغزل الكتان وتحوله إلى خيوط، وكذلك الصناعات القائمة على عصر بذرته وتحويلها إلى زيت.
ومن ثم هناك صعوبة تواجه عمليات تسويقه وانعدام العائد الاقتصادي، إلا إذا تم أحيت استراتيجية وزارة الزراعة الصناعات الصغيرة المرتبة بمحصول الكتان.
وكشف أبوصدام لـ”العرب”، أن وزارة الزراعة تتجه حاليا إلى زيادة مساحات زراعة الكتان، لكن لن تستقيم الأمور إلا إذا كانت هناك تطمينات وعقود مكتوبة تلزم الحكومة بشراء الكتان بوصفه من المحاصيل التعاقدية التي يتم شراؤها من أجل التصنيع.
وتتم زراعة محصول الكتان خلال شهر نوفمبر، كما أنه يُزرع غالبا عقب محصول القطن أو الذرة أو فول الصويا، وتصل إنتاجية الفدان الواحد إلى نحو 5.5 طن قش كتان ونحو500 كيلوغرام من البذور.
وللكتان دور مهم في تخفيض فاتورة الرعاية الصحية التي تتحملها البلاد، فمنتجاته صالحة للاستهلاك الآدمي، وحسبما أكدته الدراسات الطبية، فإن تناول بذرة الكتان أو زيتها يحد من مخاطر بعض الأمراض، ويقلل التكلفة الاقتصادية التي تتحملها الدولة لنفقات التأمين الصحي.
ولا تقتصر اقتصادات زراعة الكتان على هذا الجانب فحسب، بل يعد مصدرا مهما لتغذية الحيوانات.
ويقول المختصون في صناعة الأعلاف إن الكتان يعزز زيادة إنتاجية الماشية من اللحوم والألبان، ما يفتح أفقا لاقتصاديات الاستثمار الحيواني ويخفض فاتورة استيراد الأعلاف.
كما يدخل الكتان في صناعة الأوراق وخاصة ورق العملة، الذي يستخدمه البنك المركزي في العادة لطباعة النقود الجديدة.
ويؤكد الخبراء أنه كلما ازدادت نسبة الكتان في تصنيع الورقة المالية أصبحت أكثر نقاء وأعلى قيمة من حيث صعوبة تزويرها.
وتعتبر الولايات المتحدة من أهم الدول التي تستورد الكتان المصري لاستخدامه في صناعة الدولار، بالإضافة إلى عدد من الدول الأوروبية والعربية.