الغنوشي يستغل ارتباك قيس سعيد للاستئثار بمبادرة الحوار وتفعيلها

بعد أيام من الجمود الذي خيّم على قصر قرطاج الرئاسي في تونس توجه رئيس البرلمان راشد الغنوشي رسميا إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، من أجل تمكينه من نسخة من مبادرته الرامية إلى تنظيم حوار وطني تمهيدا لتحركات قد تؤدي إلى تفعيل هذه المبادرة بخلاف ما قام به الرئيس قيس سعيد الذي لم يتحرك لتفعيلها.
تونس – تشي جل المؤشرات في تونس بأن رئيس البرلمان راشد الغنوشي يتجه نحو سحب البساط من تحت قدمي رئيس الجمهورية قيس سعيد بشأن مبادرة الحوار الوطني التي كان قد أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، أعرق المنظمات النقابية في البلاد.
وحاول اتحاد الشغل، الأربعاء، نفي ما تردد خلال الأيام الماضية عن إرساله لنص مبادرته إلى رئاسة البرلمان، حيث شدد في بيان له على أنه وجّه نسخة “المبادرة إلى البرلمان ككل وليس لرئاسة المجلس النيابي فقط”.
وعزز البيان الذي صدر بعد أن سرّع الاتحاد من وتيرة تحركاته بشأن الحوار الوطني، التكهنات بشأن نوايا الغنوشي الإمساك بزمام الأمور بشأن الحوار الوطني ولمَ لا حتى الدعوة إليه.
وقال البيان “غاية ما في الأمر أن رئيس مجلس النواب (البرلمان) قد طلب تمكينه رسميا من نسخة من المبادرة وهو ما تم فعلا”.
وقالت مصادر مقربة من رئيس البرلمان لـ”العرب”، إن نص المبادرة أُرسل إلى الغنوشي وليس للبرلمان، وهو ما استغله الغنوشي الذي روجت أوساط مقربة منه إلى أن ذلك بمثابة انتصار على سعيد.
وروجت هذه الأوساط المقربة من حركة النهضة الإسلامية التي يرأسها الغنوشي إلى أن الأخير سيتولى الدعوة للحوار الوطني باعتبار أن سعيد لم يغادر بعد مربع التردد بشأن مبادرة الاتحاد.
ويرى مراقبون أن الاتحاد متوجس من أن ينتهي تردد سعيد بفشل مبادرته خاصة أن هناك “مسارات موازية” للحوار أرادتها أطراف أخرى على غرار الغنوشي الذي شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة الذهاب في الحوار ومن داخل “المؤسسات المنتخبة”، في وقت لوح فيه الاتحاد بعدم المشاركة في أي مبادرة أخرى إذا فشلت مبادرته، وهو ما يعكس الرهان الكبير للاتحاد على مبادرته.
وقال الأمين العام المساعد للاتحاد سمير الشفي السبت الماضي، إنه “من المنتظر أن يعلن الرئيس قيس سعيد عن رؤيته لتفعيل مبادرة الاتحاد للحوار الوطني”.
ولكن ذلك لم يتم حتى الآن ما زاد من التكهنات بشأن أوراق يملكها الاتحاد قد يستعملها للضغط على سعيد ودفعه نحو الدعوة إلى الحوار رغم أنه ليست هناك أي ضمانات حتى الآن لإنجاح هذا الحوار.
وبدا واضحا ارتباك سعيد الذي لم يحسم بعد موقفه من خلال الدعوة إلى الحوار الوطني، الذي كان من المفترض أن يُعالج نقاطا سياسية واقتصادية واجتماعية، حيث جدد في وقت سابق رفضه المطلق “للحوار مع من هم مطلوبون للعدالة” لدى استقباله الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي.
وحاول الطبوبي في أعقاب اللقاء التخفيف من حدة تصريح سعيد من خلال التأكيد على أن الرئيس متحمس لمبادرة الحوار.
وقال المحلل السياسي سرحان الشيخاوي، إن “الاتحاد أرسل بشكل رسمي مبادرة الحوار الوطني إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي (..) بيان الاتحاد تحدث عن أن الغنوشي أراد الاطلاع على تفاصيل المبادرة، والغنوشي إذا أراد ذلك فإن المبادرة منشورة عبر موقع الاتحاد على الإنترنت، ما يعني أنه لا يستحق أن يطلب من الاتحاد ذلك”.
وأوضح الشيخاوي في تصريح لـ”العرب”، أن “الاتحاد لا يريد أن تكون مبادرته منحصرة لدى طرف فقط بل أن تكون منفتحة على كل مؤسسات الدولة خاصة أن الوجهة الأولى (رئاسة الجمهورية) ليست وجهة جامعة (..) علاوة عن أن هذه المبادرة بقيت أكثر من 21 يوما لدى الرئيس دون أن يتحرك أو يتفاعل معها”.
وفي وقت سابق غيّر الغنوشي من تكتيكه من الضغط على حكومة هشام المشيشي إلى دعم مبادرات الحوار وبقوة في محاولة منه لصرف الأنظار عن الانقسامات التي تعصف بحزبه بسبب المؤتمر الحادي عشر، علاوة على ترميم علاقته بالرئيس سعيد بعد صراع مرير بينهما على الصلاحيات وغيرها.
ودعا الغنوشي مرارا إلى الحوار، فيما أكدت حركة النهضة الإسلامية التي يرأسها في العديد من المرات هي الأخرى على الحاجة الماسة إلى الحوار الوطني لإنهاء الأزمة التي تمر بها البلاد.
وبالرغم من أن الاتحاد قال في وقت سابق إنه قطع التواصل مع حركة النهضة بسبب “التهجّم على الاتحاد وقياداته سواء أكانت من الحركة أم ممّن كلَّفتها بالوقوف وراءها” على لسان أمينه العام المساعد سامي الطاهري، في إشارة واضحة إلى كتلة ائتلاف الكرامة المعروفة بمعاداتها للاتحاد، إلا أن الغنوشي أراد تدارك ذلك في بيان أخلى فيه مسؤولية البرلمان من أي “تصريح لأي نائب” دون أن يدين ائتلاف الكرامة.
وقال الشيخاوي “إن البرلمان لا يريد توتير علاقته بالاتحاد ونفس الشيء بالنسبة إلى الاتحاد الذي يراهن على البرلمان (..) الاتحاد بقي على امتداد 8 أشهر يعد مبادرة الحوار الوطني وكانت الترتيبات في البداية تستهدف الجانب الاقتصادي والاجتماعي ثم ألحق بها الجانب السياسي، لذلك من حقه أن يمنع ذهاب هذه المبادرة أدراج الرياح ومن حقه أن يدافع عليها بعد أن اتضح أن رئيس الجمهورية لا يعتزم القيام بأي تحرك تنفيذي تجاه مبادرته (..) الاتحاد سيتحرك في اتجاهات أخرى بعد التحرك صوب البرلمان”.
ومنذ تقديم الاتحاد مبادرته إلى قيس سعيد بداية هذا الشهر لم يحسم رئيس الجمهورية موقفه بشأنها حيث لا يزال يتوعد “الخونة والعملاء”، ويشدد على أنه “لا حوار مع الفاسدين ومن هم مطلوبون للعدالة” ما جعل الاتحاد يتخوف من إجهاض مبادرته رغم التفاؤل الذي يبديه على لسان قياداته.