الطفل الوحيد يطور علاقة أوثق مع والديه

اضطرار الطفل الوحيد إلى الاعتماد على نفسه في سن مبكرة يجعله أكثر قدرة على حل المشكلات.
السبت 2021/08/21
الخصائص السلوكية للأطفال الوحيدين لا تختلف عن الذين لديهم أشقاء

تؤكد الدراسات الحديثة أن الطفل الوحيد يتمتع بعلاقة أقوى وأعمق مع والديه مقارنة بالآخرين، وأنه أكثر قدرة على حل المشكلات بطرق أكثر إبداعا، وأن تفكيره يتميز بمرونة وسعة حيلة، وذلك نظرا لاعتماده على نفسه في سن مبكرة. وكانت دراسات سابقة قد أشارت إلى أن الأطفال الذين ليس لديهم أشقاء كانت أخلاقهم سيئة ويعانون من ضعف إدراكي ومعرفي.

يقلل خبراء علم النفس من نتائج متلازمة الطفل الوحيد التي تكون عادة سلبية وتشمل الأنانية والتعلق المفرط والعزوف عن مساعدة الآخرين.

وقالت بوليت شيرمان عالمة النفس الأميركية إن الأبحاث لم تظهر أن الطفل الوحيد أسوأ حالا من الأطفال الذين يكبرون وسط أشقاء.

وأضافت أن بعض التأثيرات تحدث على سلوكيات الطفل الوحيد بسبب بقائه بمفرده كثيرا، وقضاء الكثير من الوقت مع والديه، والشعور بالضغط لتحقيق النجاح، وجذب انتباه الوالدين طوال الوقت، وتلبية معظم احتياجاته ورغباته، لكنها تؤكد على الجوانب الإيجابية لذلك لتطوره المعرفي والاجتماعي نتيجة تطويره لعلاقة أوثق مع والديه أثناء الطفولة والمراهقة واعتماده على النفس أغلب الوقت.

وفي إحدى الدراسات حقق الأطفال الوحيدون درجات أقل في التسامح والإيثار والتعاون والمساعدة، لكنهم كانوا الأفضل في اختبارات التفكير الإبداعي.

وكانت دراسات سابقة قد أشارت إلى أن الأطفال الذين ليس لديهم أشقاء كانت أخلاقهم سيئة ويعانون من ضعف إدراكي ومعرفي.

لكن في السنوات اللاحقة بدا أن الخصائص السلوكية للأطفال الوحيدين أو الذين لديهم أشقاء لا تختلف، وكان الاختلاف الوحيد هو تمتع الطفل الواحد بعلاقة أقوى مع والديه مقارنة بالآخرين، وظهر ذلك لأول مرة في مراجعة لأكثر من نتائج 200 دراسة ثم تأكدت الفكرة لاحقا.

ورغم علاقاتهم المتينة بآبائهم، عادةً ما يساور الأطفال الوحيدين شعور بالندم أنهم ترعرعوا دون أشقاء. ولما طلب من بعض الشباب استرجاع فترات طفولتهم، وجد العديد منهم أنه من المؤسف أنه لم يكن لديهم رفيق لعب موثوق به، كرفقاء اللعب الذين حظي بهم مَنْ لهم أشقّاء، وحقيقة الأمر أن الأطفال الوحيدين في سنِّ ما قبل المرحلة الدراسية عادةً ما يكون لهم أصدقاء خياليون يُصبحون حلفاءهم، ويشاركونهم في شؤونهم اليومية. ويرى خبراء علم النفس أن الرفاق الخياليين يعزّزون التطور الاجتماعي والقدرة على التواصل.

وفي العام 2014 نشر معهد دراسات السكان والتنمية بجامعة شيان الصينية نتيجة دراسته بعد إجراء مسح بين طلاب المدارس الثانوية، واكتشف الباحثون أن الطفل الواحد يتمتع بعلاقة أقوى وأعمق مع والديه مقارنة بالآخرين، بما في ذلك الطفل البكر، والعائلات التي لديها طفلان فقط.

الأطفال الوحيدون حققوا درجات أقل في التسامح والإيثار لكنهم كانوا الأفضل في اختبارات التفكير الإبداعي

وفحصت دراسة أخرى بقيادة عالم النفس الصيني جيانغ كيو من جامعة ساوث ويست في تشونغتشينغ 3 مجموعات من الأطفال الوحيدين والأطفال البكر وأطفال لديهم أشقاء أكبر سنا لقياس أبعاد شخصيتهم ونموهم الإدراكي.

وحقق الأطفال الوحيدون درجات أقل في التسامح والإيثار والتعاون والمساعدة، لكنهم كانوا الأفضل في اختبارات التفكير الإبداعي. وكانوا أكثر قدرة على حل المشكلات بطرق أكثر إبداعا، وتميز تفكيرهم بمرونة وسعة حيلة في كثير من الأحيان نظرا لاعتمادهم على أنفسهم في سن مبكرة.

كما كشفت نتائج الرنين المغناطيسي عن اختلاف بنية الدماغ بين الأطفال، حيث طوّر الأطفال الوحيدون منطقة قشرية مرتبطة بالإبداع والخيال، ومنطقة مرتبطة بالذكاء، لكن الباحثين اكتشفوا عدد خلايا أقل في المنطقتين بدماغ الأطفال الذين لديهم أشقاء.

ومن الإيجابيات الأخرى لتنشئة طفل واحد هي الاعتقاد السائد بأن تنمر الإخوة تجاه بعضهم ظاهرة طبيعية أو غير ضارة، إلا أن هناك أدلة كثيرة على أن تنمر الإخوة يزيد من احتمالات الإبلاغ عن عدد من المشاكل النفسية في مرحلة الطفولة والبلوغ المبكر، مثل الاكتئاب والقلق وإيذاء النفس والاضطرابات العقلية.

ويحدث ذلك بسبب شعور الطفل المتنمر بعدم المساواة، وتصوره الخاص عن علاقة الطفل الآخر بالوالدين، فيتبنى سلوك التهور لتحسين وضعه.

ووفق 4 دراسات أجريت في بلدان مختلفة عام 2018 فإن معدلات تنمر الإخوة أعلى بكثير من تنمر زملاء الدراسة، ويشارك ما يقرب من 50 في المئة من الأطفال في سلوكيات للتنمر تجاه أشقائهم كل شهر، وبين 16 و20 في المئة يتعرضون للتنمر أكثر من مرة أسبوعيا.

وتترك النتائج السلبية للطفل الوحيد أثرها الدائم عندما لا تتوفر لديه الفرصة للاختلاط مع أشخاص خارج أسرته، وبالأخص الأطفال الآخرين. وقد يواجه بعض الصعوبات بداية من المراحل الدراسية، أو عند الانخراط في الأنشطة الرياضية والاجتماعية. لكنه وبمرور الوقت يدرك موقفه ومهاراته ويطور مستوى التأقلم والراحة في مجتمعه الجديد، مما لا يعني بالضرورة ظهور السلوكيات النمطية المعروفة عن الطفل الواحد.

Thumbnail

ويصبح الوعي بالجوانب السلبية عند تنشئة الطفل الواحد أحد أفضل الأشياء التي يمكن تنميتها لدى الأسرة والطفل، ويمكن الإدراك أن الميل المفرط نحو الإنجاز والنجاح أن يؤدي إلى الإرهاق والضغط النفسي، كما هو إدراك أن السعي وراء الاهتمام عقبة يجب التغلب عليها، لذلك من المهم السماح للطفل الواحد بتعلم المشاركة والتعاون لحل المشكلات وتشجيعه على اللعب مع الأطفال الآخرين وتكوين فرق متنافسة في سنوات طفولته المبكرة.

ومن المهم أن يعمل الوالدان بجدية أكبر من أجل تعليم أطفالهم الوحيدين المهارات الاجتماعية، وابتكار مناسبات يتعين على الطفل فيها مشاركة ألعابه وكتبه.

خلافا لذلك فإن توفير بيئة محبة وهادئة يبدو أكثر أهمية من عدد الأطفال في الأسرة، كما أن كل أسرة تختلف عن الأخرى، حتى لو كان هناك طفل واحد فقط في الصورة، وستكون الطريقة التي ينمو بها فريدة بالنسبة إليه.

وينصح الخبراء بتشجيع الطفل على التفاعل مع الآخرين. وعند إنجاب طفل واحد يجب الاهتمام بأنشطته الاجتماعية والتي تبدأ في كثير من الأحيان في سن الـ18 شهرًا.

وأكد أحد أساتذة طب الأطفال في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو على أهمية تشجيع الأطفال على مشاركة الألعاب والأنشطة الترفيهية مع والديه، وكذلك مع أصدقائه.

وقال إن الأطفال الوحيدين لا يمرون بمواقف كثيرة مهمة تحدث بين الأشقاء وتساعد الطفل في التعايش وتكوين علاقات اجتماعية، لذلك يجب بذل مجهود أكبر معه لمساعدته في النجاح في المواقف الاجتماعية، من خلال تشجيعه على المشاركة والتنازل في بعض المواقف وإبداء الاعتبار للآخرين.

ودعا إلى تقاسم بعض المسؤولية مع الطفل الوحيد، لأن الأطفال الوحيدين قد يصبحون أكثر اعتمادًا على الآباء للحصول على الدعم المعنوي والمساعدة في الأعمال المنزلية والترفيه. ويمكن للآباء تعزيز هذا الاعتماد دون علم لمساعدة الطفل في أن يصبح أكثر استقلالية.

21